كاتب المدونة: وليد شوشة
42 ألف شهيد في غزة وحدها، و96 ألف جريج منذ السابع من أكتوبر الماضي، 138 ألف مواطن عربي ضحية الاعتداء «الإسرائيلي» الهمجي والمستمر على قطاع غزة، وما يزال الدم الفلسطيني يسيل وينزف في غزة والضفة، حتى كتابة هذه السطور، وأعمال الإبادة الجماعية مستمرة، والمجازر بحق الآمنين في مدارس الإيواء لا تتوقف، وأعداد الشهداء كل دقيقة في زيادة، وتدمير القطاع أصبح بشكل كامل، بحيث لم يترك العدو الصهيوني لسكانه مكاناً يذهبون إليه، أو بيتاً صالحاً للسكن يقيهم حر الصيف، وبرد الشتاء وأمطاره، إلا وقصفه.
ثم يفتح الجيش «الإسرائيلي» جبهة جديدة في لبنان يُشعل فيها النار، ويحرق ويقتل ويغتال ويهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها ويُهجر الآلاف، فقد وصل عدد الشهداء قرابة ألف لبناني، وآلاف الجرحى، وأكثر من 200 ألف نازح.
ولبنان الدولة العربية الثانية بعد فلسطين، وسورية الثالثة التي ينتهك العدو الصهيوني سيادتها، ويطالها اعتداؤه وصواريخه وقذائف طيرانه، وفي الوقت التي تعربد فيه «إسرائيل» وتنتهك وتقتل في بعض غرف الدور العربية، كانت بقية الأسرة العربية، والأشقاء العرب، كل في غرفته يقف وراء بابه ينظر ويتفرج ويسمع ويرى، ولكنه في الحقيقة لا يسمع صرخات الثكالى والأطفال، ولا أنين الجرحى والمرضى، ولا يرى القتلى، ولا دماءهم التي لا تتوقف عن النزيف، ولا يرى أشلاء الأطفال والنساء، ولا يرى المدينة التي تم تسويتها بالأرض.
يقف الشقيق لا يحرك ساكناً، إن لم يتعاون ويعترف ويُطبع ويصالح العدو نفسه الذي يقتل شقيقه، وما هي إلا بعض التنديدات التي خرجت على استحياء، والبعض لا يجد نصرة لأخيه غير استجداء العون من أمريكا -الداعم الرئيس والرسمي لـ«إسرائيل»- والغرب، وكلاهما يحتقر الذين يستجدون.
ويجب أن نذكر هنا بأن العلاقة بين واشنطن و«تل أبيب» علاقة عضوية بين حليفين، ومعنى ذلك أن واشنطن لا يمكن أن تتبنى سوى وجهات نظر ومصالح الكيان الصهيوني، وعلى الذين يحجون إلى واشنطن أن يفهموا جميع هذه الحقائق، وأن يعوا حقيقة اللعبة الدولية التي تدور رحاها حول المنطقة، وأن أمريكا تحمي الوضع العربي القائم بجميع الوسائل، وتقف من إمكانيات التغيير في المنطقة موقف الرفض العنيف، إلا إذا كان التغيير فقط لصالح سياستها، الوضع القائم يعني التخلف، والتجزئة، والضعف، والتبعية المطلقة، كما يقول د. حامد ربيع.
من هنا نفهم هذا الدعم الأمريكي اللامحدود لـ«إسرائيل»؛ مليارات الدولارات، وعشرات السفن المحملة بالأسلحة الفتاكة والصواريخ والذخائر الذكية بل الغبية التي لا تعرف ولا يعرف من يستخدمها سوى القتل والفتك، والسماح بفتح خزائن الأسلحة الأمريكية الإستراتيجية المخزنة في «إسرائيل» منذ سنوات واستخدامها، وإرسال حاملات الطائرات العسكرية للمنطقة، واستخدام حق النقض «الفيتو» في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهرولة الرئيس الأمريكي بايدن لدعم «إسرائيل» وزيارتها، وزيارات شهرية لوزير الخارجية الأمريكي للكيان، وجولته لبعض العواصم العربية الكبرى لكسب الدعم لـ«إسرائيل» وضمان صمتها، وقوس الدعم الأمريكي مفتوح لا يُغلق.
واقع عربي مخز ومحزن، عنوانه لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم، وحاله حالة من الوهن والضعف والقابلية النفسية للهزيمة، والاعتقاد بأن لا سبيل لمواجهة أمريكا و«إسرائيل»، والاكتفاء بالسباب والدعاء عليهم، ولو جمعنا ما كُتب من سباب وأحرقناه لانتهت «إسرائيل»، رغم ما يملك العرب من جيوش يتجاوز تعداد بعضها الآلاف، وتسمى بالقوات الباسلة والشجاعة والبطلة، وتعج ترساناتها بالأسلحة والمعدات والبوارج والطائرات، ورغم ما تملك من إمكانات اقتصادية هائلة، ونفط وغاز واستثمارات، وجماهير بالملايين لو هتفت لعمل لها الأعداء ألف حساب، ولكن كل شيء معطل عن عمد وتواطؤ أو ضعف وهوان.
وعلى العرب أن يعلموا بأن «إسرائيل» خطر داهم على الوجود العربي كله، وليس على فلسطين ولبنان فقط، وأطماعها في قيام دولتها الكبرى ما يزال يراودها، وما تصريح بن غفير بأن مساحة «إسرائيل» صغيرة وغير كافية لها، منا ببعيد! وما لم يستيقظ العرب ويتحصنوا بوحدتهم وقوتهم ودفاعهم المشترك، والالتحام بشعوبهم درع حمايتهم، فإن الأطماع اليهودية ستبتلعهم، وساعتها يقولون: أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض!
وعلينا جميعاً أن نعي أن «إسرائيل» دولة لها حلمها الاستعماري للمنطقة وإخضاعها لها، ومشروعها الصهيوني لاستعادة أرض «إسرائيل»، كما أنها دولة ذات طابع استيطاني يقوم على تهجير أصحاب الأرض، وطردهم والعدوان عليهم، ووسيلتهم القتل وسفك الدماء والإرهاب عبر المذابح والمجازر، كما يجب أن نتذكر بأن «إسرائيل» جيش له دولة، ومجتمع عسكري مسلح، إما ضمن الجيش العامل، أو جيش الاحتياط، ومن هنا يصعب التفرقة بين الدولة والمجتمع.
وهذا الضعف العربي والهوان والعجز والاستسلام والاكتفاء بمقعد الفرجة والمشاهدة لهذه الفظائع الرهيبة، ومشاهد قتل الأطفال والنساء وكبار السن، وهدم البيوت، والتهجير، والإبادة الجماعية التي تتمدد وتتسع من مدينة عربية إلى أخري، دون أن يحرك أحد لها ساكناً، لهي حقاً محنة العرب الكبرى، ومصيبتهم العظمى.
وقد كان العرب قديماً يقولون:
لو كنتُ مِن مَازِنٍ لم تَسْتَبِحْ إِبِلِي بنو الَّلقِيطَةِ مِن ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَا
إذن لَقَامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ عندَ الحَفِيظةِ إِنْ ذو لُوثَةٍ لانَا
قومٌ إذا الشَّرُّ أَبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ قاموا إليه زَرَافَاتٍ وَوِحْدَانَا
لا يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حينَ يَنْدُبُهُمْ في النَّائِبَاتِ على ما قال بُرْهَانَا
إننا لن نُهزم أمام «إسرائيل» إلا إذا هيمنت علينا القابلية للهزيمة في داخلنا أولاً، والاستسلام للعجز وشعار ليس في الإمكان خير مما كان، وهذا ما تعمل عليه الدعاية الصهيونية؛ فالحرب النفسية «الإسرائيلية» هي ذلك الشكل العملي للدعاية الصهيونية والموجه ضد الشعب العربي والقوات المسلحة العربية، وذلك بغية النيل من الشعب والجيش وتحطيم إرادة القتال والصمود عند الجيش، لتتمكن «إسرائيل» بذلك من حسم الصراع لصالحها.
ويقول وزير دفاع «إسرائيلي» سابق: إننا نستهلك كمية كبيرة من الذخيرة الغالية، لندمر موقعاً واحداً من مدافع العدو، ولكن أليس الأفضل والأرخص أن نستعمل الدعاية والحرب النفسية لشل الأصابع التي تضغط على زناد هذا المدفع. (كتاب الحرب النفسية للدكتور أحمد نوفل).
فهل نعي الدرس الأهم بأن الهزيمة تبدأ أولاً من داخلنا وقابليتنا للهزيمة؛ ونحن نشاهد المقاومة الفلسطينية تتحدى أقوى جيش في المنطقة، وتنال من هيبته، وتضرب إستراتيجياته القتالية في مقتل، وتظل صامدة قرابة عام من المواجهة معه ومن خلفه من الداعمين الغربيين رغم كل الآلام والخسائر والأثمان؟!