يمثل المسلمون أقلية في جيش الكيان الصهيوني، ويشكل العرب نحو 21% من سكان دولة الاحتلال، ويفرض الاحتلال التجنيد على الدروز والشركس، ويستثني بقية العرب ممن يحملون جنسية دولة الاحتلال من التجنيد الإلزامي، إلا أن عدداً منهم يختار الانضمام لجيش الاحتلال طواعية، وأغلب هؤلاء من البدو الذين يعيشون في الجليل والنقب، ويبلغ عددهم 1500 شخص.
ومن أهم الدوافع لالتحاق مسلمي البدو بجيش الاحتلال الضائقة الاقتصادية، والتمييز ضد أبناء الأقليات العربية، والسعي للحصول على تأمين مقومات الحياة الأساسية لهم من مسكن ووظيفة وفرص تعليم لا يمكن الحصول عليها من دون الخدمة العسكرية، ويسعى الكيان الصهيوني إلى إدخال عناصر من المسلمين والمسيحيين لجيشه حتى يظهر أمام العالم أن جيشه يمثل طوائف الشعب كله، ولذا، فقد اصطحب رئيس وزراء الكيان الصهيوني أشرف البحيري، وهو جندي من «بدو إسرائيل» من بلدة رهط في النقب، وتفاخر به نتنياهو أمام الكونجرس وأشاد بأنه قتل كثيراً من مجاهدي «حماس» في 7 أكتوبر 2023م!
حكم الالتحاق بجيش الاحتلال
التحاق المسلم بجيش الكيان الصهيوني حرام شرعاً، وهو من أعظم الذنوب عند الله تعالى، وهو خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال: 27)، وأي خيانة أعظم من أن ينضم من ينتسب إلى الإسلام إلى أعدائه، بل ويحارب أمته والمؤمنين، قاصداً بذلك نصرة الكفار على المؤمنين، مختاراً لذلك، لأجل مال أو منصب أو جاه أو عرض من الدنيا زائل؟!
التحاق المسلم بجيش الكيان الصهيوني حرام شرعاً وهو من أعظم الذنوب وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين
إن الانتماء إلى الإسلام لا يعني فقط النطق بالشهادتين، أو أداء الشعائر الظاهرة، بل هناك مقتضيات وموجبات للنطق بشهادة التوحيد، ومن أهمها موالاة المؤمنين، ومعادة الكافرين، وقد أبان الله تعالى عن تلك الفئة الباغية الخائنة لله وللأمة، وأظهر خبثها وأنها تسارع إلى الكفار خشية هزيمة المسلمين، فيأمنون جانبهم ويكونون معهم، وهو خبث في النفس، وحقارة في القصد، فما الذي يدريهم لعل الله يكتب النصر للمؤمنين، وساعتها سيندمون على خذلانهم وخيانتهم، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {51} فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة).
وقد بشر الله تعالى هؤلاء بالخزي في الحياة الدنيا والخلود في العذاب يوم القيامة جزاء خيانتهم وغدرهم، كما قال تعالى: (تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ {80} وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) (المائدة).
والمشاركون ممن ينتسبون إلى الإسلام في جيش الكيان الصهيوني مرتدون عن الإسلام بحرب المسلمين وقتلهم، وبذلك قال أئمة الإسلام، جاء في «تفسير الطبري» (10/ 400): «قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)، ومن يتولَّ اليهود والنصارى دون المؤمنين، فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرَهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍّ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رضيه ورضي دينَه، فقد عادى ما خالفه وسَخِطه، وصار حكُمه حُكمَه».
وقال ابن حزم في «المحلى» (11/ 138): «صح أن قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم) إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين».
وقال ابن تيمية في كتاب «الإيمان» (ص 18): «قوله تعالى: (لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)، فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمناً، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم».
المشاركون ممن ينتسبون إلى الإسلام بجيش الكيان الصهيوني مرتدون عن الإسلام بحرب المسلمين وقتلهم
وقال الشيخ ابن باز: «وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم» (مجموع الفتاوى والمقالات، 1/ 274).
وقال ابن الجوزي في «زاد المسير في علم التفسير» (1/ 558): «قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم) فيه قولان؛ أحدهما: من يتولهم في الدين، فإنه منهم في الكفر، والثاني: من يتولهم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأمر».
وقد عد الشيخ محمد بن عبدالوهاب التيمي نواقض الإسلام عشرة، ومنها الناقض الثامن؛ وهو موالاة الكافرين على المؤمنين، فقال: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
وهو كذلك ما يعبر عنه الشيخ السعدي بـ«التولي التام»، فيقول في تفسير قوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ): إن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئاً فشيئاً حتى يكون العبد منهم.
ولكن يشترط في ذلك أن يكون حباً لدينهم على دين الإسلام، ورضا بعقائدهم الفاسدة، فهذا كفر باتفاق العلماء، أما معاونتهم دون حب دينهم فمحل خلاف في تكفيره، مع الاتفاق على أنه من أعظم الكبائر العظام.
على أنه إذا ثبت أن المسلم إذا اشترك مع العدو الكافر وقاتل المسلمين وقتل منهم؛ فإنه يقتل؛ لأنه قاتل لمسلم بغير ذنب، وإذا كان المسلم يقتل بقتل أخيه المسلم في الأحوال العادية، فإن قتله في الحرب أوجب.
إذا ثبت أن المسلم اشترك مع العدو الكافر وقاتل المسلمين وقتل منهم فإنه يُقتل لأنه قاتل لمسلم بغير ذنب
أما التجسس من بعض المسلمين لحساب الكفار فهو لا يوجب التكفير ولا القتل، بل يوجب التعزير.
وقد أجاب أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة عن سؤال هارون الرشيد فيما يتعلق بالحكم في الجواسيس، فقال: «وسألت يا أمير المؤمنين عن الجواسيس يوجدون وهم من أهل الذمة أو أهل الحرب أو من المسلمين، فإن كانوا من أهل الحرب أو من أهل الذمة ممن يؤدي الجزية من اليهود والنصارى والمجوس فاضرب أعناقهم، وإن كانوا من أهل الإسلام معروفين فأوجعهم عقوبة، وأطل حبسهم حتى يحدثوا توبة» (الخراج لأبي يوسف، ص 205 – 206)، والتعزير يكون بما دون القتل من الحبس أو الضرب والإيذاء ونحو ذلك، ولكن لا يُقتل، وذلك أن توبته أحب إلى الله، وأن يموت على طاعة خير من أن يموت على معصية.
وإن اشتراك المسلم في جيش الكفار من المحرمات التي لا يجوز الاختلاف حولها، ومن الجرائم التي توجب العقوبة، وقد ثبت عند كل البشر أن انتقال الإنسان إلى أعداء وطنه وقتاله ضد أبناء ملته وشعبه من الخيانة العظمى التي يوجب عليها القانون العقوبة المغلطة، فكيف إذا كان خائناً لله ولرسوله ولدينه قبل خيانته لأرضه وشرفه؟!