رغم أن العيون كلها على غزة التي تتعرض لحرب إبادة ممنهجة من قبل الجيش الصهيوني النازي، وآلته العسكرية الحربية، ومن ورائه قوى الشر أمريكا وحلف «الناتو»، في مواجهة مقاومة شرعية تدافع عن نفسها بكل ما أوتيت من قوة، وتتمترس خلف حقها القانوني والشرعي في الذود عن كرامتها وكرامة شعبها من أجل تحقيق أهدافها السامية، المتمثلة في التحرر والاستقلال كباقي الشعوب، والعيش بكرامة لبناء مستقبل أبنائها وطموحاتهم.. فإن المقاومة في الضفة الغربية والقدس تشهد تحولات بارزة وتطورات نوعية من خلال استخدامها تكتيكات عسكرية جديدة باتت تنهك الاحتلال لا سيما مع توسع رقعة الاشتباكات وازدياد نقاطها.
المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس تتطور رغم تهديدات الاحتلال بتحويل الضفة الغربية إلى غزة جديدة، فمنذ العام 2022م شهدت نمطاً جديداً من أنماط المقاومة المسلحة، وظهرت المجموعات المسلحة التي بدأت في شمال الضفة، وتكررت اشتباكاتها مع الاحتلال، وانتقلت إلى جنوبها ووسطها، وبرزت هذه المجموعات بالتزامن مع تنفيذ عمليات اغتيال للمقاومين وتصاعد المقاومة الفردية في الضفة الغربية والقدس، واستطاعت خلق نمط يختلف عن البنية التنظيمية للأحزاب الفلسطينية التقليدية، وشكلت قيادة مستمدة من الميدان، واكتسبت حاضنة شعبية واسعة، على الرغم من حداثة نشأتها وطابعها الشبابي.
المقاومة بالضفة الغربية والقدس تتطور رغم تهديدات الاحتلال بتحويلها إلى «غزة جديدة»
لقد تصاعدت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة والقدس، بالموازاة مع العدوان الصهيوني على غزة وحرب الإبادة التي يمارسها الجيش الصهيوني بحق الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير البنية التحتية وكل مناحي الحياة وقصف البيوت والمؤسسات والمراكز والمساجد.
وتكشف الاشتباكات المسلحة التي تحدث يومياً هناك عن إستراتيجية جدية وحقيقية بدأت من خلال تصعيد عمليات القنص وإطلاق النار على الحواجز، واقتحام المستوطنات، وعمليات الدهس والطعن، لتصعيد المواجهة في الضفة الغربية، ولتخفيف ما يجري في قطاع غزة.
مفاجأة الاحتلال
ويجب أن ندرك أن هناك تطوراً في عمليات المقاومة النوعية وأساليبها الجديدة، التي كانت مفاجئة للاحتلال، التي تتصاعد وتتنامى وتتمدد وتتطور باستمرار من حيث الأساليب والتخطيط والأدوات، جراء استمرار السياسات الصهيونية القمعية، والممارسات الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني سواء في الضفة الغربية والقدس أو غزة، ومن المتوقع، أن تستمر في التصاعد، ما دام الاحتلال يواصل احتلاله واجتياحه للمدن الفلسطينية والقدس واستمراره في حرب الإبادة التي يمارسها في غزة.
لقد أصبحت المقاومة الفلسطينية بعملياتها النوعية المساندة لغزة واقعاً عملياً مرعباً لدولة الكيان يفرض عليها مجابهته بكل قوة لإخماد هذه الجبهة، التي تعتبر أكثر خطورة على دولة الكيان نتيجة ارتباط الحدود، والارتباط الجيوسياسي، وتشابك الواقع الجغرافي، ووجود المستوطنات وانتشار المستوطنين في القدس، مما يتطلب تركيزاً كبيراً على هذه الجبهة حتى لا تفلت الأمور من بين يديها، وينفرط العقد، وتشكل خطراً إستراتيجياً ووجودياً عليها.
لذلك، جعلتها منطقة استنفار عسكري صهيوني، ونشرت قوات الشرطة والجيش، وركزت عمليات المداهمة والتفتيش وعمليات القصف والقتل، وسلَّحت المستوطنين الذين أمعنوا في استهداف الفلسطينيين، ولم يثبط ذلك من عزيمة المقاومين، ولم يفت في عضدهم، بل زادهم إصراراً على المواصلة والمقاومة بشتى السبل والطرق، وهو مطلب يجب التعويل عليه لإشعال جبهة صراع ثانية ضد دولة الكيان في الضفة الغربية والقدس، إلى جانب الجبهات الأخرى المتمثلة في غزة ووحدة الساحات في لبنان وسورية والعراق واليمن.
.. وأصبحت بعملياتها النوعية المساندة لغزة واقعاً عملياً مرعباً لدولة الاحتلال المجرمة
تطور إستراتيجي نوعي
لقد شهد عمل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس تطوراً نوعياً وبارزاً بعد عملية «طوفان الأقصى» في غزة، كان عنوانه استخدام العبوات الناسفة أهم الأسلحة الإستراتيجية التي تمتلكها المقاومة في مواجهة القوات الصهيونية، وإشعال الحرائق في الأراضي الزراعية التي باتت تمثل هاجساً لدولة الكيان.
ولعل هذا التحوّل الإستراتيجي في الضفة الغربية والقدس لم يكن ليتخذ مساره الحالي المتطور بهذا الوقت القصير، لولا ترابط هذه الساحة مع قطاع غزّة على المستوى الفلسطيني، ومع محور المقاومة على المستوى الإقليمي، والإدراك الكبير بأنها تمثل أكثر وأخطر الساحات المقاومة في وجه دولة الكيان؛ لما تمتلكه من عناصر قوة تفرضها الوقائع على الأرض، والإيمان الراسخ بأن ممارسات الاحتلال الصهيونية لا يمكن مواجهتها سوى بالقوة، بعد فشل الدبلوماسية التي مارستها السلطة الفلسطينية على مدار 3 عقود دون تحقيق أدنى الحقوق، رغم الاتفاقات والعهود التي ضربت بها دولة الكيان عرض الحائط، واخترقتها بل واخترقت الدبلوماسية الدولية والقانون الدولي.
إن تزايد زخم العمل المقاوم المسلح المنطلق من عدة مدن ومخيمات في الضفة الغربية باتجاه حواجز ومستوطنات صهيونية يفرض تساؤلاً واقعياً حول مآلاته وفرص بقائه، فضلاً عن تطوره وتزايد حدته، وهي تساؤلات منطقية ومشروعة بالنظر لما تعانيه الضفة الغربية من قبضة أمنية صهيونية محكمة، وتنسيق أمني واضح وجاد تمارسه أجهزة أمن السلطة بقصد إجهاض أي عمل مقاوم مسلح ضد دولة الكيان وجيشها ومستوطنيها.
ضرورة إبقاء جذوة المقاومة مستعرة وابتكار آليات وأساليب لتجاوز التحديات ومواجهتها
ليبرز الجواب التفصيلي سريعاً إلى أن المزاج الثوري المتجدد في الضفَّة يتجه نحو تصعيد المقاومة بكل أشكالها لتكون امتداداً لتجربة المقاومة في قطاع غزة وتطورها وصولاً إلى دخولها على خط فرض المعادلات والمشاركة في صنعها، بالإضافة إلى النموذج القوي للمقاومة في لبنان والساحات الأخرى وصدى تطورها وتثبيتها لمعادلات معينة فرضتها على العدو الصهيوني.
يمكننا القول بوضوح: إن المقاومة المسلحة في الضفة الغربية والقدس آخذة في الترسخ والتطور والتمدد ويرجع ذلك إلى:
– تخفيف الضغط العسكري عن جبهة غزة، وتعزيز جبهة الضفة الغربية لتكون جبهة إسناد ودعم.
– فرض وتعزيز الاستيطان وضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين وطردهم والاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم.
– تصاعد تطرف المستوطنين وعنف عصاباتهم المدعومة من جيش الاحتلال وحكومته.
– اقتحامات المسجد الأقصى المتكررة وتقسيمه مكانياً وزمانياً.
والمقاومة هنا أمام امتحان صعب، ومن أجل اجتيازه يجب عليها:
– إبقاء جذوة المقاومة مستعرة دوماً، وألا تكون مجرد طفرة وظاهرة مرتبطة بجبهة معينة سرعان ما تخبو وتتلاشى أمام الضغط العسكري، أو التلويح بالحصار والمقاطعة الاقتصادية.
– إيجاد آليات جديدة للعمل المقاوم، وابتكار أساليب جديدة لتجاوز التحديات المفروضة ومواجهتها.
– استخلاص العبر من جبهات المقاومة الأخرى، ومحاولة تلافي المطبات والأخطاء التي يمكن أن تكون سبباً في وأدها.
– الاستفادة من الطبيعة الجغرافية والسياسية التي تتمتع بها الضفة الغربية والقدس من أجل تعزيز المقاومة واستمرارها وسيطرتها.
– مراكمة الخبرة العسكرية وإجراء تقييم مستمر لمدى نجاعة الوسائل المقاومة وطبيعتها، ومدى تحقيقها لأهدافها، والانتقال من وسيلة إلى أخرى وفق متطلبات المرحلة وتكتيكاتها.