بقدر ما شكل انتخاب «حماس» للقائد يحيى السنوار (زعيم غزة)، ليكون أيضاً رئيساً للمكتب السياسي لحركة رسالة تحدٍّ كبيرة للاحتلال والغرب، بقدر ما كان رسالة أهم من وراء دمج الجناحين السياسي والعسكري في هذه المرحلة.
الدمج عبر تعيين نفس القائد للجناحين، على الأقل في هذه المرحلة لحين انتخاب بديل له لإدارة غزة، معناه أن الحركة تأكدت أن الخيار العسكري هو المحرك الأساسي الذي يجب التحرك فيه بقوة، أما السياسي فهو أمر غير عاجل.
فبعد حرب الإبادة في غزة، وما أظهرته «إسرائيل» من نازية وتطرف، وما أظهرته أنظمة عربية من تواطؤ، وموقف أمريكا والغرب الأكثر تصهيناً، وفي ظل انعدام شبه تام للخيارات السياسية، أنه لا بديل عن المقاومة والسلاح لانتزاع الحقوق.
لذا يمكن القول: إن الدمج بين الجناحين السياسي والعسكري بقيادة القائد العسكري، الذي يعتبر أول من هزم «إسرائيل» في معركة حقيقية وبسلاح ضئيل وضعيف، معناه أن القرار العسكري هو الذي سيقود السياسي، أو أن هناك قراراً سياسياً بالخشونة في التفاوض مع الحدة في المقاومة، وأن ما هو قادم للاحتلال غالباً أصعب من «طوفان الأقصى»؛ لأن السنوار هو من القادة الذين خبروا الاحتلال جيداً وقرأ كل أدبياتهم وخططتهم وتعرف عليهم في سجنه عن قرب.
معناه أن «حماس» بهذا الاختيار تكون قد حددت أولوياتها: العسكري قبل السياسي، وأنها موحدة حالياً خلف قائد واحد وبالإجماع بما ينفي تماماً أي شائعات لانقسامات داخلية ويشكل رسالة تحدٍّ للاحتلال، أو أن قرار «طوفان الأقصى» انفرد به السنوار.
اختيار وليس انتخاباً، كما جاء في نص بيان «حماس»، معناه أن الحركة لم تعد معنية بلعبة التفاوض التي يمارسها نتنياهو، وبايدن، ولا تعنيها الحلول السياسية المغموسة بالإذلال أو التنازلات، بقدر ما تريد حلاً يثبت انتصارها العسكري على المحتل في نهاية المطاف.
فبعد 11 شهراً من القتال بين آلة حربية تضم 350 ألف جندي وآلاف الدبابات والطائرات وبمعونة من أساطيل وذخائر أمريكا وأوروبا، لم تنهزم المقاومة ولا يزال السنوار في غزة بأمان أكثر من قادة «حماس» في الخارج!
«إسرائيل» تنتظر الأسوأ
حين اختارت «حماس» السنوار لقيادة الحركة داخل قطاع غزة، في فبراير عام 2017م، بديلاً عن هنية، الذي أصبح رئيساً للمكتب السيسي حينها، قال يرون بلوم، وهو مسؤول كبير في جهاز الأمن الداخلي «الإسرائيلي» (الشاباك)، في مقابلة مع راديو «103FM» العبري، نشرتها صحيفة «معاريف»، يوم 13 فبراير 2027م: «إسرائيل» ستشتاق لأيام هنية!
بلوم قال حينها: إن تعيين السنوار زعيماً لغزة (قبل توليه الجناح السياسي أيضاً) معناه أن الجناح العسكري لحركة «حماس» سيصبح الآن في الواجهة السياسية، والنشاط العسكري ما سيزيد من شعبية الجناح العسكري في الحركة، مضيفاً أن هنالك شيئاً ما سيتغيّر للأسوأ في الميزان.
وكان هذا في عام 2017م؛ ما يعني أن «تل أبيب» تنظر حالياً بصورة أسوأ لجمع السنوار في عام 2024م بين الجناحين السياسي والعسكري، وفق شخصيات أمنية «إسرائيلية».
وقد وصف محللون اختيار «حماس» للسنوار باعتباره أكبر صقورها بأنه صفعة لم تكن متوقعة للاحتلال والغرب وأنظمة التطبيع العربية، وتؤكد أن الحركة مقبلة على فترة تشدد مع الاحتلال ورفع سقف التفاوض وتحدي نتنياهو وحكومته المتطرفة.
محلل «القناة 13» علق على اختيار السنوار قائلاً: «حماس» اختارت أخطر شخص لقيادتها، ووصفه بأنه كابوس لـ«إسرائيل» منذ صفعة «طوفان الأقصى» وخطر على وجودها.
وقال محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» آفي يسخاروف: إن حركة «حماس» اختارت أخطر شخص لقيادتها.
وقالت قناة «كان» التلفزيونية الرسمية في «تل أبيب»: إن اختيار السنوار يُظهر أن «حماس» في غزة لا تزال قوية.. إذ إن السنوار هو مهندس عملية «طوفان الأقصى»، يوم 7 أكتوبر 2023م، التي تم إزلال جنودها فيها، وكبدتها خسائر بشرية وعسكرية وهزت صورة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية أمام العالم.
دلالات الاختيار
تكمن الرسالة الأعمق في اختيار السنوار لرئاسة مكتب «حماس» السياسي في تأكيد الحركة على وحدتها وتماسكها الداخلي، فهي تقف صلبة، متحدة الصفوف، متجاوزة تحديات الاغتيالات التي طالت قادتها، وهو ما لخصه قائدها الراحل السابق إسماعيل هنية بقوله: إذا غاب سيّد قام سيّد، بما يؤكد أن فقدان قائد لا يعني نهاية المسيرة أو حدوث فوضى داخل الحركة.
لكن يمكن الحديث عن 4 دلالات مهمة لاختيار «حماس» قائدها السياسي والعسكري السنوار للجمع بين الجناحين السياسي والعسكري:
الأولى: أن انتخاب «حماس» القائد السنوار بمثابة صفعة للاحتلال وأمريكا ورسالة لهم تقول: جئنا لكم بأكبر صقور «حماس» الذي أذلكم وتحاربونه منذ 11 شهراً ويهزمكم.
الثانية: رسالة للمفاوضين والوسطاء بشأن صفقة تبادل أسرى التي يتلاعب بها نتنياهو، تشير إلى أن الحركة ربما قررت رفع السقف.
فالرسالة تقول: طالما أن الراحل هنية الذي كان يوصف بالرجل المعتدل لم يعجبكم وقتلتموه، فها هو السنوار الرجل الحديدي الصعب المراس الذي لا يطالب فقط بدولة على حدود فلسطين المحتلة عام 1967م بل على كل أرض فلسطين (إسرائيل) هو من سيلعب معكم.
الثالثة: هي رسالة محرجة لدول عربية ستضطر للتعامل مع أكبر عدو لـ«إسرائيل» (السنوار) بصفته صاحب القرار ورئيس الحركة بعدما كانت تتعامل مع هنية باعتباره رجلاً سياسياً فقط.
الرابعة: موجهة لأصحاب النظرية الكاذبة بأن قادة «حماس» ومنهم هنية كانوا يناضلون من الفنادق الفاخرة، وتقول: هذا هو السنوار قائد «حماس» السياسي والعسكري يعيش في غزة المحتلة وفي خندق ولم يرَ النور منذ 11 شهراً ويعاني مثل كل فلسطيني، فما كذبتكم التالية؟!
يقول المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون، عن دلالات اختيار السنوار رئيساً للمكتب السياسي لـ«حماس»: إن اختيار السنوار لهذا المنصب تحدٍّ للاحتلال «الإسرائيلي»، ودليل على أن الرجل ما زال بفعالية وقوة ومسيطراً على الميدان في غزة رغم الحرب المتواصلة منذ نحو 10 أشهر.
يعني أن ما يحاول أن يصوره جيش الاحتلال من أن السنوار محاصر، وأنه سيتم قتله في أي لحظة، وأن كتائب «حماس» أصبحت ضعيفة؛ كله أكاذيب، والرجل يدير الحركة عسكرياً ولديه وقت ليديرها سياسياً أيضاً.
ويقول المحلل الفلسطيني سعيد زياد: إن هناك 5 رسائل «حماس» من وراء اختيار، هي:
1- قوة الحركة وحيويتها، باختيارها قائداً جديداً لها في غضون يومين، وهذه رسالة وحدة إذ استطاعت في أقاليمها الثلاثة الإجماع والاتفاق على اختيار زعيمها في لحظة فاصلة وحساسة.
2- سلاسة عملية الاتصال والتواصل اليومي للتشاور حول القائد الجديد.
3- رسالة قوة لـ«الإسرائيلي» الذي يظن أنه يستطيع تقويض موقف المقاومة أو أن ينقص من عزيمتها شيئاً.
4- رسالة للعدو بتجديد العهد والقناعة والإجماع على قرار معركة «طوفان الأقصى» باختيار الرجل الأشد خطراً على الكيان.
5- دلالة على التصاق هذه المقاومة مع أبناء شعبها باختيار قائد لـ«حماس» من قلب غزة وتحت الأحزمة النارية.
https://x.com/saeedziad/status/1820950176254603732