لا مانع إذا سافر الإنسان لطلب المعيشة، لطلب الرزق، ليعمل ويكتسب للنفقة على أهله، أو سافر لطلب العلم، فلا بأس أن يغيب أكثر من أربعة أشهر وأكثر من ستة أشهر، نعم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يأمر الرجل ألا يغيب أكثر من ستة أشهر إذا أمكنه الرجوع إلى أهله، وهذا من اجتهاده رضي الله عنه وأرضاه، والحرص على عفة الفروج، وعلى سلامة المجتمع من الأخطار، فإذا تيسر له أن يزور أهله بعد ستة أشهر فهذا حسن، وإلا فليس بلازم إذا كان في عمل مباح، أو عمل شرعي مثل طلب العلم، وكذلك طلب الرزق وكسب الحلال لينفق على أهله، فهو في هذا في عمل مهم ولا حرج عليه.
ولكن إذا كان يخشى شراً على أهله أو يخشى أن الحالة تسوء بينه وبينهم، فينبغي له أن يلاحظ العودة إليهم سريعاً في الوقت المناسب، ولا يرتبط ارتباطاً طويلاً قد يفضي إلى الفرقة بينه وبين أهله، أو يفضي إلى مضرة عليهم، ولا سيما إذا كان يخاف عليهم من الفساد، فينبغي له أن يلاحظ هذا، بنقلهم معه أو الزيارة التي تكون قريبة لا بعيدة، ويتفق مع من يعمل عندهم على هذا الشيء.
وكذلك إذا كان في طلب العلم يحرص على الزيارة في الأوقات المناسبة، كالإجازة الصيفية، أو غير هذا من الأوقات التي يمكن أن يزور فيها حتى يجمع بين مصلحتين؛ مصلحة طلب العلم والعمل، ومصلحة أهله، وزيارتهم وقضاء حاجتهم.
والواجب على الزوج أن يتقي الله في زوجته وألا يغيب عنها غيبة طويلة يكون فيها خطر عليها من جهة الرذيلة، من جهة الفساد الخلقي، ينبغي له أن يلاحظها ويعتني بها، وإذا أمكن أن يكون العمل في البلد التي هي فيه حتى يكون عندها ويبيت عندها يكون هذا هو الأصلح، وإذا كان لم يتيسر ذلك فينبغي له أن يلاحظها بالزيارة لها بين وقت وآخر قريب حتى لا تقع في أمر لا يحمد عقباه.
وقد ذكر العلماء أن هذا يختلف، فقد تكون الستة مناسبة وقد يخشى على المرأة في أقل من ذلك، فينبغي للزوج أن يلاحظ حال زوجته وحال البلد التي هي فيه، ومن حولها من الناس، فينبغي له أن يلاحظ سلامتها وأمنها، فإذا كانت الستة طويلة عليها وخطيرة فينبغي له ألا يطول، بل يتصل بها بين وقت وآخر كالشهر والشهرين أو أقل من ذلك.
ومهما أمكن أن يكون قريباً منها فهو الواجب لا سيما في أوقات الخطر مثل هذه الأزمنة؛ لأنه كثر فيها الشر وقلّ فيها الأمن في غالب البلاد وكثرت فيها الفواحش ولا سيما المرأة إذا كانت وحدها فالخطر عليها عظيم، وإذا كانت عند أهلها المأمونين صار الأمر أقل خطراً وأسلم، فعلى الزوج أن يلاحظ هذه الأمور وأن يتقي الله، وإذا كان ولا بد من سفر فليجعلها في محل آمن عند أهلها، أو يكون عندها من المحارم أو النساء من يطمئن إليه حتى يكون ذلك أقرب إلى السلامة.
إن الواجب عليه تقوى الله في ذلك، وأن يحرص على سلامة زوجته، وعلى الحيطة في حقها، إما بنقلها معه، وإما بتعجيل السفر إليها بين وقت وآخر وألا يطول، وإما بجعلها في محل آمن عند أهلها أو عند محارم مأمونين يكونون عندها أو تكون عندهم حتى يكون الخطر أقل وحتى تكون السلامة أغلب، والله المستعان.
_____________________
المصدر: الموقع الرسمي لسماحة الشيخ ابن باز.