هل فكرت مرة بالعيش في خيمة؟! قد يستوعبه العقل لمجرد التنزه لساعات معدودة أو أيام قليلة محدودة بالكثير، وبالتأكيد لن تختار ذلك في فصل الشتاء حيث الأمطار الغزيرة، وسترفض ذلك مطلقاً إن كنت في الحرب.
في غزة الأمر مختلف، فالحصول على خيمة أشبه ما يكون حلماً من الأحلام بعيدة المنال، فكثير من العائلات النازحة بالأصل لا تعيش في خيمة، إنما بقطع من النايلون والقماش الممزق تشكلت فيما بينهما، لتكون أشبه ما يقال عنها خيمة!
واليوم تزداد المعاناة مع اقتراب فصل الشتاء، فما كادت سماء غزة تمطر حتى غرقت الخيام.
هذه الخيام عانت كثيراً مثل نازحيها، فقدت شهدت فصول العام الأربعة في حرارة صيفها وأمطار شتائها، واليوم يأتي الشتاء مرة أخرى على ذات الخيام.
ورغم صمودها خلال الحرب في عامها الثاني، فإنها اليوم قد انهارت أوتادها وتمزقت أقمشتها فما عادت تستر نازحيها.
تحملت أكثر بكثير مما بجب، ورغم محاولات نازحيها إصلاحها عشرات المرات، فإنها أصبحت في حالة من العجز، فمن المحال أن تقف على أوتادها مجدداً بعد أن بترت بمعاناة وقوفها لعام تحت نيران الصواريخ.
معاناة كبيرة تزداد على كاهل المواطن الغزي الذي أصبح تحت نيران الصواريخ بلا مأوى، فالحديث عن الحصول على خيمة بديلة فيه الكثير من الأحلام.
الكثير منها متهالك، والأكثر ليست بخيام، إنما قطع من الأقمشة البالية تشكلت فيما بينها يدوياً لعلها تستر نازحيها، وعدد كبير منها تم استهدافه من قبل صواريخ الاحتلال.
واليوم أصبح الوجع غائراً على أجساد النازحين؛ حيث الخيام متهالكة لا تصلح بالمطلق للعيش بها، وتزداد هذه المعاناة مع فصل الشتاء والبرد والمطر.
العيش في خيمة خلال عام أمر في غاية الصعوبة؛ حيث تفتقد بها لأبسط الأشياء، خاصة حينما تكون هذه الخيمة محاصرة بين قصف الطائرات والمدفعية والزوارق الحربية كذلك.
باتت غزة تعيش كارثة إنسانية، يفقد فيها النازحون حقهم في الحصول على مأوى، وإن كان عبارة عن خيمة.
رغم أن الخيمة عاجزة عن أن تسند النازح في تعزيز صمود وجوده، فإنه لا بديل أمامه، فهو يعلم جيداً مع تجربته السابقة في الشتاء الماضي حجم معاناته حينما تغرق خيمته مع هطول الأمطار الغزيرة، ويفقد بها أشياء من المحال الحصول على غيرها في ظروف الحرب التي أصبح فيها كل شيء تقريباً نادراً وغالياً جداً.
والأصعب من ذلك، حينما يجد أطفاله غارقين بماء المطر ولا يملك لهم ثياباً بديلة أو حتى بطانية تمنحهم شيئاً من الدفء، فكل شيء قد تبلل ويحتاج إلى وقت طويل ليجف.
وعدد كبير من النازحين خرجوا من بيوتهم قسراً ولا يملكون إلا الثياب التي كانت على أجسادهم، والتفكير بشراء ملابس جديدة صعب المنال حيث الأسعار مرتفعة جداً.
وكذلك لا يستطيع النازح إعداد الطعام أو حتى تحضير مشروب دافئ، حيث إنه من المحال إشعال النار مع هطول الأمطار.
الشتاء ذاته قد تبدلت أحواله للعام الثاني مع أهالي غزة الذين كانوا ينتظرونه بلهفة كبيرة حيث الأجواء العائلية التي تجتمع تحت سقف البيت الدافئ، لكن اليوم أصبح فصل الشتاء يؤرق أجفان النازحين المتعبة في التفكير بتدبر أمورهم، خاصة أن خيامهم المتهالكة عجزت أن تستكمل صمودها.
هذه الخيمة المتهالكة أثقلت كاهل النازحين، فليس باليد حيلة بالحصول على واحدة جديدة، وبالوقت ذاته إصلاحها شيء بعيد المنال.
الأمر الذي جعل مليوني نازح يطلقون نداء استغاثة إنسانية عاجلة، بعد أن أصبحت أكثر من 75% من خيامهم غير صالحة للعيش بها.
عندما يكون نداء الاستغاثة للحصول على خيمة، فهذا يؤكد حجم المعاناة الكبيرة التي يعيشها النازح الغزي، فهو اليوم يفقد بيته، وأفراداً من عائلته، وأمنه وأمانه، وطعامه، ودواءه، وكذلك خيمته!