كاتب المدونة: د. محمد وثيق الندوي (*)
اغتيل الزعيم الفلسطيني المجاهد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في غارة صهيونية غادرة على مقر إقامته في طهران عاصمة إيران حيث شارك في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، يوم الأربعاء 31/ 7/ 2024م، وحظي اغتيال هنية باهتمام سياسي وإعلامي واسع على الصعيدين العربي والدولي؛ لأن شخصية هنية كانت شخصية مركزية في «حماس»، ليس كقائد للحركة في غزة وكأول رئيس حكومة منتخبة من الشعب الفلسطيني فحسب؛ بل أيضًا كرمز وطني يمثِّل الشعب الفلسطيني، فاغتيالُه يُعدُّ تجاوزًا واضحًا لكل الخطوط الحمراء، ويمثِّل تصعيدًا خطيرًا من قبل الاحتلال «الإسرائيلي».
أما الاغتيالات وعمليات التصفية، فإنها إستراتيجية أمنية دموية للكيان الصهيوني لاستهداف أبرز القادة والزعماء المعارضين له في فلسطين أو خارج فلسطين.
يقول سعيد الشهابي، في مقال له نشرته «عربي 21»: نفذت «إسرائيل» اغتيالات ومحاولات اغتيال استهدفت قادة وعناصر بارزة من معارضيها، فمنذ العام 1972م تبنّت أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» سياسة اغتيال المناضلين الفلسطينيين، فاغتيل في يوليو من ذلك العام غسان كنفاني، المناضل والأديب، بتفجير سيارته في بيروت، ثم وائل عادل زعيتر (ممثل منظمة التحرير)، ومحمود الهمشري (ممثل المنظمة في فرنسا).
وشهد العام التالي (1973م) اغتيالات «إسرائيلية» متواصلة، أدت لاستشهاد عدد كبير من المناضلين منهم: حسين أبو الخير، وباسل الكبيسي، ومحمد يوسف النجار، وكمال عدوان وكمال ناصر، وزيد مقصي، ومحمد بودية، وأحمد بوشيقي.
وفي العام 1979م اغتال «الإسرائيليون» كلاً من علي حسن سلامة (قيادي بمنظمة أيلول الأسود)، وزهير محسن (زعيم منظمة الصاعقة)، أما في الثمانينيات فطالت الاغتيالات كلاً من فضل الضاني، ومحمد حسن بحيص، وباسم سلطان (حمدي) ومروان كيالي ماجد أبو شرار، وخليل الوزير.
وفي التسعينييات، طالت الاغتيالات عددًا من القياديين الفلسطينيين، من بينهم: صلاح خلف، وهايل عبد الحميد، وأبومحمد العمري، وعاطف بسيسو، وعماد عقل (كتائب القسّام)، وسعيد السبع، وفتحي الشقاقي، ويحيي عياش.
وشهدت السنوات العشر الأولى من الألفية الجديدة اغتيالات بالجملة، من بينهم: جمال عبد الرزاق وثابت ثابت (حركة فتح) ومسعود عياد (منظمة التحرير)، جمال منصور (حماس)، جمال سليم (حماس)، عماد أبو سنينة (فتح)، أبوعلي مصطفى (الجبهة الشعبية )، محمد أبو هنود (كتائب القسّام)، راشد الكرمي (كتائب شهداء الأقصى)، محمود الطيطي (شهداء الأقصى)، حكم أبو عيشة (شهداء الأقصى)، رياض بدير (قائد معركة مخيم جنين)، ياسر سعيد رزق (القسّام)، مهند الطاهر (القسّام)، صلاح شحادة (القسّام)، إبراهيم المقادمة، إسماعيل أبوشنب (حماس)، الشيخ أحمد ياسين (مؤسس حماس)، عبد العزيز الرنتيسي (أحد مؤسسي حماس)، عز الدين خليل، عدنان الغول (حماس)، إحسان شواهنة (حماس) ومبارك الحسنات”.
وقد قامت العصابات اليهودية والصهيونية العالمية باغتيال اللورد موين السياسي ورجل الأعمال البريطاني عام 1944م، لعدم دعمه هجرة يهود بريطانيا إلى فلسطين، والكونت برنادوت عام 1948م في فندق الملك داود بالقدس بسبب موقفه من الصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي»، تعاونت مجموعات تابعة للوكالة اليهودية مع الغستابو الألماني لاغتيال عدد من اليهود لإثارة الرعب بينهم ودفعهم للهجرة إلى فلسطين، وشهدت العراق ومصر عمليات مشابهة لدفع اليهود للهجرة، بما في ذلك فضيحة “«لافون» في مصر عام 1954م كما أفادت «المجتمع».
يقول ساري عرابي: سلسلة الضربات والاغتيالات التي نفّذتها «إسرائيل»، من ميناء الحديدة باليمن مرورًا بالضاحية الجنوبية لبيروت انتهاءً بالعاصمة الإيرانية طهران، وبقدر ما تؤكّد عن حجم التفوق العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي، وما يرتبط به من عناصر دعم لوجستي وأدوات تنفيذية قادرة، فإنّها تشير إلى محدودية الخيارات «الإسرائيلية» في المواجهة الجارية، قد تبدو هذه الملاحظة متناقضة، ولكن يُدفع التناقض إذا عُلِم أنّ هذه المحدودية بنيوية، أي ناشئة عن ماهية الشخصية الإسرائيلية من حيث شرط وجودها واستمرارها في فلسطين والمنطقة، مما يجعل المواجهة ابتداء من “طوفان الأقصى” مرورًا بجبهات الإسناد المتعددة في الإقليم، والحرب الطويلة الحاملة لذلك كله، كاشفة عن هذا التوتر البنيوي في الشخصية الإسرائيلية. (فالمحدودية هنا يُقصد منها أنّه ليس أمام “إسرائيل” إلا الذهاب نحو هذا التصعيد بتنفيذ مثل هذه الضربات بالغة الدلالة) (عربي21).
وكتبت مجلة «إيكونوميست» أن الاغتيالات ربما كانت منجزات استخباراتية وعملياتية لدولة الاحتلال، ولكنها لا تغير الموقف الإستراتيجي الكئيب لـ«تل أبيب»، مشيرة إلى أن التطورات المتسارعة خلال الأيام الماضية وضعت الشرق الأوسط على حافة الهاوية، ولا بد الابتعاد عنها.
إن الاغتيالات وعمليات التصفية وممارسة جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة وفلسطين كلها، أسوأ بكثير مما خلّفته جرائم النازية، بل «إسرائيل» هي النازية الجديدة التي ترتكب جرائم حرب وإبادة جماعية على نحو أسوأ وأبشع، وتنتهك المواثيق العالمية، والمعاهدات الدولية، والقوانين الإنسانية والأممية، الأمر الذي حوَّل ضحية الماضي إلى جلاد الحاضر والمستقبل، وذلك كله بدعم صريح سياسي وعسكري من أمريكا والدول الغربية، التي تدعي صيانة حقوق الإنسان، وحرية الفكر، وحرية الرأي، فإن الموقف الغربي يدل على الفاشيّة الغربية كما يدل على العلاقات الحميمة بين «إسرائيل» والغرب، فربطُ الآمال بالغرب بصدد حلِّ أي قضية عربية أو إسلامية عبث” و”رجع بخفي حنين”.
لقد بلغت القيادات المعاصرة بشعوبها ودولها إلى منزلة الصبيان، كما أشار إلى ذلك الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي بقوله: فلا يصدر من أفواه قادتها وتصرفاتهم إلا ما يصدر من أفواه وتصرفات الصبيان، أنهم آثروا أن يتقدموا على أكتاف الغربيين، فاغتربوا، فلم يكن حظُّهم في ذلك التغرُّب، بل كان حظُّهم الاغتراب، فأصبحوا غرباء، يعيشون كمساكين؛ بل كأيتام، فطوبى لهم هذا اليتم، ولن يعود إليهم المجد، إلا إذا وقفوا على أقدامهم والاعتزاز بما يملكون من تراث وتجارب، فإن طبيعة هذه الأمة طبيعة دينية ودعوية، ولن يغير الله هذه الأمة إلا بالدين، وذلك هو حكم القرآن، وذلك هو درس التاريخ القديم والأخير، وبالإسلام تعلو، وبدونه تستكين.
نحن في زمن تقاربت فيه المسافات، واتصلت المجتمعات، وتشابكت المصالح، لسهولة المواصلات، ووجود وسائل الإعلام المتنوعة الحديثة، فيحس المؤمن بغربة وضياع وتمزق، بين عقيدة يعتنقها ويؤمن بها، وبين واقع مخالف لهذه العقيدة، تتجاذبه العقيدة والواقع، فيقف على مفترق الطرق، إما أن ينحرف مع الواقع، ويتخلى عن عقيدته فيتيه مع التائهين، أو يختار العزلة والغربة عن واقعه، فيصبح خطرًا على نفسه، وعلى أمته، ودينه، ومجتمعه، أو أن يدع الأمور تجري على أعنتها، مكتفيًا بنفسه متخذًا موقفًا سلبيًا نحو قضايا أمته، وقضايا الإنسانية، بل وينظر إليها نظرة الكراهية والحقد.
فإن المسألة الحقيقية اليوم هي غياب القيادة المؤمنة الواعية الراشدة المخلصة، وقد أشار إلى هذا الغياب الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي في كلمة له ألقاها في «مركز جمعية إنقاذ فلسطين ببغداد» في يوليو عام 1956م، فيقول: الأزمة أزمة رجال، فأين الرجال؟ وإن كثيرًا من الناس يحرصون على الحكومات، ويعتقدن أنها هي المفتاح، ولكن الحكومة يسيِّرها الرجال، فمن هم هؤلاء الرجال؟ وكيف هم؟ هذا هو داء العالم الإسلامي، فأنتم هيئوا نفوسكم لمعركة المستقبل؛ معركة الأخلاق، والإخلاص، والتضحية، إذا وُجِدَ رجل واحد، يستطيع أن ينسى نفسه، ومصلحته، ومصلحة أسرته، وأصدقائه، وحزبه، ويستهدف مصلحة بلده، وأمّته، لاستطاع أن يحدث انقلابًا.
_______________
(*) مدير تحرير صحيفة «الرائد» الصادرة من ندوة العلماء.