تمثل عولمة العادات والتقاليد خطراً أكبر على الهوية، في ظل تفشي ثقافة الموضة و«البراندات»، وتنامي الشره الاستهلاكي لكل ما هو جديد وغربي؛ ما يجسد شكلاً جديداً من أشكال الاحتلال الذي يسيطر على العقول، ويحتل القلوب، قبل احتلال الأراضي والأوطان.
«المجتمع» تحاورت مع عدد من الخبراء والأكاديميين، في محاولة لصياغة روشتة لمواجهة هذا الخطر، وكشف أبعاده للأجيال الجديدة، المتأثرة بتيار الأمركة تحت شعارات الحداثة والعولمة والتجديد والتحضر والتقدمية، وهي شعارات جوفاء، تقوم على سلب الإرادة ومسخ الهوية.
تقول د. إقبال السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع: إن سقوط المجتمعات الاشتراكية كان فرصة ذهبية لدعاة العولمة ليس في الاقتصاد فقط، بل في الثقافة وغيرها وما يرتبط بها من أفكار وعادات وتقاليد، حيث تم تقديم النموذج الغربي كقدوة يحتذى به، وأنه رمز التقدم والتحضر حتى لو كان مرفوضاً اجتماعياً وثقافياً في مجتمعاتنا المحافظة.
تضيف لـ«المجتمع» أن الإعلام الغربي وذيوله في عالمنا العربي والإسلامي مارس دوره في تزيين العادات والتقاليد الغربية والإلحاح لامتصاص موجة الرفض في البداية، والصبر في التحول التدريجي من الرفض إلى القبول، بل وإدمانها مستقبلاً، بعد أن يتم استبدال الوافد الغازي من عادات الغرب في الملبس والمأكل والمشرب والترفيه والحياة الأسرية والحياة الاجتماعية بعاداتنا وتقاليدنا.
وترى السمالوطي أن هناك دوراً كبيراً مارسته الشركات متعدية الجنسيات العابرة للقارات في سرعة عولمة عاداتنا وتقاليدنا من خلال صرخات الموضة النسائية والرجالية، حيث تم تقديم الملابس العارية، ومستحضرات التجميل وأدوات الزينة الغربية، والبناطيل الممزقة كموضة، وكذلك الوجبات السريعة والمطاعم ذات التوكيلات العالمية، وكذلك قصات الشعر الشيطانية للمشاهير، وأيضاً الوشم المحرم شرعاً والمرفوض عرفاً، إلا أنه بالترويج لتلك الثقافة، أصبحت هذه العادات والمظاهر مظهراً للمدنية والتحضر!
قابلية للاستعمار
ويوضح د. مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية، في حديثه لـ«المجتمع»، أن مخطط عولمة العادات والتقاليد تمت قولبته في نظريات عالمية تمت الدعوة إليها والترويج لها، مثل ما زعمه الياباني الأصل، الأمريكي الجنسية فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية «نهاية التاريخ» التي تقول بحتمية انتصار حضارة وقيم وأخلاق الغرب، وانتشار قيمه وعاداته، باعتبار أن النظام الليبرالي وديمقراطية الغرب ورأسماليته ونظمه السياسية والاقتصادية تمثل قمة الإبداع الفكري الإنساني، وانتهاء عصر الأيديولوجيات البديلة سواء الإسلامية أو حضارات وأديان الشرق الأقصى.
ويصف غباشي: ما يجري في هذا السياق نوع من الغزو الثقافي والاجتماعي والاقتصادي؛ ما يضعنا في مقام الفريسة التي وقعت ضحية لتلك العولمة والتبعية والتقليد الأعمى للآخر، وفق ما أطلق عليه المفكر الجزائري مالك بن نبي «القابلية للاستعمار».
يشاركه الرأي د. جمال شفيق، رئيس مركز الدراسات النفسية بجامعة عين شمس، محذراً من تنامي تحول المرأة إلى سلعة تروج للمنتجات من الإبرة إلى الصاروخ، وزاد الطين بلة -وفق تعبيره- «سرطان التريند» الذي ضرب وسائل التواصل الاجتماعي، وجعل الأجيال الجديدة ضحية مقاطع «تيك توك» وغيرها؛ بحثاً عن الشهرة والمال.
ويلفت شفيق إلى مظهر آخر من مظاهر تلك العولمة، وهو ظهور مصطلح «المساكنة» للترويج للزنى والفاحشة، مع استمرار المؤامرة على الزواج الشرعي بالترويج للعلاقات غير الشرعية بمسميات خادعة كالصداقة وزواج الدم وغيره حتى يكون لها قبول لدى الرأي العام.
مواجهة عاجلة
أما عن خطط المواجهة، فإن د. محمود الصاوي، الوكيل السابق لكليتي الدعوة والإعلام- جامعة الأزهر، يوصي بضرورة كشف تلك المصطلحات، وتفنيد هذه الأباطيل، بل وتحريم الأعياد الغربية التي غزت مجتمعاتنا وأصبحت مناسبة لمزيد من المعاصي والانفلات الأخلاقي، مثل «عيد الحب» وغيره، وهذا ما حذرنا منه ديننا بأن يكون المسلم «إمعة»، فقال صلى الله عليه وسلم: «لتتَّبعنَّ سَننَ من كانَ قبلَكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه»، قالوا: اليَهودُ والنَّصارى؟ قالَ: «فمَن؟».
ويدعو الصاوي إلى تحصين الأطفال والشباب تجاه ذلك، بالعلم والمعرفة، وتعزيز التنشئة الدينية لديهم، ونشر الوعي الديني والاعتزاز بالثقافة الإسلامية والهوية العربية، ضمن إستراتيجية مواجهة شاملة تشارك في إعدادها وتنفيذها المنظمات والهيئات العربية والإسلامية وتساعد في تأصيلها وتطبيقها الأسر والمدارس والجامعات وغيرها من مؤسسات التربية والثقافة والإعلام.
ويطالب الصاوي بأسلمة وسائل التواصل، والحد من جرائم «البلوجرز» و«اليوتيوبرز» ومنع نشر تفاصيل غرف النوم على مواقع الفيديو، ووضع تشريعات تواجه توظيف هذه الوسائل في نشر الفضائح والمقاطع الإباحية، وتعقب الباحثين عن المكاسب المادية بكل الوسائل غير المشروعة، إضافة إلى ضبط الأداء الإعلامي والفني، بما يقف ضد سيول العولمة، ويردع عن أبنائنا ما يمس هويتهم ودينهم.