إن أمة الإسلام تضعُف لكنها لا تنكسر، وتمرض لكنها لا تموت، وما أصابها من الضعف والوهن ليس إلا مرحلة تعقبها مراحل من العزة والتمكين لهذا الدين العظيم، والوهن هو الانكسار والضعف والجبن عن جهاد الأعداء.
أخطار الوهن
1-عدم الاستجابة لأمر الله تعالى:
نهى الله تعالى عباده المؤمنين عن الوهن، فقال عز وجل: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139)، فالمؤمن يتسم بالقوة والشجاعة والإقدام، ولا يستسلم للضعف والخذلان، قال تعالى: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 35).
2- التخلي عن صفات أتباع الرسل:
وصف الله تعالى أتباع الرسل بعدم الوهن والضعف، حيث قال عز وجل: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 146)؛ أي لا تضعفوا ولا تجبنوا يا أصحاب محمّد عن جهاد أعدائكم لما أصابكم(1)، قال مقاتل: وَمَا اسْتَكانُوا وما استسلموا وما خضعوا لعدوّهم(2).
3- استخفاف العدو واستهانته بأصحاب الوهن:
أكد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأمم تتداعى على أمة الإسلام إذا صاحبهم الوهن، ففي سنن أبي داود عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها»، فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ»، فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ، وما الوهْنُ؟ قال: «حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ».
4- الذل والمهانة:
أصحاب الوهن في ذل مهانة ما داموا في حالة الضعف والهوان، ويدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ، سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم»، وقال خالد بن برمك: ثمرة التّواني الذّلّ(3).
5- التمكين للظلم والفساد:
أوضح الله تعالى ذلك حين ذكر سبب تمكين فرعون وإذلاله قومه، وهو الوهن منهم حتى استخف بهم، حيث قال تعالى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف: 54).
وهكذا يتبين أن الوهن يؤدي إلى عدم طاعة الله ورسوله، كما يؤدي إلى دخول العدو من كل جانب، وسهولة هتك الأعراض وسفك الدّم واغتصاب الأموال، كما يؤدي إلى ضياع الأمة وتشريد أبنائها، وهو يملأ الأرض خراباً بعد أن كانت عامرة بأهلها(4).
علاج الوهن
ما من داء إلا جعل الله له دواء، وإن الوهن داء عضال، إذا تمكن من قلب جعله ضعيفاً متخاذلاً، وإذا تمكن من أمة جعلها مقهورة مستعبدة، وقد جاءت الأوامر الشرعية في القرآن والسُّنة تعالج داء الوهن، ومن ذلك ما يأتي:
1- اليقين بأنّ ما أصاب المسلمين من الألم قد أصاب الأعداء مثله:
أوضح القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء: 104).
2- قوة الإيمان ونبل المسلك وسمو الهدف:
عند تساوي المسلمين وأعدائهم في درجة الألم، فإنّ المسلمين يتمتّعون بقوّة إيمانهم ونبل مسلكهم وانتظار الظّفر أو الجنّة، وفي هذا يقول الله تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) (النساء: 104).
3- الإيمان بأن كيد الكافرين ضعيف:
إنّ كيد الكافرين مهما كان قويّاً فإنّه لا ينبغي أن يخيف المسلمين لأنّ الله عزّ وجلّ موهنه ومضعفه، وقد أكد القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) (الأنفال: 18).
4- التمسك بالعلو الإيماني والمعية الإلهية:
المسلمون هم الأعلون بنصرة الله تعالى لهم، ومن ثمّ فلا ينبغي أن يطلبوا وقف القتال (أي الدّخول في سلم العدوّ) لأنّ حليفهم وناصرهم لا، ولم، ولن يهزم أبداً، وهو الله سبحانه وتعالى، ومن كان الله معه فكيف يخاف من عواقب معركة مهما كانت، وفي هذا يقول الله تعالى: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 35)(5)، كما أكد الله تعالى أنه ينصر المؤمنين، حيث قال عز وجل: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال: 62)، وقال عز وجل: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال: 26).
5- حسن الاستعداد بالمقدور عليه من القوة:
أمر الله تعالى بالاستعداد واتخاذ القوة في مواجهة الأعداء على قدر الاستطاعة، حيث قال الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60).
إن داء الوهن خطير وعواقبه وخيمة، وقد أرشد الإسلام إلى علاجه من خلال التمسك بقوة الإيمان بالله واليقين في ضعف أعدائه، وحسن الإعداد المادي للمواجهة على قدر الاستطاعة.
___________________________
(1) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (4/ 230).
(2) معالم التنزيل في تفسير القرآن، البغوي (1/ 117).
(3) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ابن حبان، ص 217.
(4) نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (11/ 5723).
(5) المصدر السابق.