آسيا الوسطى التي فتحها العرب المسلمون الأوائل وبذلوا أرواحهم الذكية من أجل نشر الحق والعدل وإخراج أهلها من ظلمات الجهل والظلم الى النور، التي وطأتها حوافر خيول صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، منذ بدء الفتوحات فيها على يد الصحابة خالد بن الوليد، وأبي عبيد الثقفي، والمثنى بن حارثة، وسعد بن أبي وقاص، وجعفر بن أبي طالب، في عهد الراشدين عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، مروراً بالأمويين والعباسيين وغيرهم من الحكام المسلمين.
أرض سمرقند وبخارى وترمذ، أرض الفرابي، والخوارزمي، والبخاري، هي أرض الحضارة الإسلامية منذ القرن السابع الميلادي، هي الأرض إلى أطلق عليها العرب بلاد ما وراء النهر، وقدمت منذ ذلك الحين الكثير من العلماء الذين كانت لهم إسهامات مشهودة في علوم الرياضيات والطب والفلسفة والحديث واللغة.
أجدادنا العظماء على هذه الأرض بذلوا كل ما أوتوا لنشر دين الله والعدل والسلام، ويتحدث أهلها عن تاريخنا المشترك عن الكلمات العربية التي أصبحت جزءاً من لغاتهم.
التنوع العرقي والثقافي
ما إن تطأ قدماك آسيا الوسطى إلا وتطالعك وجوه شرقية وغربية وعربية وتركية وفارسية وروسية، وتسمع أذناك لغات ولهجات عدة، هي أرض جمعت بين الشرق والغرب، ومختلف الأديان والثقافات، فشعوبها تنتمي لأكثر من مائة مجموعة عرقية (أبرزها التركية) ولغوية، منها على سبيل المثال لا الحصر، الكازاخ والأوزبك والقيرغيز والعرب والفرس واليهود والروس والألمان والأفغان والهنود والمنغول والصينيون والتتار والكوريون.. وغيرهم.
التسامح العرقي والديني
ومن أهم السمات المميزة لأهل آسيا الوسطى التنوع العرقي والتسامح الديني ونبذ العنف والتعايش في جو من التفاهم مع الأديان المتعددة، وقد تجلى ذلك عبر التاريخ الإنساني، فعلى مدى قرون طوال، تعايشت أديان عديدة وما زالت تتعايش إلى جانب الإسلام الدين الرئيس في تلك البلاد في جو من الأخوة والسلام، ولليهود قصة طويلة، يطول سردها هنا، في هذه الأرض التي احتضنتهم بعد فرارهم من الأندلس بعد سقوطها وتعرضهم للاضطهاد على أيدي الأوروبيين.
الأهمية الجيوسياسية
تتشكل منطقة آسيا الوسطى من 5 دول، هي: أوزبكستان، وكازخستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان، وتركمنستان، وتعتبر منطقة تنافس إستراتيجي على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتتميز هذه المنطقة باحتوائها على ثروات هائلة من النفط والغاز والفحم واليورانيوم والذهب والفضة والعديد من المعادن الإستراتيجية، كما أن لها منذ القرن الثالث قبل الميلاد أهميتها الإستراتيجية من خلال ما كان يُعرف بطريق الحرير الممتد من الصين شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، الذي تحاول الصين الآن إحياءه، وذلك فضلاً عن كونها تطل على بحر قزوين الغني بالنفط والغاز.
الصين تحاول إحياء طريق الحرير
نظراً لأهمية آسيا الوسطى الإستراتيجية، تحاول الصين إحياء طريق الحرير بمشروع «الحزام والطريق»، الذي يهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية كلها.
التوغل «الإسرائيلي» منذ سقوط الاتحاد السوفييتي
منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، سعت «إسرائيل» إلى التوغل في دول آسيا الوسطي، وكانت من أوائل الدول التي أقامت علاقات وطيدة مع دولها، واتخذت خطوات مختلفة لتعزيز هذه الروابط، استندت «إسرائيل» في تحسين علاقاتها مع هذه المنطقة على القضايا التجارية والاقتصادية والتقنية والتعليمية والثقافية، والعسكرية والفضائية، بينما تخلف العرب والمسلمون عن تطوير العلاقات بالرغم من الروابط التي تجمعنا بشعوبها من تاريخ وقيم دينية مشتركة.
ومن أبرز الأسباب الرئيسة التي دفعت «إسرائيل» إلى التوجه مبكراً نحو آسيا الوسطى كانت موارد الطاقة الوفيرة في تلك المنطقة، فقد ظلت علاقات «إسرائيل» سيئة مع إيران والدول العربية المحيطة بها لفترة طويلة، وقد منع هذا الوضع «إسرائيل» من الحصول على الطاقة من جيرانها.
وكانت كازاخستان من بين الأهداف الرئيسة لـ«إسرائيل» في تطوير علاقاتها مع المنطقة لبالغ أهميتها الإستراتيجية ولكونها مركزاً لإطلاق الأقمار الصناعية.
وبينما اهتمت «إسرائيل» منذ وقت مبكر باختراق هذه المنطقة، نجد أن الدول العربية تأخرت كثيراً في الاتصال والتعاون مع دول آسيا الوسطى؛ نظراً لعدم وجود رؤية وإستراتيجية محددة ومدروسة تجاه هذه الدول؛ الأمر الذي أفضى في مجمله إلى محدودية الحضور العربي والإسلامي في هذه المنطقة.
وسعت «إسرائيل» إلى:
– تحسين صورتها في منطقة آسيا الوسطى.
– الحصول على موارد الطاقة.
– الحصول على اليورانيوم الكازاخي اللازم لترسانتها النووية.
– التعاون الفضائي لإرسال أقمار صناعية.
– تشجيع إنشاء «لوبي» صهيوني لتحسين العلاقات الثنائية.
– التعاون العسكري والحصول على ثقة دول آسيا الوسطى في «إسرائيل» في مجال التدريب العسكري وإجراء اتفاقيات مشتركة.
– التبادل التجاري، حيث كانت هذه الدول تابعة للاتحاد السوفييتي سابقاً، وبعد استقلالها وانهيار الاتحاد السوفيتي، أصبحت سوقاً متعطشة للاستثمارات المختلفة، وأسواقاً مفتوحة للعديد من المنتجات.
– تطويق إيران التي تعتبرها «إسرائيل» تهديداً لها، لذا فإن تعزيز العلاقات مع آسيا الوسطى بسبب موقعها الجيوسياسي يشكل أهمية بالغة بالنسبة لـ«تل أبيب».
في بداية الألفية الثالثة، ركزت «إسرائيل» على الاقتصاد في علاقاتها بآسيا الوسطى، ووقعت «إسرائيل» عدداً من اتفاقيات الدفاع وصادرات الأسلحة في إطار تعزيز علاقاتها مع دول المنطقة، فتم توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين كازاخستان و«إسرائيل» في عام 2014، وقامت شركات الصناعات العسكرية «الإسرائيلية» ببيع مجموعة متنوعة من صناعاتها إلى كازاخستان، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والصواريخ وأنظمة الرادار ومعدات الاتصالات، ومن المعروف أيضًا أنه في عام 2019م، اتفقت الدولتان على إنتاج الطائرات بدون طيار في كازاخستان بموجب ترخيص من شركة «Elbit Systems» «الإسرائيلية»، وقد وردت تقارير عن أن الإنتاج بدأ في مايو 2021م.
كازخستان تمتلك ربع احتياطي العالم من اليورانيوم
تمتلك كازخستان ربع احتياطي العالم من اليورانيوم اللازم لصناعة الأسلحة النووية، وتمتلك تركمنستان رابع احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، وتُعد أوزبكستان ثالث أكبر منتج للقطن في العالم، وتمتلك رابع أكبر احتياطي عالمي من الذهب، وعاشر احتياطي عالمي من النحاس، إضافة إلى الكميات الضخمة من النفط والغاز في بحر قزوين، لذا فإن «إسرائيل» بحاجة إلى اليورانيوم الكازاخي لترسانتها النووية.
ويقع بكازاخستان مركز «بايكونور كوزمودروم» لإطلاق الصواريخ الفضائية، وقد منحت كازاخستان «إسرائيل» حقّ استخدامه كجزء من برنامج فضائي مشترك بموافقة روسيا، واستغلت «إسرائيل» هذا المركز لإطلاق أقمارها الصناعية التي تساهم في قتل العرب والمسلمين؛ حيث تمّ إطلاق سلسلة من أقمار الاتصالات السلكية واللا سلكية «الإسرائيلية»، كان من بينها قمر «عاموس-4».
تعاون «إسرائيل» مع أوزبكستان
كذلك كانت أوزبكستان من بين الدول التي سعت «إسرائيل» إلى تعزيز علاقاتها معها في آسيا الوسطى، فنظرًا لوجود يهود بخارى بها، تنظر «إسرائيل» إلى أوزبكستان على أنها دولة ذات علاقات ثقافية جيدة، ونتيجة لهذا، تتطور العلاقات بين الطرفين على مستويات عدة؛ سياسة ودبلوماسية واقتصادية وسياحية وصحية وثقافية، فقد صرح نائب وزير الزراعة الأوزبكي عليشر توراييف، أنهم تلقوا دعمًا من «تل أبيب»، وخاصة فيما يتعلق بالإنتاج الزراعي، وأعلن أن «إسرائيل» من بين أهم الدول التي ساهمت في تقدم البلاد، وعقد في «تل أبيب»، في 28 و29 يونيو 2022م منتدى الأعمال الأوزبكي «الإسرائيلي»، الذي كان الهدف منه تطوير العلاقات الثنائية.
قيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان
بالإضافة إلى كل ذلك، لم تغفل «إسرائيل» علاقاتها مع قرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، فالتقى نائب وزير خارجية قرغيزستان عزيزبيك مادماروف بالسفير «الإسرائيلي» ليات فيكسلمان، في 17 سبتمبر 2020م، وعقدا اجتماعًا لتطوير العلاقات الزراعية والطبية والثقافية والسياحة.
وفي 18 أغسطس 2022م، التقى وفد «الإسرائيلي» بوفد طاجيكستاني برئاسة نائب وزير خارجيتها مظفر حسين زاده في العاصمة الطاجيكية دوشانبه، وكانت الموضوعات الرئيسة التي ناقشها الطرفان الاقتصاد والعلوم والطاقة والزراعة والسياحة.
أما تركمانستان، فقد افتتحت «إسرائيل» سفارة لها في عشق آباد في مارس 2022م، وهو ما يدل على أن العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين تسير نحو الاتساع.
يمكن القول: إن العلاقات «الإسرائيلية» في آسيا الوسطى يعود تاريخها إلى أكثر من 30 عاماً منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، وتعمقت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وخاصة في كازاخستان وأوزبكستان، ونجحت «إسرائيل» في نسج خيوط العنكبوت العسكرية في آسيا الوسطى والقوقاز والجمهوريات السوفييتية السابقة.
_______________________________
(1) https://www.ankasam.org/anka-analizler/orta-asyanin-israille-guclenen-iliskileri/
(2) https://dergipark.org.tr/tr/download/article-file/2496284
(3) https://www.nobelyayin.com/israil-in-orta-asya-turkistan-turk-cumhuriyetleri-ile-iliskileri-16014.html
(4) https://thediplomat.com/2016/07/the-israel-kazakhstan-partnership/
(5) https://hurseda.net/dunya/248327-israil-in-orta-asya-ya-dogal-olmayan-mudahalesi.html
(7) https://turkistanilibrary.com/sites/default/files/tarih-almuslimiyn-we-hezaratihim-asia-vosta.pdf