ظهرت النسوية الإسلاموية كحركة فكرية في أواخر القرن العشرين، ساعية إلى إعادة تفسير النصوص الدينية من منظور نسوي يدعم حقوق المرأة، ولا تزال جدلياتها قائمة إلى اليوم؛ ما أثار سجالات عديدة في الأوساط الإسلامية والأكاديمية حول مدى توافق أفكارها مع التعاليم القرآنية الأصيلة، وما إذا كانت هذه التعاليم بحاجة إلى إعادة قراءة أم إلى تفعيل بديلاً عن التغييب.
ولا يزال الجدل دائراً بين التيار الداعي إلى إعادة القراءة والتيار الرافض للتمييع والتزوير الفكري باسم التحديث، خاصة فيما يتعلق بمبادئ وتعاليم الدين، التي يحددها القرآن الكريم، وهي المبادئ التي لا تقر العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار المساواة التماثلية، بل في إطار المساواة التكاملية.
لكن تيار النسوية الإسلاموية يروج لإمكانية تحقيق المساواة بين الجنسين ضمن إطار إسلامي، معتمداً على إعادة قراءة النصوص الدينية وتفسيرها، وهو ما عبرت عنه الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي، في كتابها «الحريم السياسي»، التي دعت فيه إلى تحرير المرأة من التفسيرات الذكورية للإسلام التي هيمنت على الفكر الإسلامي لقرون، على حد تعبيرها.
وتطورت النسوية الإسلاموية عبر مراحل تاريخية متعددة، سردتها الباحثة مارجو بدران في دراستها «النسوية الإسلامية: ما هي؟»، مشيرة إلى أن جذور هذه الحركة تعود إلى ظهور مفكرات مثل عائشة تيمور في مصر، ومع ذلك فإن التبلور الحقيقي للحركة بدأ في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
ومن أهم أفكار النسوية الإسلاموية إعادة تفسير مفهوم القوامة في القرآن، إذ تجادل بأن القوامة لا تعني وجود سلطة للرجل، بل هي مسؤولية مشتركة بين الزوجين، وهو تفسير يختلف عن الفهم التراثي الذي يرى سلطة الرجل على المرأة ضمن إطار القوامة.
وترى أستاذة الفلسفة بجامعة الأزهر د. آمنة نصير، في كتابها «قضايا المرأة بين الموروث والوافد»، أن بعض الطروحات الإسلامية المتشددة كانت سبباً في انتشار النسوية المتطرفة، وأن الممارسات الثقافية التي ألصقت بالإسلام أدت إلى تهميش دور المرأة في بعض المجتمعات الإسلامية، وتدعو نصير إلى إعادة قراءة النصوص الدينية بعيداً عن التفسيرات الذكورية التقليدية، مؤكدة أن الإسلام الصحيح يحمل في طياته مقومات تحرير المرأة وتمكينها.
توافق أم تعارض؟
في السياق ذاته، تؤكد الباحثة أميمة أبو بكر، في كتابها «المرأة والجندر: إلغاء التمييز الثقافي والاجتماعي بين الجنسين»، أن هناك نسوية تسعى لتحقيق العدالة للمرأة من داخل الإطار الديني، وترى أن الدين، إذا فُهم بشكل صحيح، يمكن أن يكون مصدراً للتحرر وليس للقمع.
لكن مثل هذا الطرح جرى تفنيده من عديد العلماء والمفكرين الإسلاميين، وعلى رأسهم أستاذ مقارنة المعتقدات الأديان د. سامي عامري، الذي قدم نقداً لهذا الطرح في كتابه «النسوية الإسلامية: بين الانسلاخ والتلفيق».
ويرى عامري أن تيار النسوية الإسلاموية يمثل انحرافًا عن مبادئ الإسلام الأصيلة، ويعبر عن انحياز جندري، ويستخدم الإسلام كعنوان للتسويق فقط، ويعد أحد إفرازات أزمة اختطاف الإسلام من مدارس أجنبية مناوئة لقطعياته.
وفي السياق ذاته، يؤكد العلَّامة الراحل د. يوسف القرضاوي، في كتابه «مركز المرأة في الحياة الإسلامية»، أن القرآن يقر بالفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة، وأن هذه الفروق لا تعني التمييز، بل التكامل؛ ما يعني أن فكرة المساواة التماثلية بين الرجل والمرأة لا يمكن وضعها في سياق إسلامي صحيح.
بينما ترى أمينة ودود، في كتابها «القرآن والمرأة»، أن شهادة المرأة يجب أن تساوي شهادة الرجل في جميع الحالات، رغم الإجماع الفقهي على أن الآية القرآنية واضحة في تحديد حالات معينة تكون فيها شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل.
إن تقييم مدى توافق النسوية الإسلاموية مع التعاليم القرآنية يكشف عن تحديات عديدة، فبينما يسعى ذلك التيار النسوي إلى تحقيق المساواة المطلقة بين الجنسين بدعوى موافقة ذلك للإسلام، يؤكد القرآن مبدأ التكامل والتوازن وليس مساواة التماثل.
هذا ما عبر عنه صراحة العلَّامة الراحل الشيخ محمد الغزالي، في كتابه «قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة»، مشدداً على أن الإسلام يراعي الفروق الطبيعية بين الجنسين دون إهدار لحقوق أي منهما.
وإزاء حالة الجدل الحاد الذي تثيره النسويات من خلفية إسلامية، ثمة حالة انقسام في أثر تيارهن وثقافته على السياق الإسلامي العام، ما كشفت عنه دراسة أجرتها الباحثة زينب علي البحراني، ونشرتها مجلة «دراسات المرأة».
وتورد البحراني، التي تناولت أوضاع النساء في الشرق الأوسط، أن 65% من النساء المسلمات في عينة الدراسة يرين أن ما يسمى بـ«النسوية الإسلامية» ساهمت في تحسين وضع المرأة، بينما يرى 35% أنها أدت إلى تشويه صورة الإسلام.
إن التحدي الأكبر الذي تواجهه قضايا المرأة في عالمنا المعاصر هو إيجاد توازن بين الدعوة إلى حقوق النساء والالتزام بالثوابت الإسلامية، وهو ما يبدو مهدراً من جانب كثير من الطروحات التقليدية من جانب، والنسوية من جانب آخر.
فبينما تقدم النسوية قراءات جديدة للنصوص الدينية، تتجاوز كثيراً دلالات النصوص الشرعية اللغوية، لا يزال الطرح التقليدي يخلط بين ما هو قطعي الدلالة في القرآن الكريم وأفكار تمثل تقاليد موروثة تأثرت بها المذاهب الفقهية وإن لم يكن لها مستند قرآني راسخ.
إن النسوية الإسلاموية ظاهرة معقدة تتطلب دراسة متأنية ومتعمقة، فهي تعبر عن حاجة حقيقية لمراجعة الفهم التقليدي لقضايا المرأة في الإسلام، لكنها في الوقت نفسه تثير تساؤلات جوهرية حول حدود التأويل للنصوص الشرعية وضوابطه، والموقف الأمثل في تقديرنا يكمن في الاستفادة من الطرح النسوي الإسلامي فيما يتوافق مع المنظور القرآني الأصيل فقط، مع الحذر من التأويلات المتطرفة التي قد تخرج عن روح الإسلام وجوهره.