عاش المسلمون في الصين طوال تاريخهم في تجمعات خاصة بهم، التفوا فيها حول مساجدهم ومارسوا فيها عباداتهم وأنشطتهم الدينية والدنيوية، ومع مطلع القرن العشرين، شهدت الصن تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية؛ ظهرت على إثرها العديد من المؤسسات العلمية والثقافية والسياسية، ولم يكن المسلمون الصينيون ببعيد عن هذه التحولات، فظهرت في أوساطهم جمعيات كان هدفها توحيد كلمة المسلمين والاعتمام بالتعليم ودعم النشطة الاجتماعية والاقتصادية لمجتمع المسلمين، وكان من أشهر هذه الجمعيات: جمعية التقدم الإسلامية في يوننان جنوب الصين، وجمعية الطلبة المسلمين في بكين، وجمعية جمهور المسلمين في نانجينغ شرق الصين.. وكان لهذه الجمعيات وغيرها نشاط محمود، وجهد مشكور خلال النصف الأول من القرن العشرين.
ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1358هـ/ 1949م، بادر عدد من الشخصيات الإسلامية البارزة إلى توجيه نداء عام إلى المسلمين في كل أرجاء الصين، من أجل توحيد المؤسسات الإسلامية وتأسيس منظمة إسلامية على المستوى الوطني، تحت رعاية الحكومة المركزية الصينية، وقد تحقق لهم ما أرادوا، حيث عقد المؤتمر الوطني الأول لممثلي القوميات المسلمة الصينية في 11 مايو 1953م في بكين، الذي أعلن فيه رسميًا تأسيس الجمعية الإسلامية الصينية، ومقرها في بكين، وانتخب لها برهان الدين شهيدي باو أرخان رئيسًا لها، وكانت بذلك أول جمعية وطنية موحدة للمسلمين الصينيين أمام الحكومة الجديدة، وأمام دول العالم، وتأسست تحت قيادتها منظمات فرعية على مستويات المقاطعة والمدينة، والمحافظة؛ تجاوبًا مع المتطلبات الدينية والدنيوية للمسلمين في أنحاء البلاد.
وللجمعية الإسلامية عدد من أقسام العمل التابع لها، مثل:
– قسم التعليم: ويتحمل مسؤولية التربية الدينية على مستوى البلاد، كما ينظم أيضًا مسابقات تلاوة القرآن الكريم ومسابقات الوعظ.
– قسم العلاقات الدولية: وهو المنوط بإجراء الاتصالات الودية والتبادلات الثقافية مع المسلمين في العالم.
– قسم دراسة الثقافة الإسلامية: وهو منوط بتعميق الدراسة حول الثقافة الإسلامية الصينية، واستكشاف التراث الإسلامي الصيني، وتأليف الكتب الدينية.
– هيئة تحرير مجلة المسلم الصيني: وهي المسؤولة عن تحرير وإصدار مجلة «المسلم الصيني» باللغتين الصينية والأويغورية.
– مكتب الجمعية: وهو مسؤول عن معالجة الشؤون الإدارية والداخلية للجمعية.
أنشطة متنوعة
ومنذ ولادتها تولت الجمعية الإسلامية الصينية مهمتها كجسر بين جماهير المسلمين والحكومة، فاهتمت بطرح مطالبهم واقتراحاتهم على الجهات الحكومية المعنية، وعملت على تنسيق العلاقات التعاونية بين المسلمين وغير المسلمين في كافة المجالات، وفي سبيل تعميم المعارف الإسلامية أصدرت الجمعية كثيراً من المطبوعات الدينية المهمة باللغتين الصينية والعربية، منها القرآن الكريم، الحديث النبوي وغيرهما، كما تشرف على طبع ونشر مجلة «المسلم الصيني» باللغتين الصينية والأويغورية، فضلاً عن الكتب والألبومات التي تعكس حياة المسلمين من مختلف القوميات الصينية، كان إعداد عدد كبير من المتخصصين الأكفاء الذين يستوعبون المعارف الدينية الواسعة والمستوى العالي للغتين العربية والصينية مهمة ملحة أمام الجمعية، لذلك أولت اهتماماً عظيماً لإدارة المعهد الصيني للعلوم الإسلامية على أفضل وجه، وإلى جانب قبول الطلاب النظاميين أقام المعهد دورات تدريبية مختلفة المستويات للأئمة العاملين في المساجد على نطاق البلاد، وأيضاً قدم مساعدات متنوعة لفتح المدارس الإسلامية المحلية في الأماكن التي يتجمع فيها المسلمون بكثرة.
وفي الوقت نفسه حثت الجمعية المعلمين العاملين في المعهد على رفع مستواهم الذاتي في التعليم عن طريق جمع وترتيب المعلومات والمطبوعات والتراث الإسلامي من جميع أنحاء البلاد، لكي يقوموا بدراسات عميقة حول الشرائع الدينية الأصيلة وتاريخ الإسلام في الصين، والعمل الروتيني الآخر للجمعية هو تنظيم نشاطات الحج للمسلمين الصينيين، حيث أقامت الجمعية إدارة خاصة تتولى جميع الأعمال المتعلقة بوفود الحج الصينية، مثل الاتصالات الدبلوماسية مع الجهات المسؤولة بالسعودية، وتلقي طلبات المسلمين الراغبين في أداء فريضة الحج وإرشادهم قبل السفر، ومن أجل توفير الضمانات للمسلمين لأداء واجبهم الديني وسلامتهم في الخارج ترسل الجمعية سنويا فرقة قيادية إلى مكة في موسم الحج لتقديم المساعدة والرعاية للحجاج الصينيين هناك.
الاتصالات الخارجية
وفيما يتعلق بالاتصالات الخارجية والتبادل الثقافي مع الإخوة المسلمين في دول العالم أبدت الجمعية الإسلامية الصينية حماسة كبيرة لإقامة علاقات ودية مع جميع المنظمات الإسلامية في العالم، وشاركت بنشاط في مؤتمرات ومناقشات وندوات دولية حول العلوم الإسلامية، وفي المناسبات الدينية والأحداث المهمة بالدول الإسلامية تعلن الجمعية الإسلامية الصينية دائماً موقفها الواضح معبرة عن صوت المسلمين الصينيين، وعن طريق اتصالاتها مع الدوائر الإسلامية الأجنبية ترسل الجمعية طلاباً مسلمين إلى الجامعات الإسلامية المشهورة في الخارج لتعميق دراستهم الدينية هناك، وهذا أصبح وسيلة مهمة لإعداد المتخصصين المؤهلين في الأوساط الإسلامية الصينية، وبصفتها الجهة العليا للشؤون الإسلامية في الصين تتحمل الجمعية مسؤولية استقبال الضيوف المسلمين الأجانب الذين يزورون مقر الجمعية ببكين خلال زيارتها للصين، ويتفقدون قاعة الصلاة الفسيحة بها ومعهد العلوم الإسلامية التابع لها الذي يضم مكتبة كبيرة تحوي الكثير من الكتب الدينية النفيسة، وبالنسبة للمسلمين في تايوان وهونغ كونغ وماكاو والمسلمين الصينيين الذين يعيشون في الخارج تعمل الجمعية على توطيد الاتصالات بهم وإقامة العلاقات الأخوية معهم.
ومنذ تأسيس الجمعية الإسلامية الصينية، عقد المؤتمر الوطني سبع مرات، تم فيه انتخاب 6 شخصيات بارزة على التوالي لتولي رئاسة الجمعية، هم: برهان الدين باو أرخان، ثم محمد علي تانغ جيه، ثم إلياس شن شياشي، ثم صالح آنشي، ثم هلال الدين تشن قوانغ يوان والرئيس الحالي هو يوسف يانغ فا مينغ، وكان في السابق رئيساً للجمعية الإسلامية الصينية في منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي.
يقع مبنى الجمعية الإسلامية في حي نيوجيه ببكين، وهو مبني بطراز عربي خالص، تعلوه قباب خضراء، يستطيع الزائر لبكين تمييزه عن بقية الأبنية في ذلك الحي الشهير، الذي يعد أكبر حي إسلامي في العاصمة الصينية، ويضم مقر الجمعية الإسلامية ومعهد العلوم الإسلامية الصيني، ومسجد نيوجيه العريق، ومدارس أبناء المسلمين، بالإضافة إلى المحال والمطاعم الإسلامية، ويقطنه عدد كبير من أبناء المسلمين.