نعرض في هذه السطور كتاب «بماذا انتصر المسلمون؟» للأستاذ أنور الجندي، الذي يشمل 11 فصلاً في 159 صفحة من الحجم الصغير بالطبعة الثانية عام 1983م كالتالي:
1- عقيدة سليمة:
إن التماس المسلمين للعقيدة الصحيحة كان من أهم العوامل في انتصارهم، ذلك أن هذه العقيدة إذا ما انحرفت عن أصولها لا تكون حائلاً دون تحقيق النصر فحسب، بل تصبح عاملاً من عوامل الهزيمة والتخلف والضعف.
ولذلك، فإن أهم أدوار المصلحين في أزمنة الضعف والتخلف هو التركيز على عملية الإصلاح العقيدي، وتتمثل عقيدة المسلمين في كلمة واحدة وهي التوحيد النابع من قول الله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (الحشر: 22)، وللإيمان شرطان؛ الإيمان بالله الواحد وتنزيه الله عن كل صفة يتصف بها خلقه، والإيمان بالرسل والكتب والبعث والجزاء، والإنسان وفق مفهوم التوحيد.
2- عبادة صحيحة:
ولقد فهم المسلمون الأولون هذا الترابط بين عناصر الإسلام؛ عقيدة وعبادة وأخلاقاً، وعرفوا هذه العلاقة الجذرية القائمة بين الإسلام والإيمان، ولم يقبلوا تلك الفواصل التي عرفتها المذاهب والنِّحَل التي تجعل من الأخلاق نظرية عقلية أو التي تقف بالإنسان عند مفهوم العقيدة دون أن يربطه بمفهوم العبادة، أو أن يقف المسلم عند المفهوم وحده دون التطبيق.
فالعبادات كلها من الفرائض التي لا تصح العقيدة الصحيحة إلا بتطبيقها، التي تعطي لهذه العقيدة منطقها الحقيقي إلى تشكيل حياة المسلم وكيانه على النحو الرباني الكريم القائم على التوحيد الخالص، والصلاة هي أهم هذه العبادات وأكبرها قدراً، ولا يصح إسلام المرء واكتمال إيمانه إلا بأدائها، وجوهر الصلاة أن يقف الإنسان أمام الخالق خاشعًا قد فرغ ذهنه من كل الشواغل.
3- كتاب منير:
القرآن هو كتاب المسلمين الذي اعتصموا به منذ أنزله الله بالحق على النبي صلى الله عليه وسلم، يهديهم في كل معضلة ويضيء لهم طريق الحياة في كل أمر، فيه لكل قضية حل، ولكل مسألة هدى وتوجيه؛ (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 38).
وهو حجر الأساس في بناء فكرهم ومجتمعهم، رسم لهم خلال مجالاتهم المختلفة؛ سياسية واقتصادية وتربوية، وكان لهم شريعة كاملة، ونطاقاً متكاملاً في علاقة المسلم بربه بالعبادة وعلاقته بالمجتمع بالمعاملة، وعلاقته بالحياة كلها بالأخلاق.
ولقد فهم المسلمون على طول تاريخهم أن القرآن هو المصدر الأصيل لفكرهم ووجهة حياتهم؛ عقيدة وشريعة وجهاداً.
4- أسوة حسنة:
وقد كان للمسلمين في رسولهم أسوة حسنة وقدوة كريمة، فهو الذي جاءهم بدين الحق، وأنزل عليه القرآن ومنه أخذوا خبرتهم وتجربتهم، وفهموا أنه المثل الكامل الذي يتطلعون إليه ليجدوا عنده التجربة والقدوة، وقد عاشوا حياتهم، جيلاً بعد أجيال يلتمسون منه البطولة والخلق والموعظة الحسنة، فقد أوتي جوامع الكلم واختصرت له الحكمة اختصاراً.
5- شريعة عادلة:
آمن المسلمون بأن لهم شريعة عادلة ترسم منهج الحياة في مختلف أصولها وفروعها، وشريعة الإسلام هي الأصول الثابتة التي لا تتغير من صنع الله، وقد بنيت فيها الأحكام على المقاصد والمصالح في واقعها، وفي تغيرها بتغير الزمان والمكان، والله تعالى هو الشارع والمقنن، وقد أقام بالشريعة إطاراً عاماً وحدوداً أخلاقية يتطور المجتمع ويتحرك في نطاقها.
6- أخلاق إيجابية:
ومن أبرز مقاصد الإسلام التي كانت عاملاً كبيراً من عوامل القوة والنصر الأخلاق، وما تزال هي الميزان الحقيقي والمؤشر الصادق لسلامة المجتمع الإسلامي، وقد فهم المسلمون أن الأخلاق هي مصدر القوة والحركة والصمود، والأخلاق في مفهوم الإسلام أخلاق ربانية مصدرها القرآن، وهي أخلاق عملية تطبيقية لها طابعها الخاص الذي يختلف عن طوابع الأخلاق النظرية الفلسفية عند اليونان والهنود والفرس.
والأخلاق هي أحد العناصر الكبرى التي يقوم عليها الإسلام إلى جوار العقيدة والشريعة، وهي في مفهوم الإسلام قاسم مشترك على كل القيم، وليس مفهوم الأخلاق الإسلامية امتداد لمفهوم الفلسفات، وإنما امتداد لمفهوم الأديان المنزلة الجامع وإتمام لها.
7- جهاد في سبيل الله:
لقد آمن المسلمون من الرعيل الأول أن الجهاد في سبيل الله فريضة قائمة إلى يوم القيامة لا سبيل إلى تعطيلها أو الانصراف عنها، وأن المسلمين في كل مصر وعصر مدعوون إلى إقامتها على وجهها، رباطاً في الثغور، وإعداداً للنفوس والأجسام، وتدريباً على الصبر والصمود، وأقلاماً مشرعة في سبيل الرد على الشبهات، وقلوباً مؤمنة بالموت في سبيل الحياة.
وتحت مظلة (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة: 251)، (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).
8- تربية صالحة لبناء الأجيال:
انتصر المسلمون بالتربية الصالحة، وبناء الأجيال وصياغتها على الإيمان والرجولة، كلما واجهت الأزمات وفي مختلف الأحداث الضخام، ففي مواجهة حملات الصليبيين والتتار والفرنجة أعاد المسلمون تكوين الفرد المسلم على أخلاق الإسلام؛ فاستطاعوا أن يحققوا النصر على نفس المستوى الذي حققه المسلمون الأوائل، وقد فهموا التربية فهماً إسلامياً متميزاً خالصاً عن مفاهيم التربية في الأمم والشعوب، فهموها تهذيباً للنفس وترقية للذوق وبناء للقدوة الحسنة والمثل الأعلى من خلال الأسوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن خلال مفهوم التربية الإسلامية صنع المسلمون بطولاتهم وأبطالهم، وقد استمد المسلمون مفهومهم للبطولة من مقومات الإسلام نفسه.
9- مفهوم شامل للحياة والمجتمع:
آمن المسلمون بالإسلام مفهوماً شاملاً ومنهجاً كاملاً للحياة والمجتمع، فالإسلام منهج في الحياة، يقوم على التكامل بين الجانبين الروحي والمادي، والإسلام حركة اجتماعية كان الدين بمفهوم العبادة جانباً منها، والإسلام حركة اجتماعية كان الدين بمفهوم العبادة جانباً منها، والإسلام عبادة ومعاملة وأخلاق، ويعترف الإسلام بالنوازع والغرائز على أنها الأمر الواقع بالنسبة للبشر والعواطف فهو لا يحرمها ولا يزهد فيها، ولكنه ينظمها ويهذب مداخلها ومخارجها، ويضع لها ضوابط تحول دون تدمير الكيان البشري.
10- بطولة في المواقف:
فهم المسلمون الأولون الإسلام فهماً صحيحاً وطبقوه تطبيقاً دقيقاً، وكان بناء الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته وأتباعه على التوحيد والجهاد والاستشهاد عاملاً مهماً في بناء الأجيال المتتابعة على نفس الهدف والقصد، هدف حمل لواء الإسلام وإذاعته في البشرية وإبلاغه إلى كل حي وإشادة أمة التوحيد.
وفهم المسلمون أن هذه الصياغة الربانية للنفس المسلمة هي مصدر قوة البطولة الفذة التي تنظم كل المواقف والميادين في الحرب والسلم وفي الجد والفكاهة وبين الرجل والمرأة.
11- صمود في وجه العدو:
كان المسلمون طوال مراحل قوتهم وانتصارهم ويقظتهم على وعي كامل بعدوهم، ويقظة كاملة في سبيل حماية دار الإسلام وذوداً عنها، فإن غفلوا عن هذا الأمر انتهز منهم العدو الفرصة السانحة وهاجم قواعدهم، ولذلك قال الله تعالى: (وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً) (النساء: 102).
تلك تقدمة وإجمالا لنقاط هامة عن إجابة سؤال: بماذا انتصر المسلمون ” ولمن أراد الاستزادة تفصيلا فعليه بالرجوع للكتاب القيم، رحم الله كاتبه ونفع به الأمة