جعل الله عز وجل للجهاد مكانة عظيمة بين العبادات، وذلك لرفع راية توحيد الله عز وجل في الأرض، وليس أعز من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل تلك الغاية المباركة.
وقد وردت النصوص كثيرة تؤكد أفضلية فريضة الجهاد ورفعة شأن أهلها، فيقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {11} يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {12} وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف).
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ، بِأنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أوْ يُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعْ مَا نَالَ مِنْ أجْرٍ أوْ غَنِيمَةٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! مَا مِنْ كَلْمٍ، يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ، اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ مِسْكٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ».
وقد أوضحت الشريعة أحوال هؤلاء المجاهدين المصطفين الأخيار التي يتميزون بها حتى يقبل جهادهم:
أولاً: الإخلاص:
الإخلاص هو أن تكون النية في العمل خالصة لوجه الله تعالى، دون رياء أو سمعة، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (البينة: 5)، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي أن أعرابياً أتى النبي صلى الله علي وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (متفق عليه).
ثانياً: ترك الجهاد من النفاق:
المجاهد حين يخلص جهاده لله عز وجل فهو في براءة من النفاق، يقول الله تعالى: (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ {56} لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) (التوبة)، وقال تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) (التوبة 81)، وعن أُبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من النفاق» (رواه مسلم).
ثالثاً: المجاهد يحمي الأمة من تكالب الأعداء عليها:
تعطيل فريضة الجهاد يعرض الأمة للضعف والهوان وتسلط الأعداء، والمجاهد يخرج بنفسه لينفي عنها هذا الهوان، فيقول الله تعالى: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (التوبة: 42)، وعن ابن عمر قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» (أخرجه أحمد)، وعن ثوبان قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» (أخرجه أبو داود).
رابعاً: المجاهد مرابط في سبيل الله:
للرباط في سبيل الله فضل عظيم يقوم به المجاهد في سبيله، وقد أمر الله عز وجل به ورفع شأنه، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200)، وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود» (رواه البيهقي).
وعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها» (متفق عليه)، وعن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان» (رواه مسلم).
خامساً: الجهاد تغبير للقدم في سبيل الله:
المجاهد يروح ويجيء في سبيل الله، وحين يصيب الغبار قدميه، فقد عفاهما من أن تمسهما النار يوم القيامة، والله عز وجل أكرم من أن يعفي قدمك من مس النار ثم يعذبك فيها، فعن أبي عبس عبدالرحمن بن جبر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار» (رواه البخاري)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم» (رواه الترمذي)، وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» (رواه الترمذي).