يسيرون في طريق الحق لا يبالون، على درب الهداية ماضون، لا يهمهم إرجاف المرجفين ولا تثبيط المنافقين، سائرون إلى أهدافهم بعزيمة لا تستكين وإرادة لا تلين، صراطهم مستقيم ودربهم واضح مبين.
إنهم قمم شامخة وجبال راسخة يحافظون ويحفظون، يحافظون على قيم الأمة وهويتها، ويحفظون توازنها، يعيدون لها استقرارها كلما هزتها المحن وألمت بها انكسارات أو أصابتها هزائم، فإذا بهم وهم الراسخون القابضون على دينهم المتمسكون بفضائل أمتهم لا يهادنون ولا يداهنون ولو رجت بهم الأرض رجاً وتداعى عليهم الأباعد وخذلهم الأقارب.
لا يغرهم ضلال المضلين ولا إعلام المفترين، لا تقهرهم رياح عاصفة ولا تؤثر فيهم أمواج عاتية.
التابثون بشر من البشر، قلوبهم لم تقد من حجر وأجسادهم ليست حجارة ولا حديداً.
لهم قلوب رقيقة وأحاسيس فياضة، لكن قلوبهم تعلقت بخالقها فقواها، وسارت على هدى الحق فرقاها، في داخلهم نفوس صافية وقلوب واعية ومشاعر راقية، زكوا أنفسهم فارتفعوا عن سفاسف الأمور وحلقت أرواحهم بهم إلى علياها، سمت أرواحهم بالقرآن فعلت بهم في مدارج الكمال، لذا فهم واضحون لا يتلونون ولا ينافقون، لا تجدهم مع الفارغين ولا يخوضون مع الحائضين، أوقاتهم في الخيرات وأعمارهم في الطاعات.
هم هم واحدهم بألف وفردهم بأمة، قلة لكنها مؤثرة، يحسبهم الجاهل ضعفاء ويظنهم المسكين بلهاء، ووالله لو أنصف لرأى قوتهم ولاعترف بعظمتهم.
أقوياء بتوكلهم على العزيز الرحيم، وباقتدائهم بأمة الحق المهتدين، لا يضرهم من خالفهم، تيقنوا طريقهم ودفعوا ضريبة الانتماء لأمة يتصل ركبها بإمام الأنبياء.
يا سادة، إنهم الصامدون في زمن الانتكاس والارتكاس، في زمن العهر الإعلامي والخداع الأممي والتلوث الأخلاقي.
إنهم الذين لم تزدهم المحن إلا صلابة، بل إنهم يرونها خيراً عليهم وعلى أمتهم فقد أظهرت زيف بعض المعادن وخداع لمعانها، وكشفت عن مواطن الداء ومصادر البلاء وطفح على السطح أناس زخرفت ظواهرهم فإذا بهم خواء، أما هؤلاء التابثون الراسخون فقد تجلى بلا مراء لذي اللب جوهرهم الثمين ومعدنهم الأصيل، وظهروا لنا في المشهد كلما تلونا قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب: 23).
فطوبى لهم وهم هم الأحياء، سمو فوق كل علياء.
وتحية لتلك القمم الشماء تستجيب لنداء السماء وترفع للحق لواء.