ما حدث في بيروت، وخاصة التفجير المرتبط بالهواتف النقالة، لا يمكن اعتباره مجرد حادث عرضي أو مصادفة مأساوية، بل هو جزء لا يتجزأ من صراع أوسع يجمع بين التكنولوجيا الحديثة والسياسة الدولية، لقد أصبحت التكنولوجيا أداة محورية في الصراعات الإقليمية، وتحولت الوسائل التي نستخدمها يوميًا إلى أدوات تستغلها القوى الاستعمارية الجديدة لفرض سيطرتها على الشعوب من خلال التحكم بالمعلومات.
منذ اللحظات الأولى للتفجير، انتشرت نظريات غير علمية تزعم أن قوى غير طبيعية تقف وراء الحادث، هذه الروايات التخيلية ليست جديدة؛ فهي جزء من إستراتيجية القوى الاستعمارية، وعلى رأسها الكيان الصهيوني، لبث الفوضى وزرع الشكوك بين الناس، الهدف من هذه المحاولات هو تضليل الرأي العام وتغييب وعيه حيال الحقائق على الأرض، تكتيك التضليل الإعلامي هو إحدى أدوات الحرب النفسية التي يستخدمها العدو لتشويه الوعي الشعبي وإضعاف قدرات المجتمعات المقاومة على التصدي له بوعي وحزم.
في هذا السياق، فإن الاستعمار الجديد الذي تقوده القوى الإمبريالية، سواء بتوجهاتها اليسارية المتشددة أو اليمينية المعتدلة، يدرك تمامًا أن السيطرة على التكنولوجيا تعني السيطرة على مسار الصراع، الهواتف النقالة، التي تبدو في ظاهرها أدوات للتواصل الشخصي، يمكن أن تتحول إلى وسائل للتجسس أو لتنفيذ هجمات إلكترونية تهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات، حادثة بيروت تجسّد مثالًا صارخًا على استغلال التكنولوجيا في هذا الصراع المستمر بين محور المقاومة والقوى الإمبريالية.
ومع ذلك، لم تكن المقاومة غافلة عن هذا التهديد، فقد أدركت حركات المقاومة، سواء في فلسطين أو لبنان، أن التكنولوجيا ليست حكرًا على العدو، بل إنها يمكن أن تكون أداة قوية لكشف مؤامراته وإحباط مخططاته، في فلسطين، على سبيل المثال، عملت المقاومة على تطوير قدراتها الدفاعية والإلكترونية لمواجهة الهجمات السيبرانية التي تستهدف بنيتها التحتية، هذا التطوير ليس مجرد رد فعل، بل هو جزء من إستراتيجية شاملة تعتمد على الوعي التكنولوجي والمعرفة العلمية لمجابهة العدوان وإفشال مخططاته.
وهنا يبرز دور البحث العلمي كوسيلة أساسية في مواجهة التضليل الإعلامي والتنجيم، عندما تعتمد المقاومة على تحليل علمي دقيق للأحداث، تكون قادرة على تفكيك النظريات الزائفة وكشف الحقائق أمام الجماهير، الهجمات الإلكترونية التي يستخدمها العدو الصهيوني لزعزعة المقاومة ليست سوى وسيلة أخرى من وسائل السيطرة الإمبريالية، ولكن المقاومة استطاعت مواجهة هذه التحديات بفضل اعتمادها على العلم والتكنولوجيا في تحليل الأحداث والرد عليها بطرق منهجية.
هذا الإدراك العميق لطبيعة الصراع الإلكتروني جعل من الضروري أن تستمر المقاومة في تطوير قدراتها التكنولوجية، فالعدو يدرك أن السيطرة على المعلومات تعني الهيمنة على ميدان المعركة، ولهذا السبب يعتمد بشكل كبير على أنظمة التجسس والمراقبة التي تستهدف الهواتف النقالة وأجهزة الاتصالات في دول المقاومة، هدف هذه المراقبة ليس مجرد جمع المعلومات، بل زرع الفوضى وإثارة عدم الثقة بين أفراد المجتمع.
وللتصدي لهذا الخطر، طورت المقاومة تقنيات دفاعية متقدمة تحمي من خلالها بنيتها التحتية الإلكترونية وتمنع العدو من اختراق أنظمتها، هذه المواجهة ليست وليدة اليوم؛ إذ حاول العدو في السابق استخدام التكنولوجيا لضرب المقاومة، لكن محاولاته باءت بالفشل بفضل الجهود المستمرة التي بذلتها المقاومة في تطوير أدواتها التقنية، القدرة على حماية المعلومات والاتصالات أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من معركة المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار الجديد.
بناءً على ذلك، يتضح أن التفجير الذي وقع في بيروت ليس حدثًا منعزلًا، بل هو جزء من حرب إلكترونية شاملة تقودها القوى الاستعمارية ضد دول المقاومة، العدو يسعى دائمًا إلى خلق حالة من الفوضى عبر استغلال التكنولوجيا كسلاح ناعم، لكن بفضل الاستثمارات التي قامت بها المقاومة في مجال البحث العلمي والتكنولوجي، تمكنت من التصدي لهذه الهجمات وكشف مخططات العدو.
في النهاية، لا يمكن إنكار أن المعركة مع العدو لم تعد تعتمد فقط على الأسلحة التقليدية، بل أصبحت المعلومات والتكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من ميدان الصراع، السيطرة على التكنولوجيا تعني امتلاك القدرة على حماية الشعوب من الهجمات الإلكترونية التي تستهدف استقرارها، المقاومة تدرك تمامًا أن السبيل الوحيد لمواجهة هذا العدو هو التسلح بالعلم والمعرفة، وتطوير الأدوات التكنولوجية اللازمة لحماية مجتمعاتها، بناءً على ذلك، يعدّ التفجير في بيروت جزءًا من صراع أوسع تسعى فيه القوى الإمبريالية إلى فرض هيمنتها، إلا أن المقاومة، بإرادتها ووعيها، أثبتت قدرتها على إفشال هذه المحاولات.