كاتب المدونة: محفوظ الرحمن عبدالرحمن (*)
ها هو ربيع الأول 1446هـ الشهر الذي ولد فيه النبي العربي الأمين صلى الله عليه وسلم، وهاجر فيه من مكة المضطهدة إلى مقره المدينة المنورة، والذي توفي فيه أيضاً.
ربيع شهر قد طابق اسمه مسماه طبق القذة بالقذة؛ لما أنه ربيع بالمعنى الصحيح، والفحوى الصادقة الحقيقية الواقعية بجميع معانيها الشاملة الكاملة، الربيع (في التقويم الميلادي) الذي ينتظره الفلاح بفارغ الصبر؛ ليبتسم في وجهه لكثرة ما ينبت من البقول، والخضراوات الغضة الطرية وما ينمي من الأشجار والنباتات مورقة مثمرة وما يكسي الأرض من سندس خضر عبقري حسان، يجذب الأنظار، ويغري القلوب، ويقر العيون، ويفتتن الأبصار، وما يزين الطبيعة.
ذلك الموسم الذي تترقب له المواشي والأنعام بتلهف وبشوق بليغ وبقلوب رقيقة صامتة تنبت فيه الأرض نباتها الحسنة وتخرج أعشابها الدفينة الكامنة في أحضانها على وجهها لتصبح لقمة سائغة، ورزقاً واسعاً، والأقوات المقدرة في قضاء الله المبرم، وقدره المقدر، ولترعى الدواب والمواشي على هذه السجاجيد الخضرة الناعمة، ولتسبح آمنين مطمئنين لا تعوقها العوائق، ولا تعكر صفو حياتها العوامل فرحين بما آتاها الله من نعم كثيرة.
فلشهر الربيع ميزات تتميز عن غيره من الشهور بميزاته وسماته، وهو ربيع المؤمن والمؤمنة، بأن وفقه ربه لكثرة العبادة والتلاوة والذكر والمراقبة في هذا الموسم الخير والفصل المتميز.
ومما زاد نضارته وخضرته وتفوقه على مستوى الشهور بهذه الناحية إشعاع رب العزة نور النبوة الصادقة من مكة المكرمة أم القري، وإشراق نور النبي الأكرم أولاً فأولاً في مولده وفي مسقط رأسه في هذا الشهر المألوف.
فيجدر بالربيع أن تفتخر، وتفاخر على الشهور كلها بهذه الميزة فحسب بولادة النبي العظيم فيه، بظهور نور من ينقذ العالم من وثنية الوثنيين، ومن جور الجائرين، واستبداد المستبدين، وينجيهم من أن ينهاروا في نار جهنم خالدين، وقد كانوا على شفا جرف هار مشرفين على الهلاك، والدمار الأبدي في هذا الشهر المبارك.
فولادة محمد صلى الله عليه وسلم انقلاب عظيم، وتحول كبير في العالم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد ولد في بيئة حالكة دامسة، وفي الأوضاع الملوثة بالجراثيم الفتاكة القاتلة والمتدهورة خنقت أهلها الأوهام والظنون، وغلبت عليهم الأهواء والشياطين فأنهكت القوى وأفسدت الطبائع فبعث النبي صلى الله عليه وسلم شمساً منيراً، وقمراً مضيئاً، وبدراً منيراً يبدد الظلام الذي يسود العالم.
بُعث النبي صلى الله عليه وسلم في حين لم يكن في العالم من ينقذ البشرية جمعاء من هذا الدمار المهلك وينجيهم من الغواية والضلالة.
كان الناس في أحط منزلة من الانحطاط؛ خلقاً وديناً وثقافة وحضارة، وفي أسوأ حال من التدني؛ عيشاً وتعاملاً، فبدأ يقوم بمهمته الراقية السماوية والإنسانية ووظيفته النبوية على أحسن ما يرام.
فشهر ربيع ليس لاحتفال مولد النبي صلى الله عليه وسلم كعيد ومهرجانات، ولا لعقد الندوات والحفلات والمجالس، ولا لإلقاء الخطب والكلمات حول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو شهر يحمل في طياته الدروس والعبر والرسالات والذكريات، فأما الدروس التي نتلقاها منه العودة إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وشيمه وأخلاقه الرفيعة وأداء مسؤوليته التي ورثناها على مر القرون.
وأعظم ما نتلقى منه درس الصبر على البلايا والرزايا والتضحية في سبيل الله لأجل مرضاة الله ورسوله.
_____________________
(*) كاتب ومترجم- بنغلاديش.