من مدينة فاس المغربية كان يتابع د. يوسف بو عبدالله باكيًا قلبه على أطفال غزة الذين بترت أطرافهم وأصيبوا بجروح بالغة، في ظل خروج أغلب مستشفيات غزة عن الخدمة، بعد أن قصف الاحتلال الغاشم 80% من المستشفيات وحرق بعضها الآخر، ولسان حاله يقول: «ليتني أستطيع مداواة جروح أطفال الشمال، اكتبها يا رب لي».
طبيب الأطفال
د. يوسف (بو عبدالله)، هو بروفيسور في جراحة الأطفال، مغربي الجنسية، رأى أنه يجب عليه أن يكون ضمن قوافل الأطباء الذين يتوافدون إلى غزة، وهو يرى شراسة الاحتلال يمزق أجساد الأطفال هناك ويستخدم لقتلهم شتى أنواع الصواريخ المحرمة دوليًا.
تكللت مساعي بوعبدالله لدخول غزة بالنجاح في الشهر الثامن للعدوان الذي يشن على غزة، ضمن وفد طبي من أطباء من مختلف الجنسيات العربية.
بصعوبة بالغة استطاع دخول غزة، فقرر مباشرة أن ينتقل إلى شمال غزة، وأصبح طبيب الأطفال الوحيد هناك، وأجرى أكثر من 120 عملية تجميلية للأطفال هناك للذين تعرضوا لتشوهات أو نتج عن إصابتهم حروق شديدة.
انتهى وقت الوفد الذي دخل غزة، وأجروا جميع الأطباء العمليات اللازمة للمصابين هناك، فتفاجأ الجميع وقت المغادرة أن الطبيب يوسف يرفض مغادرة الشمال والعودة إلى بلاده، وآثر البقاء مع الأطفال الجرحى، تاركًا زوجته وعائلته وعمله هناك في المغرب، رغم تهديد مستشفياته الباقية بالقصف، بينما يعيش أهله التجويع والتشريد والقتل بكل أشكاله.
كان بوعبدالله الطبيب الإنسان الذي يركض إليه الأطفال بمجرد أن يلمحوه في ممر المشفى، يُضحك الأطفال الجرحى ويؤنسهم لينسيهم الوجع والمرض، ويفتح النقاشات في وقت فراغه مع النازحين في ممرات مستشفى كمال عدوان الذي بقي فيه.
وبطريقة ذكية، خفف بوعبدالله على النازحين الذين قرص الجوع معدتهم وأمرضهم أكل المعلبات يوميًا بقوله: «من فوائد أكل المعلبات أن الديدان لن تأكلك».
يضحك النازحون مسترقين بسمة من فم الأيام القاسية التي يعيشونها ويسألونه: «وماذا في المعلبات فوائد يا دكتور؟»، فيجيبهم: «إما أن نموت شهداء.. وقد حرّم الله على الديدان لحومنا.. وإما أن نموت وقد امتلأ لحمنا بالمواد الحافظة، وبكلتا الحالتين لن تأكل الديدان لحومنا إن شاء الله».
حلقات القرآن
ارتأى بوعبدالله أن يكون وقت فراغه واستراحة المحارب التي يحصل عليها بعد إجراء عدة عمليات ليحفظ القرآن الكريم للأطفال في المشفى، يتحلقون بحلقة حوله في ممر المشفى، يعلمهم تلاوة القرآن الكريم ويسمعون له ما حفظوه.
أحمد السيقلي، طفل جريح عمره 8 أعوام جراء قصف بيته شمال قطاع غزة، وهو واحد من الأطفال الذين عالجهم د. يوسف وتماثل بالشفاء على يديه، وهو أيضًا ممن يتحلقون في حلقات القرآن معه، يعبر عن سعادته بالطبيب الإنسان قائلًا: نحن نحب د. يوسف، هو يعالجنا ويضحكنا ويلعب معنا في المستشفى، نريده أن يبقى معنا حتى نختم القرآن الكريم.
لم يصر بوعبدالله على بقائه شمال قطاع غزة إلا انطلاقًا من شعاره الذي يقوله دائمًا: «من المغرب لفلسطين، شعب واحد مش شعبين»، بعد أن ترك عيادته في مدينة فاس.
صور كثيرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يحفظ الأطفال القرآن الكريم، ويلعب معهم رغم وجود رصاصات في أجسادهم وصعوبة إصاباتهم، التي لاقت رواجًا كبيرًا وأشادت بدوره البطولي والإنساني أيضًا وما فتئ يردد: «نحن من نتشرّف بخدمة أهل غزة وليس العكس».
فاطنة الإدريسي، ناشطة مغربية، أشادت بدور الطبيب بوعبدالله في العدوان على غزة، قائلة: إن أهل مدينة فاس يحتاجونه جدًا في عملياتهم الدقيقة الصعبة، ولكن أهل غزة هم أهلنا أيضًا وهم أولى بإمكانياته تحت شعار «أهل المغرب وغزة شعب واحد»، معبرة عن فخر الشعب المغربي به.