على مر العصور، كانت المخيمات الفلسطينية عنوانًا للمقاومة والصمود، حيث تحول كل حجر وزاوية فيها إلى شهادة حية على الروح الوطنية التي لا تموت.. في شمال الضفة الغربية، ولا سيما في مخيمات جنين ونابلس وطولكرم وقلقيلية، باتت هذه المخيمات رمزًا للثبات ضد الاحتلال الصهيوني، وميدانًا تتجسد فيه إرادة الشعب الفلسطيني في التحرر.
تعتبر المخيمات الفلسطينية في شمال الضفة الغربية حصنًا للثورة، وخاصةً مخيم جنين، الذي يعد جزءًا لا يتجزأ من التاريخ الفلسطيني المقاوم.. هذه المخيمات، التي أُنشئت في أعقاب النكبة عام 1948م لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين المهجرين قسرًا من أراضيهم، تحولت مع مرور الزمن إلى قواعد ثورية تحتضن المقاومة بمختلف أشكالها، وتُجسد في كل يوم روح الصمود التي لم تنكسر رغم كل محاولات القمع الصهيونية.
مخيم جنين نموذج حي للروح الثورية الفلسطينية.. على مر السنين، كان ساحة لمعارك ضارية بين مقاوميه وقوات الاحتلال، ولا تزال ذكرى معركة مخيم جنين في عام 2002م، التي حاول الاحتلال خلالها سحق المقاومة بكل عنف، محفورة في الذاكرة الجماعية الفلسطينية، تلك المعركة التي استمرت أكثر من 10 أيام، وخلفت دمارًا كبيرًا في المخيم، أكدت للعالم أجمع أن الشعب الفلسطيني يرفض الاستسلام وسيبقى يقاوم الاحتلال مهما كانت الظروف.
في السنوات الأخيرة، تصاعدت الهجمات الصهيونية على مخيمات شمال الضفة، حيث أصبحت هذه المخيمات شوكة في حلق الاحتلال.. التنسيق المستمر بين فصائل المقاومة في هذه المخيمات يزيد من قلق الاحتلال، الذي يرى في هذه المناطق تهديدًا مستمرًا لمشاريعه الاستعمارية التوسعية في الضفة الغربية.
العمليات العسكرية الأخيرة التي شنها الاحتلال في مخيم جنين، باستخدام الطائرات الحربية والمروحيات، تعكس حجم الرعب الصهيوني من استمرار وتنامي قوة المقاومة الفلسطينية، فلم تعد المواجهات مقتصرة على الاشتباكات التقليدية، بل تطورت إلى هجمات منسقة وعمليات نوعية تستهدف القوات الصهيونية والمستوطنين، والمقاومة الفلسطينية استطاعت أن تطور إستراتيجيات جديدة للدفاع عن المخيمات، معتمدة على تلاحم أبناء المخيمات وتعاونهم الوثيق مع الفصائل المختلفة.
أحد أهم العوامل التي جعلت مخيمات شمال الضفة قاعدة للمقاومة هو الترابط العميق بين الفصائل المختلفة وأبناء المخيمات، هذه الوحدة الوطنية، التي تعكس روح الثورة الفلسطينية، تُعد درعًا حاميًا أمام كل محاولات الاختراق الصهيونية، وعلى الرغم من التباينات الأيديولوجية والسياسية بين الفصائل، فإن العدو المشترك دفع الجميع إلى التكاتف في مواجهة الاحتلال، هذا التلاحم يجسد الروح الوطنية الفلسطينية التي تنبض في كل مقاوم ومقاومة داخل هذه المخيمات.
المرأة الفلسطينية كانت وما زالت جزءًا لا يتجزأ من المقاومة، ففي مخيمات شمال الضفة تؤدي النساء دورًا حيويًا في دعم المقاومة، سواء من خلال تقديم الدعم اللوجستي، أو المشاركة الفعالة في المظاهرات والاحتجاجات ضد الاحتلال، المرأة الفلسطينية، كما كانت لها أدوار ريادية في الانتفاضات السابقة، تستمر اليوم في نضالها جنبًا إلى جنب مع الرجال، وتساهم في بناء الجيل القادم من المقاومين.
إلى جانب المواجهة المسلحة، يخوض الفلسطينيون في مخيمات شمال الضفة حربًا نفسية وإعلامية ضد الاحتلال، وتستخدم قوات الاحتلال كل الوسائل الممكنة لإضعاف الروح الوطنية، بما في ذلك الحصار الاقتصادي والعقوبات الجماعية، إلا أن الفلسطينيين ردوا بتكثيف حملاتهم الإعلامية، مستفيدين من وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي، لنقل معاناتهم وصمودهم إلى العالم.
الإعلام المقاوم أصبح جزءًا من المعركة، فمن داخل المخيمات، تُنقل تقارير يومية تفضح جرائم الاحتلال وتوثق البطولات التي يسطرها المقاومون، هذا الإعلام يساهم في رفع معنويات الفلسطينيين، كما يزيد من الضغوط الدولية على الكيان الصهيوني.
إلى جانب دورها الوطني، تكتسب مخيمات شمال الضفة، وخاصة مخيم جنين، أهمية إستراتيجية في الصراع مع الاحتلال، موقعها الجغرافي القريب من الأراضي المحتلة عام 1948م يجعلها نقطة انطلاق لعمليات المقاومة ضد القوات الصهيونية والمستوطنين، كما أن المخيمات توفر ملاذًا آمنًا للمقاومين، حيث يتعاون سكانها مع الفصائل في تأمين الإمدادات والدعم اللوجستي، هذه العوامل تجعل المخيمات عقبة كبرى أمام تحقيق الأهداف التوسعية للاحتلال في الضفة الغربية.
رغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها المقاومة في مخيمات شمال الضفة، فإن التحديات ما زالت كبيرة، والاحتلال لا يتوانى عن استخدام كل أدوات القمع، سواء من خلال الهجمات الجوية أو الحصار الاقتصادي، في محاولاته اليائسة لإخماد نار المقاومة، لكن صمود الشعب الفلسطيني وتلاحمه مع المقاومة يبقى العنصر الأساسي في ديمومة هذه المعركة.
كما أن هناك تحديًا آخر يتمثل في دور السلطة الفلسطينية، فعلى الرغم من دعمها العلني للمقاومة، فإن التنسيق الأمني المستمر مع الاحتلال يظل نقطة خلافية كبرى، حيث يرى الكثير من الفلسطينيين أن هذا التنسيق يقوض الروح الوطنية ويضعف المقاومة، ويبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على الوحدة الوطنية في ظل هذه الضغوط الداخلية والخارجية.
مع تصاعد الهجمات الصهيونية على مخيمات شمال الضفة، يبقى السؤال الأساسي: هل من نهاية لهذا الصراع؟ التاريخ الفلسطيني يشهد بأن الشعب لن يتخلى عن حقوقه، والمخيمات ستظل دائمًا حصنًا للثورة ومنارة للصمود، والشعب الفلسطيني سيواصل نضاله حتى تحرير الأرض وعودة اللاجئين.
في نهاية المطاف، معركة مخيمات شمال الضفة ليست فقط صراعًا على الأرض، بل معركة للروح الوطنية الفلسطينية، هذه المخيمات التي تجسد إرادة الشعب الفلسطيني في البقاء والمقاومة ستظل دائمًا شوكة في حلق الاحتلال، وقاعدة لانطلاق الثورة نحو التحرير.
الثورة الفلسطينية ليست مجرد كلمات تُكتب في الكتب، بل دماء تُسفك وتضحيات تُقدم كل يوم في ساحات القتال، الشعب الفلسطيني سيبقى متمسكًا بحقه في الحرية والكرامة، مهما طال الزمن ومهما كانت التضحيات.