مثلما ضحت أمريكا بآلاف الجنود من الأقليات العرقية السود وأمريكا اللاتينية في حروبها بالعراق وأفغانستان، ويضحي الاحتلال «الإسرائيلي» بالدروز والأفارقة في حربه بغزة، كشف تقرير أن روسيا استغلت مسلمي جمهورياتها المسلمة لتلقي بهم على مذبح الحرب في أوكرانيا.
موقع «إذاعة أوروبا الحرة»، كشف في تقرير، في 25 سبتمبر الماضي، أن روسيا تقدم مسلمي الجمهوريات الإسلامية في تتارستان وباشكورستان والشيشان وغيرها على جنودها المسيحيين في مقدمة الحرب المندلعة مع أوكرانيا.
وأكد الموقع أن المناطق التي تتمركز فيها مجموعات عرقية غير روسية، خاصة الجمهوريات الإسلامية، تدفع الثمن الأغلى في هده الحرب، حيث يجري استغلال حالة الفقر فيها لجذب الجنود ويضطر سكانها للتطوع بسبب قلة الموارد، أو ضعف الدخل.
وإحصاءات القتلى تبين أن غالبية من جنود روسيا هم من المسلمين، حيث بلغ عدد قتلى الجيش الروسي من المنحدرين من جمهورية باشكورستان، التي عدد سكانها 4 ملايين نسمة، بلغ ما لا يقل عن 3026 جندياً حتى 26 سبتمبر الماضي، بينما سقط من جمهورية تتارستان 2740 قتيلاً من المسلمين.
وفي 15 أغسطس الماضي، كشفت صحيفة «هاآرتس» العبرية أن «إسرائيل» تجند طالبي لجوء أفارقة في حربها على غزة بوعود زائفة للتخفيف من قتلى الصهاينة، وأظهر تحقيق الصحيفة «الإسرائيلية» أن المؤسسة العسكرية «الإسرائيلية» تستغل طالبي اللجوء من أفريقيا، عبر تجنيدهم ضمن عملياتها العسكرية في عدوانها على قطاع غزة مقابل وعود زائفة بمنحهم حق الإقامة، وهذا ما يفسر عدم ذكر أسماء هؤلاء القتلى ضمن إحصاءات الجيش الصهيوني عن قتلاه.
كما اشتكى السود والأقليات من أمريكا اللاتينية من تركيز الجيش الأمريكي على تجنيدهم بالمقارنة مع السكان البيض العنصريين؛ وهو ما يفسر أن أغلب قتلى الجيش الأمريكي في معارك العراق أفغانستان وغيرها من الأقليات أو السود.
لماذا المسلمون؟
يقول موقع «إذاعة أوروبا الحرة»: إن عدد القتلى والجرحى في صفوف الجيش الروسي بلغ خلال الأشهر الـ30 الماضية، حسب تقديرات غربية، نصف مليون شخص، وهو ما يفوق عدد من سقطوا خلال 10 سنوات كاملة إبان الاجتياح السوفييتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
ويؤكد أن المناطق التي تتمركز فيها مجموعات عرقية غير روسية، خاصة الجمهوريات الإسلامية، تدفع الثمن الأغلى في هده الحرب، حيث يجري استغلال حالة الفقر فيها لجذب الجنود ويضطر سكانها للتطوع بسبب قلة الموارد، أو ضعف الدخل.
وأن أكبر عدد من القتلى هم من الجنود من جمهوريتي تتارستان وباشكورتوستان بوسط روسيا، اللتين تتمتعان بحكم ذاتي وتتبعان للفيدرالية الروسية وبهما أغلبية مسلمة.
إن هذه الحصيلة، أكدها جزئياً إحصاء منفصل أجرته «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) الروسية/ ميديازونا، حيث أكدت مقتل 2705 حالات في باشكورتوستان، و2259 من تتارستان في حرب أوكرانيا.
وبالمقارنة، لم يتم تأكيد مقتل سوى 135 متطوعاً فقط من موسكو التي يبلغ عدد سكانها الرسمي أكثر من 13 مليون نسمة.
ويفسر المحلل السياسي التتري رسلان آيسين، سبب لجوء موسكو لجعل المسلمين هم من يتحملون عبء الحرب في أوكرانيا برغبة حكومة بوتين في تهدئة السخط بين الروس العرقيين في المدن الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبرغ من خلال تقليص عبء الخسائر البشرية من بينهم وجعلها بين المسلمين أكثر.
الشيشان أيضاً
وقد استغل رئيس الشيشان صديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المخلص رمضان قديروف الحرب مع أوكرانيا أيضاً وأرسل قوات ضخمة للقتال هناك وقُتل منهم المئات، وكانت المفارقة أن المقاتلين الشيشان الذين يقاتلون موسكو ويعارضون قديروف ويصفونه بالخائن قد شاركوا في القتال ضد القوات الروسية والشيشانية الحكومية، وإلى جانب القوات الأوكرانية!
فمقابل قوات قديروف التي تدفقت على أوكرانيا، بدأت كتيبتا «دوادييف»، و«الشيخ منصور» الشيشانيتان معاودة القتال ضد الروس والشيشان المعاونين لها كما فعلت في حرب عام 2014م في دونباس.
ويقود آدم عثماييف، وهو قيادي شيشاني يعيش في المنفى، كتيبة «جوهر دوداييف» الذي يعود اسمها إلى اسم أول رئيس للشيشان في تسعينيات القرن الماضي، وتعد واحدة من مجموعتين تضم متطوعين شيشانيين يشاركون علناً في قتال الانفصاليين المدعومين من روسيا والقوات الروسية في أوكرانيا منذ عام 2014م.
أما الوحدة الشيشانية الأخرى التي تحارب الروس في أوكرانيا، فهي كتيبة «الشيخ منصور» التي تنشط في جنوب شرق أوكرانيا تحت قيادة مسلم تشبيرلوفسكي، ومعظمهم ممن غادروا الشيشان بعد الحرب الشيشانية عام 2003م أو اضطروا للهروب من البلاد بسبب القبضة الاستبدادية والحديدية لنظام الرئيس قديروف على مدى السنوات الماضية.
وقد شاركت بالفعل «فرقة دوداييف» تحت قيادة الجنرال المعارض عيسى منيف في القتال ضد الروس في أوكرانيا عام 2014م، ومعها كتيبة «الشيخ منصور»، وعادوا في الحرب الحالية لقتال الروس مجدداً ومواجهة بني جلدتهم من أتباع قديروف.
ومنذ نجاح الرئيس الروسي بوتين في احتلال الشيشان عام 2000م وتطويع حكومتها بالقوة وتسليم الحكم للمتعاونين مع روسيا من عائلة قديروف، انقسم أبناء الشيشان بين موالين لموسكو ومعارضين مناهضين لها ولعملائها الحُكام.
أبرز هؤلاء المعارضين الذين تخشى منهم موسكو أحمد زكاييف، قائد الحكومة الشيشانية الانفصالية في المنفى، الذي شكل فرق تطوعية من الشيشانيين الذين يعيشون في الخارج للقتال إلى جانب الحكومة الأوكرانية لصد الغزو الروسي.
وأثناء حرب الشيشان الثانية التي اندلعت عام 2000م، بالتزامن مع وصول بوتين لحكم، انقسم الشيشانيون إلى فريقين، فريق يمثله رمضان قديروف وضع السلاح واستسلم للنفوذ الروسي، وآخر قرر مواصلة الحرب لنيل استقلالهم عن روسيا.
لم يكتفِ قديروف بموالاة روسيا، لكنه تحول إلى أمير حرب ينصاع لأوامر سيد الكرملين، وبدأ في ملاحقة خلايا المقاومة الشيشانية متعهداً باقتلاع التمرد من جذوره ومطاردة كل معارض للنفوذ الروسي في الداخل والخارج.
مع مرور الوقت وبفضل الدعم العسكري والاستخباراتي الروسي، أحكم قديروف سيطرته على البلاد وضيق الخناق على المعارضة، التي انتقل أغلبها للخارج، ووجدت فرصتها مع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية لقتال بوتين، وقديروف معاً.