لم تكن الإطاحة بالشيخة حسينة واجد في بنغلاديش، في وقت سابق من هذا الشهر، لتسعد الحكام المستبدين في جنوب شرق آسيا، حيث كان بعضهم أكثر انفتاحاً من غيرهم بشأن مخاوفهم.
فقد قال رئيس وزراء كمبوديا هون مانيت، الأسبوع الماضي: لا أريد أن أرى مثل هذا الوضع في كمبوديا، لا تتهموا الحكومة بأنها دكتاتورية إذا اتخذت إجراءات قانونية ضد أولئك الذين يحاولون إشعال النار ويدفعون الناس لمظاهرات على غرار مظاهرات بنغلاديش هنا في كمبوديا.
في 5 أغسطس الجاري، فرت رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة، الشيخة حسينة، التي حكمت البلاد بقبضة من حديد منذ عام 2009م، إلى الهند عندما اتجه الطلاب المحتجون لقصرها، وسمحت لهم قوات الأمن، التي كانت تدعمها حتى تلك اللحظة، بالمرور.
هذه الانتفاضات تتشابه وتتكرر، وسوف يلاحظ الفلبينيون بعض أوجه التشابه مع ثورة الشعب التي أطاحت بفرديناند ماركوس في عام 1986م، الاقتصاد في بنغلاديش في حالة سيئة منذ سنوات، مع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب واستنزاف أموال الدولة، نتيجة لسرقة أعضاء رابطة عوامي الحاكمة التي تقودها حسينة للخزانة الوطنية.
كانت الشرارة التي حفزت الاحتجاجات الطلابية تاريخية ومعاصرة أيضاً، فمنذ حرب التحرير التي خاضتها بنغلاديش ضد باكستان في عام 1971م، خصصت البلاد دستورياً 30% من الوظائف الحكومية لأبناء المقاتلين من أجل الحرية.
تم إلغاء هذا الشرط في عام 2018م، ولكن في يونيو أمرت المحكمة العليا بإعادة العمل به، وبطبيعة الحال، شعر الشباب البنغالي الذين كانت تبدو الآفاق الاقتصادية أمامهم قاتمة، بأن الأوضاع ستكون أسوأ إذا عاد نظام الحصص.
اختبار شجاعة النظام
ولكن الاحتجاجات ليست كافية لإسقاط دكتاتور، لم ينجح عامان من الاحتجاجات الطلابية في تايلاند بين عامي 2021 و2022م في إسقاط المؤسسة العسكرية الملكية، وظلت كمبوديا على قيد الحياة رغم المظاهرات التي عمت البلاد في عامي 2013 و2014م، ونجت سلالة الهون.
في البداية، عندما بدأت الاحتجاجات الطلابية الأخيرة في دكا الشهر الماضي، ردت قوات الأمن بالإرهاب، قُتل ما لا يقل عن 100 شخص واعتقل الآلاف، هدأت المظاهرات قليلاً لكنها اندلعت مرة أخرى في وقت سابق من هذا الشهر، ومرة أخرى، وقفت الشرطة والجيش بقوة، وفرضت حظر التجوال، وقطعت الوصول إلى الإنترنت في جميع أنحاء البلاد.
ولكن الذي حدث في 5 أغسطس، عندما احتج عشرات الآلاف من الناس مرة أخرى، أن شيئاً ما تغير.
جاء في مقال في مجلة «الإيكونوميست»: في مواجهة احتمال إراقة الدماء على نطاق واسع من أجل الدفاع عن نظام متدهور، يبدو أن قوات الأمن، وربما كبار الشخصيات في «رابطة عوامي الحاكمة» فقدوا أعصابهم، مما سمح للمحتجين بالمرور.
يبدو أنه لكي تنجح أي ثورة، يجب على قوات الأمن والنخب السياسية أن تفقد أعصابها، يقومون أولاً بإطلاق النار على المتظاهرين للدفاع عن النظام، وفي اليوم التالي يلقون أسلحتهم ليدافعوا عن بداية جديدة.
هذا، بالطبع، تبسيط مبالغ فيه، ولكن فهم هذه الأشياء يعتبر أمراً معقداً للغاية، ببساطة، يمكن قمع الاحتجاجات العامة بسهولة، وإن كان ذلك بشكل دموي، طالما ظلت قوات الأمن إلى جانب المستبدين، وظلت المؤسسة واثقة من نفسها، ومع ذلك، لن يتم اختبار أعصابهم أبدًا حتى تحدث الاحتجاجات الشعبية، لذا فإن الثورة تحتاج إلى كليهما لنجاحها، فقْد الأعصاب، والإصرار على الدفاع عن الظلم.
حركات شعبية أخرى
لأكثر من عام، سمعنا تنبؤات حول السقوط الوشيك للنظام العسكري الدموي في ميانمار، الذي استولى في انقلاب على السلطة في أوائل عام 2021م، انتشرت الاحتجاجات على مستوى البلاد؛ ولكن ما زال هناك الكثير من الشكوك حول المستقبل، ما زالت الحرب الأهلية الدموية مستعرة، وقوات المجلس العسكري تفقد الأراضي ببطء، ولكن بثبات لصالح المليشيات العرقية وقوات الدفاع الشعبية المؤيدة للديمقراطية.
ومع ذلك، فإن كبار القادة العسكريين وغيرهم من النخب لم يفقدوا أعصابهم بعد؛ ولم ينقلبوا بعد على هلاينج مين أونج، رئيس المجلس العسكري، ويساوموا على أن النظام الذي سيحل محل المجلس العسكري يناسب مصالحهم.
ومن غير المرجح أن تنتهي الحرب الأهلية، التي دخلت عامها الثالث الآن، باقتحام قوات الدفاع الشعبية والمليشيات المختلفة لنايبيداو أو يانغون، والواقع أن نجاحاتها البطيئة والمتعثرة في ساحة المعركة الريفية تشكل أهمية كبرى، لأنها تكسر شجاعة النظام العسكري والمتعاونين معه، ولكن كما حدث في دكا، من المرجح أن تتحقق الثورة في ميانمار في اليوم التالي لظهورها على السطح.
فيتنام ولاوس
ولا يمكن أن يكون الاختلاف بين فيتنام التي يحكمها الشيوعيون، ولاوس أكثر وضوحاً، لقد شهدت فيتنام زيادة في المعارضة العلنية طيلة العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث كان الجمهور غاضباً ضد الحزب الشيوعي الذي اعتبروه غير وطني، وغير مسؤول، وفاسد، والواقع أن بعض النخب الشيوعية ورجال الأعمال كانوا متوترين للغاية إزاء المستويات المذهلة من الفساد التي سادت جميع طبقات المجتمع، بما في ذلك أولئك الذين يتولون مناصب قيادية في الحزب الشيوعي، حتى إن الحزب الحاكم بدا وكأنه يتحلل من الداخل، وشعر المنشقون بأن هذه هي لحظتهم.
ولكن بعد ذلك، وفي عام 2016م، أطاح نجوين فو ترونج، رئيس الحزب الهادئ حتى ذلك الحين، برئيس الوزراء نجوين تان دونج، المصدر الواضح لكل هذه الأمراض، وأطلق حملة أتون مشتعل لمكافحة الفساد، وبعد ثماني سنوات، أطاحت الحملة بآلاف المسؤولين وأباطرة القطاع الخاص، ويبدو أن ترونج، الذي توفي الشهر الماضي، غرس شعوراً جديداً بالهدف داخل الحزب، ويبدو أن بعض أفراد الجمهور راضون عن أن حكامهم أنظف على الأقل من أولئك الذين سبقوهم.
وفي الوقت نفسه، نجح ترونج ومساعدوه في القضاء على المعارضة، وتم استئصال الحركات المؤيدة للديمقراطية التي بدأت في الظهور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وينتشر الخوف مرة أخرى في المجتمع، ويبدو من الصعب أن نتخيل أن الاحتجاجات على مستوى البلاد التي شهدناها في عامي 2016 و2018م قد تحدث مرة أخرى في أي وقت قريب.
زعماء لاوس يعبثون بأصابعهم
الصورة مختلفة في لاوس، وهي دولة ليس لها تاريخ حديث من الاحتجاجات العامة.
المزاج داخل حزب لاوس الثوري الشعبي الحاكم مزاج قاتم، الاقتصاد في حالة يرثى لها منذ عام 2021م، حيث تراجع بسبب التضخم المرتفع، والعملة المتدهورة، وسداد خدمة الدين التي بالكاد تستطيع الدولة تحملها، يطارد التخلف عن سداد الديون فيينتيان، الخدمات الأساسية، مثل التعليم العام، لا تعمل، وأغضبت الحكومة أولئك الذين هم عادة الأكثر ولاءً من خلال خفض الوظائف في القطاع العام لموازنة الدفاتر.
ومع قلة فرص العمل وأزمة تكلفة المعيشة، عاد العديد من الناس إلى مزارع أسرهم أو ذهبوا إلى الخارج للعمل.
لن يعترف الحزب بذلك علنًا، لكن لا أحد يعرف كيفية إصلاح الاقتصاد، وهو أحد الأسباب التي تجعل الروح المعنوية منخفضة للغاية، العديد من أسباب الأزمة خارجة عن سيطرة الحزب؛ والاضطرابات التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة كانت نتيجة لتدخلات قادتها منذ عقد من الزمان، ولا يمكن التراجع عنها الآن.
ولذلك، فقد اكتفى الحزب بإلقاء اللوم على الأبرياء -مثل محافظ البنك المركزي الذي أقيل مؤخراً، بونليوا سينكسايفورافونج- في حين كان، بلا عمل، يعبث بأصابعه، إلى أن تتحسن الأمور بشكل طبيعي، ويأمل في ألا يغضب عامة الناس في غضون ذلك.
والواقع أنه من المذهل أن البلاد لم تشهد المزيد من الاضطرابات في الوقت الذي يجد فيه أغلب الناس العاديين أنفسهم الآن في حال أسوأ مما كانوا عليه قبل عقد من الزمان، ولا شك أن الشباب اللاوسيين يشعرون بالظلم إزاء مصيرهم بقدر ما يشعر به نظراؤهم في بنغلاديش.
ومع ذلك، لا شك أن الحزب الشيوعي يشعر بالامتنان لأن العديد من اللاوسيين، وخاصة الشباب، يستطيعون في الوقت الحاضر الهجرة بسهولة إلى تايلاند بحثاً عن عمل أفضل؛ وهو ما يوفر عليهم عناء التجول في الوطن، وتزايد الشعور بالمرارة، والتفكير في سبل التعبير عن غضبهم، في لاوس، قد تفقد بعض النخب الحاكمة وأجهزة الأمن أعصابها بسرعة، لكن من غير المرجح أن يتم اختبار ثقتهم من قبل الجمهور.
__________________________
المصدر: «Radio of Free Asia».
ديفيد هوت، زميل باحث في معهد أوروبا الوسطى للدراسات الآسيوية.