تواجه «إسرائيل» اليوم أزمة متصاعدة نتيجة إخفاقاتها العسكرية والسياسية في قطاع غزة، حيث تعرضت لهزيمة تكتيكية ومعنوية أمام المقاومة الفلسطينية الباسلة، ومع تنامي الغضب الداخلي والضغوط الدولية، يثار التساؤل حول ما إذا كانت «إسرائيل» ستسعى إلى تصدير هذه الأزمة إلى الضفة الغربية كوسيلة لتخفيف الضغط عليها ومحاولة إعادة ترميم صورتها أمام جمهورها الداخلي والخارجي.
وتعيش «إسرائيل» حالة من الصدمة والارتباك، فرغم قوتها العسكرية الكبيرة، فشلت في تحقيق نصر حاسم على المقاومة الفلسطينية في غزة، التي أظهرت قدرة عالية على الصمود وإدارة معركة طويلة الأمد.. هذه الخسارة أثارت تساؤلات جدية حول فعالية الإستراتيجيات العسكرية «الإسرائيلية» وكفاءة جاهزيتها.. هذا الفشل أدى إلى تصاعد الانتقادات الداخلية ضد القيادة السياسية والعسكرية في «إسرائيل».
المعارضة السياسية، التي كانت تنتظر الفرصة لإضعاف الحكومة الحالية، وجدت في هذه الهزيمة ذريعة قوية لتكثيف هجماتها، مما زاد من تعقيد الأزمات الداخلية، هذا الموقف يضع حكومة الاحتلال «الإسرائيلية» أمام تحديات كبيرة في كيفية الحفاظ على استقرارها وتفادي انهيار سياسي قد يؤدي إلى انتخابات مبكرة أو اضطرابات داخلية.
أمام هذه التحديات، قد ترى القيادة «الإسرائيلية» أن الحل الوحيد المتبقي هو تصدير الأزمة إلى الضفة الغربية، في ظل هذه الأوضاع المتأزمة، يمكن لـ«إسرائيل» أن تسعى إلى تحويل أنظار جمهورها الداخلي نحو الضفة الغربية كنوع من تحويل الصراع وإدارة الأزمة، تعتبر الضفة الغربية منطقة حساسة وإستراتيجية بالنسبة لـ«إسرائيل»، فهي تضم مستوطنات عديدة وموارد طبيعية مهمة، وأي تصعيد في هذه المنطقة يمكن أن يستخدم لتوحيد المجتمع «الإسرائيلي» حول الخطر الأمني وتخفيف الضغط على القيادة.
تاريخياً، استخدمت «إسرائيل» أسلوب تصدير أزماتها الداخلية نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة عندما تشعر بالتهديد الداخلي، ففي فترات سابقة، لجأت «إسرائيل» إلى تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة بهدف تحييد الأزمات السياسية الداخلية، وبالتالي، قد لا تكون فكرة تصعيد العنف في الضفة الغربية جديدة على القيادة «الإسرائيلية» الحالية، إذ يبدو أن اللجوء إلى هذا الخيار يتماشى مع الإستراتيجيات التي اعتادت على استخدامها في مواجهة التحديات الداخلية.
ومع ذلك، فإن تصدير الأزمة إلى الضفة الغربية يحمل في طياته العديد من الأخطار الجسيمة، فمن الناحية الأمنية، قد يؤدي هذا التصعيد إلى اندلاع انتفاضة جديدة، خاصة في ظل التوترات المتزايدة بين الفلسطينيين والمستوطنين «الإسرائيليين»، إن الضفة الغربية تختلف تماماً عن قطاع غزة، حيث تتميز بتداخل السكان والمستوطنات، مما يجعل أي تصعيد عسكري محفوفاً بالأخطار.
علاوة على ذلك، قد يؤدي التصعيد إلى زيادة العزلة الدولية لـ«إسرائيل»، المجتمع الدولي قد ينظر إلى أي محاولة لتصدير الأزمة إلى الضفة الغربية على أنها محاولة لتعميق الاحتلال واستغلال الوضع الأمني لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، هذه الخطوة قد تضع «إسرائيل» في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي وتزيد من الضغوط الدبلوماسية عليها، مما يعقد من وضعها على الساحة الدولية.
من الناحية الاقتصادية، يمكن أن يكون لأي تصعيد في الضفة الغربية تأثيرات سلبية على الاقتصاد «الإسرائيلي»، فالأزمات الاقتصادية الداخلية التي تعاني منها قد تتفاقم نتيجة للتصعيد العسكري، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة على الميزانية العامة وتزايد النفقات العسكرية، مما يزيد من تعقيد الوضع الداخلي ويضعف قدرتها على إدارة أزماتها المتعددة.
في المقابل، يدرك الفلسطينيون في الضفة الغربية تماماً الأخطار المحتملة لهذا التصعيد، والقيادة الفلسطينية تسعى جاهدة لتجنب تصعيد واسع في الضفة، إلا أن التوترات المتزايدة والاعتداءات المتكررة من المستوطنين قد تدفع الشعب الفلسطيني إلى الرد.
في حال اندلاع انتفاضة جديدة، قد تجد «إسرائيل» نفسها في مواجهة معركة على جبهتين؛ الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو سيناريو قد يكون كارثياً بالنسبة لها، ويعزز من قوة وصلابة المقاومة الفلسطينية.
الشارع الفلسطيني اليوم في حالة غليان، حيث يشعر بالإحباط والغضب نتيجة للاعتداءات المتكررة وسياسات الاستيطان التي تتبعها «إسرائيل»، وأي محاولة من قبل الاحتلال لتصدير أزمته إلى الضفة الغربية قد تقابل برد فعل شعبي قوي، مما يعزز من تماسك المقاومة ويعطيها دفعة جديدة لمواجهة الاحتلال، إن الشعب الفلسطيني، الذي يرزح تحت وطأة الاحتلال والاستيطان، لن يقف مكتوف الأيدي أمام أي محاولة لزيادة الضغط عليه، بل سيكون له دور فعال في مواجهة أي تصعيد قادم.
ختاماً، تواجه «إسرائيل» اليوم مأزقاً حقيقياً بعد هزيمتها في غزة، تصدير الأزمة إلى الضفة الغربية قد يكون خياراً مطروحاً أمام القيادة «الإسرائيلية»، لكنه يحمل في طياته أخطاراً جسيمة على المستويات الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية، في الوقت ذاته، الفلسطينيون في الضفة الغربية يدركون هذا الخطر ويسعون لتجنب تصعيد لا يحمد عقباه.
الأيام القادمة ستكشف إن كانت «إسرائيل» ستختار هذا المسار الخطير أم ستبحث عن طرق أخرى للخروج من أزمتها المتفاقمة، ولكن المقاومة الفلسطينية ستظل دوماً بالمرصاد لكل من يحاول قمع إرادة الشعب الفلسطيني.