«موسوعةُ التفسيرِ البلاغيِّ» عملٌ علميٌّ رائدٌ؛ يُقدِّمُ دراسةً شاملةً ومتكاملةً للقرآنِ الكريمِ من منظورٍ بلاغيٍّ، تهدفُ الموسوعةُ إلى إبرازِ الإعجازِ البيانيِّ للقرآنِ وكشفِ دقائقِ معانيه؛ من خلالِ تحليلِ أساليبهِ البلاغيةِ.
نُقدِّم لكم عرضًا موجزًا لسلسلة مقالاتنا عن الموسوعة المباركة:
المقال الأول: نُسلِّط الضوء على هوية الكتاب؛ بياناته، محتواه الثَّر، ونُقدِّم تعريفًا شاملًا به، كما نُعرِّف بالفريق العلمي المرموق والمدير العلمي الفذ الذي قاد دفَّة هذا المشروع الطموح.
المقال الثاني: نستعرض -بعون الله- أهمية الموسوعة وغاياتها النبيلة، مُبرزين محاورها الرئيسة وأهم ما يُميِّزها، نتناول الفكرة المحورية: «رؤية شاملة للإعجاز البياني»، ثم نختم بعرض أبرز نتائجها المُبهرة.
المقال الثالث والأخير: نتعمَّق -بمشيئة الله- في منهجية الموسوعة، مُفصِّلين خطواتها الدقيقة، نُقدِّم قراءةً نقديةً متأنية، ونختتم بإبراز أهم السمات الفريدة التي تُميِّز هذا الإنجاز العلمي الفذ.
يتَّبعُ الكتابُ منهجًا علميًّا دقيقًا؛ يجمعُ بينَ الأصالةِ في التفسيرِ والتجديدِ في الطرحِ البلاغيِّ، يبدأُ بتحليلِ المفرداتِ، ثمَّ ينتقلُ إلى الجملِ والآياتِ والسورِ؛ مراعيًا السياقَ العامَّ للقرآنِ، يتناولُ جميعَ الجوانبِ البلاغيةِ من معانٍ وبيانٍ وبديعٍ؛ مع ربطِها بالمعاني التفسيريةِ للآياتِ.
تتميَّزُ الموسوعةُ بالشموليةِ والتكاملِ في تناولِ الجوانبِ البلاغيةِ، والدقةِ العلميةِ في التحليلِ، والربطِ بينَ الجانبِ النظريِّ والتطبيقيِّ، كما تُقدِّمُ رؤىً جديدةً في فهمِ الإعجازِ البيانيِّ للقرآنِ.
ويتألَّفُ الكتابُ من عشراتِ المجلداتِ؛ تبدأُ بمقدمةٍ تُبيِّنُ أهميةَ التفسيرِ البلاغيِّ وأهدافَ الموسوعةِ، ثمَّ تنتقلُ إلى شرحِ المنهجيةِ المتَّبعةِ في التحليلِ البلاغيِّ، بعدَ ذلكَ تتناولُ سورَ القرآنِ بالتفسيرِ والتحليلِ البلاغيِّ المفصَّلِ؛ مبتدئةً بسورةِ الفاتحةِ.
تُعدُّ هذهِ الموسوعةُ مرجعًا مهمًّا للباحثينَ والدارسينَ في مجاليِ التفسيرِ والبلاغةِ القرآنيةِ، كما تُساهمُ في تيسيرِ فهمِ البلاغةِ القرآنيةِ لعامةِ القراءِ والمتخصصينَ على حدٍّ سواءٍ، وتفتحُ آفاقًا جديدةً للبحثِ في مجالِ الإعجازِ البيانيِّ للقرآنِ الكريمِ.
بيانات الكتاب ومحتوياته
عنوانُ الكتابِ: «موسوعةُ التفسيرِ البلاغيِّ».
المؤلفُ: فريقٌ من العلماءِ والباحثينَ.
جهةُ النشرِ: مجمعُ القرآنِ الكريمِ بالشارقةِ.
سنةُ النشرِ: 2024م.
المجلداتُ والصفحاتُ: طُبِعَ حتى الآنَ 25 مجلدًا؛ إلى نهايةِ سورةِ «الحِجْرِ»، والمجلدُ الواحدُ قريبٌ من 800 صفحةٍ، وسيُطبَعُ باقي المجلداتِ -بإذنِ اللهِ تعالى- خلالَ سنتينِ من الآنَ؛ كما صرَّحَ د. المستغانميُّ، المديرُ العلميُّ للمشروعِ.
محتوياتُ الكتابِ
المقدمةُ: تتناولُ أهميةَ التفسيرِ البلاغيِّ للقرآنِ الكريمِ ودوافعَ تأليفِ الموسوعةِ.
منهجيةُ العملِ في موسوعةِ التفسيرِ البلاغيِّ: سنشرحه لاحقاً.
فريقُ العملِ ومنظومةُ الإشرافِ: جهودٌ متضافرةٌ لخدمةِ كتابِ اللهِ.
إنَّ عظمةَ المشروعِ تتجلَّى في حجمِ الجهودِ المبذولةِ وتنوُّعِ الكفاءاتِ المشاركةِ فيهِ، فموسوعةُ التفسيرِ البلاغيِّ ليستْ ثمرةَ جهدٍ فرديٍّ، بل هي نتاجُ تعاونٍ مثمرٍ بينَ نخبةٍ من العلماءِ والباحثينَ، تحتَ مظلةٍ مؤسسيةٍ راسخةٍ ورعايةٍ ساميةٍ.
مجمعُ القرآنِ الكريمِ بالشارقةِ: المظلةُ العلميةُ
يتولَّى مجمعُ القرآنِ الكريمِ بالشارقةِ الإشرافَ العامَّ على هذا المشروعِ الجليلِ، وما اختيارُ هذهِ المؤسسةِ العريقةِ إلا دليلٌ على الحرصِ على الجودةِ والدقةِ العلميةِ، فالمجمعُ، بما يضمُّهُ من خبراتٍ وكفاءاتٍ، يُعدُّ الحاضنةَ المثاليةَ لمشروعٍ بهذا الحجمِ والأهميةِ.
ويضمُّ فريقُ العملِ في الموسوعةِ نحوَ أربعينَ عالمًا، موزَّعينَ على مهامٍ متنوعةٍ ومتكاملةٍ:
ثُلَّةٌ من الكُتَّابِ والمنقِّحينَ: يُقاربُ عددُهم الثلاثينَ عالمًا، يتولَّونَ مهمةَ الكتابةِ والتنقيحِ والتدقيقِ، وهؤلاءِ هم الجنودُ المجهولونَ الذينَ يبذلونَ قصارى جهدِهم في صياغةِ المادةِ العلميةِ وتهذيبِها.
لجنةُ التحكيمِ: تضمُّ عشرةً من كبارِ علماءِ البلاغةِ والتفسيرِ حولَ العالمِ، وهذهِ اللجنةُ تمثِّلُ صمامَ الأمانِ للموسوعةِ، إذ تضمنُ جودةَ المحتوى وتوافقَهُ مع أعلى المعاييرِ العلميةِ.
مدةُ العملِ: جهدٌ متواصلٌ وإنجازٌ تدريجيٌّ
استغرقَ إعدادُ القسمِ الأولِ من الموسوعةِ -الذي يغطي حتى نهايةِ سورةِ «الحِجرِ»- سنتينِ كاملتينِ، وقد أثمرَ هذا الجهدُ عن خمسةٍ وعشرينَ مجلدًا، تزخرُ بالتحليلِ البلاغيِّ العميقِ والتفسيرِ الدقيقِ.
ومن المتوقعِ أن يستغرقَ استكمالُ تفسيرِ القرآنِ الكريمِ بأكملِهِ عامينِ إضافيينِ -بإذنِ اللهِ تعالى-، وهذا الجدولُ الزمنيُّ يعكسُ حجمَ العملِ الضخمِ وعمقَ البحثِ والتحليلِ الذي تتطلَّبُهُ هذهِ الموسوعةُ.
ولضمانِ سيرِ العملِ وفقَ أعلى المعاييرِ، تمَّ تشكيلُ مجلسٍ خاصٍّ للإشرافِ على إعدادِ الموسوعةِ، يضمنُ التناسقَ بينَ مختلفِ مراحلِ العملِ، ويوفِّرُ التوجيهَ اللازمَ لفريقِ العملِ، مما يُسهمُ في تحقيقِ الأهدافِ المرجوَّةِ من الموسوعةِ بكفاءةٍ وفعاليةٍ.
ويحظى المشروعُ بمتابعةٍ شخصيةٍ من صاحبِ السموِّ الشيخِ الدكتورِ سلطانِ القاسميِّ، حاكمِ الشارقةِ، وهذا الاهتمامُ السامي ليسَ مجردَ دعمٍ معنويٍّ، بل هو متابعةٌ حثيثةٌ لسيرِ المشروعِ وإصداراتِهِ، وهذهِ الرعايةُ الساميةُ تعكسُ الأهميةَ الكُبرى التي توليها القيادةُ للدراساتِ القرآنيةِ خاصةً، كما أنها تُضفي على المشروعِ قيمةً معنويةً كبيرةً، وتوفِّرُ له الدعمَ الماديَّ والمعنويَّ اللازمَ لإنجازِهِ على أكملِ وجهٍ.
ويبرزُ دورُ د. إمحمد صافي المستغانميِّ في هذا المشروعِ العملاقِ من خلالِ محورينِ أساسيينِ:
الإشرافُ العلميُّ: حيثُ يقودُ دفَّةَ هذا المشروعِ الضخمِ بحنكةٍ وحكمةٍ، فهو يرسمُ الخططَ العلميةَ، ويوجِّهُ فريقَ العملِ، ويراجعُ المادةَ المكتوبةَ بعينِ الخبيرِ، ضامنًا تناسقَها وتكامُلَها.
المشاركةُ في الكتابةِ: إذ يُسخِّرُ خبرتَهُ الواسعةَ في إثراءِ محتوى الموسوعةِ، فتحليلاتُهُ العميقةُ ورؤاهُ المبتكرةُ في التفسيرِ البلاغيِّ للنصِّ القرآنيِّ تُضيفُ قيمةً علميةً فريدةً للموسوعةِ.
نشأة في ظلال العلم والإيمان
في أحضان مدينة مستغانم، لؤلؤة الساحل الجزائري، أبصر الشيخ إمحمد صافي المستغانمي النور عام 1965م، نشأ في كَنَف أسرةٍ كريمة، غرست في قلبه بذور حب المعرفة وشغف التعلم، وإذ شاءت حكمة الباري جلَّ وعلا أن يفقد والده في ريعان صباه، فقد هيأ له أمًّا فاضلة؛ كانت نِعم السند والعَضُد، تولَّت تربيته وتنشئته بحكمة بالغة وحنانٍ فائض، فترعرع محبًّا للعلم، مُقبِلًا على كتاب الله ﷻ حفظًا وتدبُّرًا، كأنما يستقي من نبع لا ينضب.
مسيرة علمية حافلة
تدرَّج المستغانمي في سُلَّم المعرفة، ينهل من معينها الصافي بنَهَمٍ لا يُروى، وإذ تخصَّص في اللغة والأدب العربي، لم يكتفِ بما حصَّل، بل شدَّ الرحال إلى بلاد الشام؛ طلبًا للمزيد، وهناك، في موطن العلم والعلماء، جالس الأفذاذ من أهل المعرفة، وأخذ عنهم علوم القراءات والتجويد، فكان ذلك إيذانًا بميلاد عالِمٍ جليل في البلاغة والتفسير، يُنتظَر منه الكثير.
شغف لا يُضاهى بالبلاغة القرآنية
ومع تعاقب الأيام، ازداد ولع الشيخ المستغانمي بالبلاغة القرآنية اشتعالًا، فغاص في أعماقها كالغوَّاص الماهر، مستكشفًا أسرارها الدفينة، متأملًا في نظمها البديع الذي يأسر الألباب، وكان من ثمرات هذا الشغف المتَّقِد أن فتح بابًا جديدًا في الدراسات القرآنية؛ إذ اكتشف علمًا فريدًا أطلق عليه اسم «علم مقارنة السور»، وفي هذا المضمار، ألَّف كتابه الذائع الصيت «جواهر الدرر في علم مقارنات السور»، ليُسدِل الستار عن فصل جديد في تاريخ الدراسات القرآنية.
نشر العلم وتعميم النفع
ولم يقنع الشيخ بالتأليف والبحث وحسب، بل أراد أن يُعمِّم نفع علمه ويُشيع فائدته، فأطلق برنامجه الشهير “في رحاب سورة” الذي امتد لأكثر من خمس سنوات، وما زال مستمرًّا، حتى بلغت حلقاته المئات، غدا هذا البرنامج منارةً هادية للظامئين إلى فهم كتاب الله تعالى، إذ قدَّم فيه الشيخ المستغانمي عُصارة فكره وزُبدة تجربته في التفسير والبيان القرآني.
تتويج لمسيرة حافلة
واليوم، يُكلِّل الشيخ المستغانمي مسيرته العلمية الزاخرة بتوليه منصب المدير العلمي لموسوعة التفسير البلاغي، إنه مشروع علمي عملاق يجمع بين دفتيه خلاصة الدراسات البلاغية والتفسيرية للقرآن الكريم، يُشرف الشيخ على هذا المشروع الطموح بحنكة العالِم الراسخ وشغف الباحث المتقد، مستثمرًا خبرته الطويلة في خدمة كتاب الله عز وجل.