في مثل هذه الأيام غالباً كانت تنشط أسواق غزة؛ حيث تتزين بالملابس المدرسية والحقائب الجميلة ذات الألوان البهية، أما القرطاسية فكانت ذات الأشكال المختلفة التي تجلب أنظار الطلبة وخاصة الصغار منهم.
والجميل حينما ترى تلاميذ المراحل الابتدائية السعادة واضحة على ملامحهم الجميلة بعد شراء الحقيبة التي تعجبهم، فلا يقبل أي طفل منهم أن يضعها في كيس نايلون، بل يطلب من والدته أن تساعده بأن يحملها خلف ظهره.
وكان خلال مسافة الطريق يتراقص فرحاً بأنه حصل هذا العام على حقيبة جديدة، وبذلك أوفى والده بوعده له خاصة بعد أن حفظ أجزاء من القرآن الكريم في مخيمات القرآن خلال العطلة الصيفية.
قتلوا الطلبة
وما أجمله من يوم حيث اليوم الأول الذي يدق به جرس المدرسة معلناً بدء عام دراسي جديد! فيصطف الطلبة في فرحة غامرة تعبر عن اشتياقهم الكبير للعودة لمدرستهم وزملائهم ومعلميهم.
هذه الفرحة تبدلت ملامحها، فهذا العام التالي الذي لم يدق فيه جرس المدرسة، فقد غيب العام الدراسي لهذا العام كسابقه.
ولم يغب العام الدراسي وحده، فقد غيبت صواريخ الاحتلال أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة، وجرح أكثر من 12500 طالب وطالبة، عدد كبير منهم أصبحوا من ذوي الاحتياجات الخاصة بعد أن بترت أطرافهم، والأعداد ما زالت مؤشراتها في الارتفاع، فصواريخ الاحتلال لم تكتف بمجازرها المروعة في قطاع غزة.
وكونهم طلبة لم يعفهم ظلم الاحتلال من الاعتقال والتعذيب؛ الأمر الذي أدى إلى ارتقاء عدد منهم جراء سياسة التعذيب في معتقلات سجون الاحتلال التي تفتقر لأدنى مقومات الإنسانية.
قصف المدارس والنازحين
حتى الحجر لم يسلم من بطش صواريخ الاحتلال الفتاكة، فقد استهدفت العديد من المدارس التي أصبحت مأوى للنازحين بعد أن قصفت منازلهم.
كثير من المدارس تم استهدافها وجدرانها تحتوي على العديد من العائلات النازحة، فقد ارتكب الاحتلال المئات من المجازر بحق النازحين التي من بينهما مدرسة التابعين، وصفد، ومصطفى حافظ وغيرها الكثير التي ستبقى شاهدة على بشاعة الحرب وظلم الاحتلال الصهيوني.
هذه المدارس التي اختلطت حجارتها بدماء وأشلاء طاهرة ما زالت تحت ركامها.
أبطال الحكاية
كل طالب وطالبة ليسوا أرقاماً ترتفع بهم أعداد الشهداء والجرحى، فهم أبطال الحكاية، فكل واحد منهم كان يحمل الكثير من الطموحات، فأحمد كان يحلم بأن يكون طبيباً، أما ليلى فكانت منذ طفولتها تحمل طبشورة وتكتب على سبورة صغيرة في منزلها الدرس الأول، فكان كل أفراد عائلتها لا يذكرون اسمها إلا وأن يسبقه المعلمة.
وأما رائد المتفوق دوماً في دراسته فكان يحلم أن يكون مهندساً مثل والده.. وغيرهم الكثير الذين اغتالت الصواريخ ليس أجسادهم فحسب؛ بل طموحاتهم وأحلامهم.
ستنتهي الحرب، فلا بد لها من ذلك مهما امتدت بشهورها، وسيدق جرس المدرسة حتى وإن كان من فوق الخيام، لكن من يعيد الطلبة على مقاعدهم المدرسية؟! من سيخبر أم الطالبة جمانة أنها استشهدت ولم تحقق طموحاتها بأن تكون طبيبة؟! ومن سيخبرها بأن ابنتها بلسم لن تذهب بعد اليوم إلى المدرسة، فلم تعد بحاجة إلى ملابس مدرسية أو حتى حقيبة مدرسية وردية اللون كما كانت تحب، فقد استشهدت كذلك مع شقيقتها وبناتها عمها جميعاً.
وإن عاد الطلبة كيف لهم أن يجلسوا في مدرسة ما زالت دماء عائلاتهم ملبدة بترابها وجدرانها؟!
ومن سيخبر الطلبة بأن أستاذهم المحبوب لديهم جميعاً أسامة قد استشهد، وكذلك الأمر لمدرسهم الكيمياء أحمد، ومدرس الأحياء مهند كذلك قد ارتقوا جميعاً؟!