في استقراءٍ لأفعاله وسياساته صلى الله عليه وسلم خلال سيرته العطرة التي ناهزت 23 عاماً، كان حريصاً على بناء التحالفات أو تحييد الأعداء، ولو اقتضى ذلك إبرام اتفاقيات مؤقتة لمواجهة العدو الأول الذي يشكل الخطر الإستراتيجي على الوجود الإسلامي وهو قريش الكافرة، كما حاول في غزوة «الخندق» مع زعيمي غطفان عيينة بن حصن الفزاري، والحارث بن عوف؛ لتفكيك التحالف بين المشركين والأعراب واليهود، مبرراً ذلك للسعدين (سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة) بقوله صلى الله عليه وسلم لها، كما ورد في «دلائل النبوة» للبيهقي: «إني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبُوكُم من كل جانب، فأردتُ أن أكسر عنكم شوكتهم».
لقد كان حريصاً على ألا يقاتل عدوين في معركة واحدة، فإذا فرغ من أحدهما واجه الآخر، فكان اعتراضه لقوافل قريش في السنة الأولى للهجرة بعد تحالفه مع اليهود التي قررتها صحيفة المدينة، وحارب قريشاً في «بدر» بعدما تصالح مع قبائل الساحل (ضُمرة، وجُهينة، وغِفار)، ولم يقاتل بني قريظة إلا بعد إجلاء الأحزاب وانحسار الخطر القرشي، ثم بعث سراياه لقتال قبائل نجد (الأعراب) ليُبعدها من المدينة ويأمن شرها، ثم توجه إلى «الحديبية»، وعند عقد صلح الحديبية مع قريش لتحييدها وتأمين الجبهة الجنوبية، توجه بعد ذلك إلى مركز النفوذ اليهودي الاقتصادي والعسكري في «خيبر» وفتحها.
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ.