يقبل الكثيرون على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في يوم بعينه، وشهر بعينه، على أن تذهب أجواء الاحتفاء سريعاً، في غفلة بغيضة، تتجاهل حقيقة أن الاحتفال بسيد الخلق طوال العام بل الحياة كلها، وأن المناسبة الشريفة لا تقتصر فقط على احتفال المسلمين بها، بل تعريف غير المسلمين بمن أرسله الله هدى ورحمة للعالمين.
ولا شك في أن التطور التكنولوجي الهائل يوجب من الضروري إيجاد طرق مبتكرة لإحياء هذه الذكرى العطرة، بما يتناسب مع روح العصر دون المساس بالقيم والمبادئ الإسلامية الأصيلة.
استخدام تطبيقات الهواتف الذكية ووسائل التواصل لاستعراض السيرة النبوية
«المجتمع» آثرت في تلك السطور أن تطرح هذه التساؤلات، عقب مرور ذكرى المولد النبوي بأيام، لماذا نتوقف عن الاحتفاء برسولنا الكريم، وكيف نواصل إحياء الذكرى الشريفة؟ وما الأدوات المطلوبة لإحياء مولد النبي صلى الله عليه وسلم، بشكل متواصل، وبكل لغات العالم، وفي كل بقعة على وجه الأرض؟
قدوة حياتية
يروي محمود عبدالله لـ«المجتمع»، قائلاً: إنه يعمل في كندا، وقد أراد أن تكون ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، مناسبة جيدة للحديث مع جيرانه عن الإسلام ونبيه الكريم، لافتاً إلى أنه حرص منذ انتقاله إلى كندا على أن يظهر لجيرانه روعة الإسلام من خلال حسن معاملتهم، والإحسان إليهم بالفعل والقول، حتى يكون قدوة قبل أن يتحدث إليهم عن دينه.
يضيف أنه فاجأ جيرانه بتوزيع الحلوى عليهم فسألوا عن السبب، فأبلغهم أنها احتفاء بمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فصمت الجميع إلا واحداً، طلب منه أن يخبره عما جاء به نبيه، فكان ذلك فرصة لشرح أخلاق خاتم الرسل، ومبادئ الإسلام.
إنتاج أفلام سينمائية ورسوم متحركة ومقاطع فيديو تجسد تاريخ النبي صلى الله عليه وسلم
يتابع أنه قرأ على الحضور حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» (رواه البخاري، ومسلم)، مشيراً إلى أن نقاشاته معهم فتحت أمامهم طريقاً لمعرفة الإسلام، فهدى الله اثنين منهم إلى اعتناق دين الله تعالى.
وسائل حديثة
ويقول د. محمود مهنى، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق: إننا لا نحيي ذكرى النبي صلى الله عليه وسلم، بل ذكراه هي التي تحيي الإيمان في قلوبنا، مضيفاً أن طريقة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم تطورت على مدار التاريخ واختلفت من عصر إلى آخر، ولأننا أصبحنا في عالم الشاشات، يجب استغلال هذه الأدوات للاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وينصح مهنى بضرورة استخدام تطبيقات الهواتف الذكية ووسائل التواصل، لتحتوي على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحاديثه الشريفة، والأذكار، مما يسهل على المسلمين الوصول إليها في أي وقت ومكان، وكذلك تعريف غير المسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم، ونشر قيم التسامح والسلام والمحبة بين أفراد المجتمع.
إنشاء مواقع إلكترونية متخصصة بلغات أجنبية لشرح السُّنة النبوية
ويتفق مع هذا الرأي د. محسن جمال، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، داعياً إلى بث الاحتفالات والمناسبات الدينية الهادفة عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة لما لها من جمهور عريض، وكذلك إنشاء مواقع إلكترونية متخصصة في نشر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه، وتقديم محتوى إسلامي متنوع، وبلغات مختلفة، وإنتاج أفلام سينمائية ورسوم متحركة للأطفال والشباب تعبر عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه بلغة عصرية مبسطة.
مسابقات وجوائز
ويشير د. إبراهيم الميداني، أستاذ التربية بجامعة طنطا، إلى أهمية الاستفادة من التكنولوجيا لتعريف أبنائنا بسيرة نبيهم، وتنظيم ورش عمل تفاعلية عبر الإنترنت، تستهدف فئات عمرية مختلفة، لتقديم معلومات عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه بطرق مبتكرة ومشوقة، وكذلك تصميم مسابقات ثقافية تفاعلية على شكل ألعاب أو مسابقات معرفية، وجوائز عالمية؛ لتشجيع المشاركة والتفاعل، مثلاً يطلب من المشاركين كتابة قصة قصيرة مستوحاة من أحداث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، كالغزوات، أو الطلب منهم الحديث عن أهم صفة يرونها في النبي صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أن هذا الأمر سيشجع المشاركين على البحث أكثر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والتعمق فيها.
تنظيم مسابقات ثقافية وفعاليات متنوعة لتعريف الأطفال بنبيهم
ويقترح الميداني إنتاج مقاطع فيديو قصيرة، أو ما يطلق عليها اليوم «الريلز» تشرح ببساطة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة جذابة، واستخدام وسوم وهاشتاجات موحدة على مستوى العالم للاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم.
ويشدد على ضرورة الابتعاد عن البدع، وأن يكون الهدف الأساسي من هذه الاحتفالات نشر قيم الإسلام السمحة، وتعزيز الوحدة الإسلامية، والعمل على بناء مجتمع أفضل، وأن يكون أفضل احتفاء بالمولد النبوي هو الاقتداء به، وإحياء سُنته، وأن يكون كل مسلم نموذجاً يحتذى به في محيط عمله ومجتمعه، حتى يكون سفيراً للإسلام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً» (رواه الترمذي).