منذ فجر التاريخ لم يفارق حُلم الطيران خيال الإنسان.
ينظر إلى الطير في السماء، ويتخيل نفسه مثل الطير حراً طليقاً يخفق بجناحيه في الفضاء، يتخيل نفسه في القصص والأساطير يمتطي بساطا سحريا يجوب به في الفضاء.
“عباس بن فرناس” اقتحم الحلُم. صنع الجناح.. صعد إلى الجبل.. قرر محاولة القفز في الفضاء.
صعد معه إلى الجبل قوم شاركوه الحلم.. تعلقت به آمالهم.. شخصت إلى قفزته أبصارهم، انحبست معه أنفاسهم.
وفي سَفح الجبل قوم في دهشة ينظرون.. كفاً بكف يضربون.. يتعجبون ويتساءلون: أي شيء في السماء يجعلكم بأرواحكم تضحون أيها المخبولون؟!
أفي سمائكم بقل وفوم وعدس وبصل … وطين؟!
أفي سمائكم ثور ومحراث وكرباج وكوخ وعجين؟!
أفي سمائكم قصور ونساء ذوات قدٍ يميل وخصرٍ نحيل وخد أثيل؟!
فلماذا إذا تطيرون، وبحياتكم تغامرون، ولأرضكم تفارقون؟!
“ابن فرناس” مشغول بحلمه.. لا يعبأ بصوت من في السفح.. أغمض عينيه واستعد للقفز.
قفز.. اندقت عنقه، وانكسر الجناح.
الناس في سفح الجبل يهللون ويرقصون ويرددون:
ألم نقل لكم أيها المخبولون؛ في الأرض أمان واستقرار، في الأرض بقل وفوم وعدس وبصل … وطين.
ألا تفهمون، ألا تتوبون، ألا في الحظيرة تدخلون.؟!
أريحيونا من خفق أجنحتكم، دعونا في هدوء ننعم بالطين والأمن والاستقرار، والموت البطيء… اللعين.
والناس أعلى الجبل مصدومون.. في حزن وألم وحرقة مستغرقون.
بعضهم نزل إلى السفح حيث الطين والأمن والاستقرار والموت البطيء.. اللعين.
وبعضهم هزمه اليأس، وبعضهم شغله الجدل حول أخطاء التجربة.
وبعضهم ظل فوق الجبل.. أخذ الجناح المكسور.. تعهده بالإصلاح والرعاية.. حمل الحلم من جديد.. استعد لتكرار التجربة.. وطار الإنسان.
وهكذا الأحلام..
فكرة لا تموت، عشق لا ينطفئ لهيبه، روح لا يخبو نورها.
يحمله قلة ممن يصعدون القمم، بعزيمة لا تلين، وحماس لا يفتُر، وأمل في الله لا ينقطع، حتى يتحقق على أيديهم قدر الله النافذ.