الحمد لله رب العالمين، الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، والصلاة والسلام على من كان خلقه القرآن، فجعله ﷲ به سراجاً منيراً، أما بعد..
فما أشرف مقامك يا حامل القرآن! وما أعظم بضاعتك! يحق لك أن تزهو بها بين الخلق، زهواً لا ينبع من تكبرٍ ولا غرور، ولكن من اعترافك بفضل ﷲ عليك أن اصطفاك لحمل كلامه ومشاعل نوره، فمن يوازيك في الفضل؟! ومن يساميك في الخيرية؟! فرسول ﷲ ﷺ بنفسه شهد لك بذلك، فقال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
هذا الشرف عرفه عمر بن الخطاب رضي ﷲ عنه، فلما جاء خراج العراق، جعل غلام لعمر يعد الإبل الكثيرة ويقول: هذا والله من فضل ﷲ ورحمته، فقال عمر رضي ﷲ عنه: كذبت، ليس هذا هو الذي يقول ﷲ تعالى فيه: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58)، قال أهل التفسير: إن «فضل ﷲ» هو الإسلام، و«رحمته» هي القرآن، فأين تذهب كنوز الأرض التي يجمعها الدنيويون ويتقاتلون عليها بجوار كنز القرآن العظيم؟!
إن القرآن وحده ما يستحق الفرح بنص القرآن، ليس غير، فكل ما سوى القرآن زائل، ووحده كتاب ﷲ يبقى لك ذخراً في حياتك وبعد مماتك، ومما شرفك ﷲ به أن جعلك مُعلماً لكتابه مع ما في ذلك من ثواب لا يخطر ببال، ولا يحيط به خيال، وتأمَّل معي روعة البشرى والجائزة الكبرى التي أعلن عنها رسول ﷲ ﷺ، فقال: «من علّم آية من كتاب ﷲ؛ فله أجرها ما تليت».
وتفكر معي! كم مرة سيقرأ من علمته القرآن آيات القرآن التي أقرأتها إياه؟! ومع كل حرف ينطق به لسانه، سيجعل ﷲ لك مثل أجره، دون أن ينقص ذلك من أجره شيئاً، ولعلك تكون غداً موسّداً في قبرك، بينما نهر حسناتك لا يزال يجري، وصحيفة حسناتك لا تزال مفتوحة غير مطوية، تخيل فيها الملائكة تكتب ما يتلوه تلامذتك من آيات، ويصلونه في ركعاتهم، إن هذا الشرف العظيم نعمة جليلة، فهل أدينا شكرها؟ فإن كل تشريف لا بد بعده من تكليف، وكما لم يجعل ﷲ فوقك أحداً حين حملك بكتابه، فكذلك أدِّ من الشكر ما تسبق به كل أحد، فما واجباتك؟ وما علامات شكرك؟ وما أمارات امتنانك لربك؟
1- الإخلاص وتجديد النية.
2- الفهم.
3- التدبر.
4- العمل بالقرآن.
5- تبليغ رسالته.
6- التحاكم إليه.
7- الاستشفاء به.
8- الاستدلال به.
9- التعظيم.
10- تعليم تلاوته لغيرك.
إن حملة القرآن اليوم ليسوا أكثر الناس عملاً به، ولا أدلهم بسلوكهم عليه، ولا أرشدهم بحالهم على أخلاقه، وهذا خللٌ كبير، وسبب أساسي لنكبة الأمة، وهل هناك أخطر من أن يكون حافظو دستورها أول الخائنين له، والمفرطين فيه؟! فكيف يكون حال غيرهم؟!
يوشك القرآن أن يكون حجة على هؤلاء، لا حجة لهم، وإن حديثاً مخيفاً يطرق آذان حملة القرآن، ليكون صرخة نذير وصيحة تحذير، جاء فيه: «إن أكثر منافقي أمتي قرَّاؤها».
وهل سبب هذا النفاق إلا أنهم لم يعرفوا ما عليهم من واجبات، فغرّهم ثناء الناس عن مراقبة أعمالهم وفحص قلوبهم، فغزاهم الشيطان على غرة؛ فحول أعظم الهبات والأعطيات إلى سبب إصابتهم بأعظم الآفات!
فاستعذ بالله من هذا المصير يا حامل القرآن، ويا حافظ الآيات.