منذ انتخابات العام 2006م، التي صعدت فيها حركة «حماس» إلى سدة الحكم بفضل اختيار الشعب الفلسطيني لها كخيار ديمقراطي، واجهت المقاومة الفلسطينية تحديات وضغوطات متعددة على كافة الأصعدة.
ففي غزة، جسدت المقاومة 17 عاماً من الصمود رغم الحصار الخانق والاعتداءات «الإسرائيلية» المتكررة، وجاءت معركتا «سيف القدس» و«طوفان الأقصى» كنقطة تحول في الصراع الفلسطيني-«الإسرائيلي»، حيث أسستا لمرحلة جديدة من الاشتباك تقوم على مبدأ «نغزوهم ولا يغزونا»، ومع هذا التحول، أصبحت «حماس» تواجه حالة مستمرة من الاستنزاف نتيجة الحرب المستمرة وشراستها المتزايدة؛ مما أثر على أصولها البشرية والعسكرية والإدارية.
شعبياً، يعيش السكان في غزة تحت وطأة استنزاف متواصل نتيجة للإبادة الجماعية الممنهجة التي تجاوزت حدود الإنسانية، واستمرت على مدار أكثر من 10 أشهر، خلال هذه الفترة المظلمة، ارتكب الاحتلال أكثر من 4500 مجزرة، خلفت وراءها مشاهد مروعة من الدماء والألم، حيث استشهد نحو 40 ألف شخص، معظمهم أطفال ونساء وشيوخ، وأصيب عشرات الآلاف بجروح، بعضهم يواجه إعاقات دائمة، هذه المجازر لم تقتصر على الأرواح فقط، بل رافقها تدمير شامل للبنية التحتية؛ مما جعل غزة تبدو وكأنها مدينة مدمرة خرجت لتوها من أهوال الحرب العالمية الثانية.
الضغط على الجبهة الداخلية بغزة الورقة الوحيدة لنتنياهو لإضعاف المقاومة
وأمام استمرار النزوح القسري، حيث تُجبر العائلات على ترك منازلها المدمرة بحثاً عن مأوى مؤقت، وغياب الاحتياجات الأساسية من مأوى وغذاء ومياه نظيفة وكهرباء ودواء، أصبحت الحياة اليومية في غزة معركة من أجل البقاء في أبسط صورها، وازدادت معاناة السكان بشكل لا يمكن تجاهله، حيث يواجهون صيفاً حارقاً تزيد فيه درجات الحرارة من وطأة الألم والمعاناة، وتنتشر فيه الأمراض الناتجة عن تلوث المياه والأمراض الجلدية.
في ظل هذه الظروف القاسية والبائسة، يبدو أن ورقة الضغط على الجبهة الداخلية في غزة، من خلال تعميق المعاناة الإنسانية، أصبحت الورقة الوحيدة المتبقية لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو في محاولاته اليائسة لإضعاف المقاومة.
أما على الصعيد العسكري، فيزداد التحدي أمام المقاومة مع استمرار التواجد الصهيوني على الأرض في غزة، سواء في محور «نتساريم» الذي يقسم القطاع إلى نصفين، أو في محور «فيلادلفيا» الذي يقطع صلة غزة بالعالم الخارجي، هذا التواجد يعقّد مهمة المقاومة في استعادة السيطرة الفعالة وإعادة ترتيب الحوكمة السابقة؛ مما يزيد من الأعباء على قيادة المقاومة والسكان على حد سواء، ومع ذلك، وفي مواجهة هذه التعقيدات، تواصل المقاومة خوض حرب عصابات ممنهجة، تعزز مكانتها وتؤكد قدرتها على الاستمرار في الصمود، رغم الضغط المتزايد على الحاضنة الشعبية.
التخاذل العربي يظل عنصراً حاسماً في تعقيد المشهد أمام المقاومة
الضفة الغربية
بينما تتجلى هذه التحديات في غزة، لا يقل الوضع تعقيداً في الضفة الغربية، فهناك تواجه المقاومة محاولات «إسرائيلية» مكثفة للقضاء على كل أشكال المقاومة، في ظل ظروف معقدة تشهدها المنطقة، فالضفة التي تعتبر خزاناً إستراتيجياً للمقاومة بفضل موقعها الجغرافي والديموغرافي، تشهد محاولات لإقصاء المقاومة وتشويه صورتها، بتمويل من مليارات الدولارات، ترافقت هذه المحاولات مع جهود لإجبار المقاومة على الاستسلام، بينما تسعى السلطة الفلسطينية لإنهاء الحرب وفق شروط «إسرائيلية»، وفي هذا الإطار، أدى هذا الواقع إلى تعميق الانقسام الداخلي الفلسطيني؛ مما يضعف الموقف الفلسطيني أمام المجتمع الدولي ويجعل المقاومة تفتقر إلى دعم سياسي رسمي.
وفيما يتعلق بالمشهد الشعبي، يعكس الانقسام بين «فتح» و«حماس» انقساماً أعمق بين مشروعين متنافرين؛ الأول: يؤمن بحل الدولتين ويسعى لاستئصال المقاومة، والآخر: يمثل المقاومة بتطلعاتها في تحرير الأرض، وفي هذا الصدد، تسعى السلطة الفلسطينية، التي أُنشئت تحت إشراف أمريكي، إلى استخدام وسائل القمع والضغط لترهيب بيئة المقاومة.
إلى جانب هذا، يشكل التهجير القسري والتهويد أوراق ضغط إضافية ضد المقاومة في الضفة الغربية والقدس، تهدف هذه السياسات إلى تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي بشكل جذري، مما يطمس الهوية الفلسطينية، ويجعل من حل الدولتين شبه مستحيل، وتتجلى هذه السياسات في ازدياد المستوطنات وعدد المستوطنين، والقرارات «الإسرائيلية» التي تسهل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية؛ وهو ما يضيف بعداً جديداً لتعقيد الوضع.
غياب دور المؤسسات الدولية عامل آخر يزيد من صعوبة وضع المقاومة
على الصعيد الخارجي، تزداد التحديات التي تواجه المقاومة تعقيداً بفعل التطورات الإقليمية والدولية؛ فمن ناحية، تواصل الولايات المتحدة العمل على تشكيل المنطقة وفقاً لمصالحها الإستراتيجية، خصوصاً عبر دعم «إسرائيل» كحليف إستراتيجي رئيس، وفي هذا السياق، تعد «صفقة القرن» مثالاً واضحاً على محاولات إعادة تشكيل الواقع العربي والفلسطيني بما يتماشى مع الرؤية الأمريكية التي تهدف إلى إضعاف المقاومة.
التخاذل العربي
وعلى الرغم من ذلك، يظل التخاذل العربي عنصراً حاسماً في تعقيد المشهد أمام المقاومة، حيث اختارت العديد من الدول العربية التركيز على قضاياها الداخلية أو الدخول في تحالفات مع القوى الكبرى على حساب القضية الفلسطينية، هذا التخاذل، إلى جانب موجة التطبيع الأخيرة بين «إسرائيل» وعدد من الدول العربية، يعمقان من عزلة المقاومة ويجعلان الاحتلال واقعاً مقبولاً في المنطقة؛ مما يزيد من الضغوط على المقاومة الفلسطينية.
أما على المستوى الدولي، فيبرز غياب دور المؤسسات الدولية كعامل آخر يزيد من صعوبة الوضع، ورغم القرارات الدولية التي تدعم حقوق الشعب الفلسطيني، فإن غياب الفعل من قبل هذه المؤسسات يعكس ضعفها في مواجهة السياسات «الإسرائيلية»؛ مما أتاح للاحتلال الاستمرار دون محاسبة، وفي نفس السياق، تستمر «إسرائيل» في الاعتماد على حملات إعلامية مكثفة تهدف إلى تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتصويرها كجماعات إرهابية، في محاولة لتغيير النظرة العالمية للقضية الفلسطينية، وجعلها تبدو قضية نزاع ثانوي مقارنة بالصراعات الأخرى في المنطقة.
على المقاومة تفعيل الانتفاضة الشعبية وتوحيد الصف وتعزيز الوحدة الوطنية
في ظل هذه التحديات المتزايدة، تبرز متطلبات المرحلة الراهنة للمقاومة الفلسطينية، وهي ليست بالهينة، تحتاج المقاومة إلى إسقاط منظومة الأمن المتحالفة مع الاحتلال، وتفعيل الانتفاضة الشعبية لزعزعة هذه المنظومة، كما يتعين على المقاومة توحيد الصف الفلسطيني على قاعدة المقاومة وتعزيز الوحدة الوطنية، مع الاستمرار في المعركة على كافة الجبهات.
يجب على المقاومة أيضاً مواجهة حملة شيطنتها من قبل الولايات المتحدة، وتوعية الرأي العام واستقطابه في هذه المعركة، إضافة إلى ذلك، يتعين مقاومة التطبيع والعمل على توعية الأمة بأخطاره، وتعزيز العلاقات مع الحلفاء والداعمين لتوفير الغطاء السياسي اللازم.
وأخيراً، يجب تعزيز الصمود الشعبي من خلال توفير الإمكانات لدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة القهر والمعاناة، والتمسك بشروط المقاومة في أي مفاوضات، مع الاستعداد لمعركة طويلة إذا لزم الأمر.