بينما تواصل المقاومة الفلسطينية الباسلة في غزة والضفة الغربية تصديها لحرب الإبادة الصهيونية الشاملة، وتلملم قوى المقاومة اللبنانية جراحها بعد الضربات الأخيرة، تتعالى أصوات التذكير، في القاهرة، بدروس الذكرى الـ51 لانتصار 6 أكتوبر 1973م (10 رمضان 1393هـ)، وفي مقدمتها الوحدة العربية التي تجلت في ملحمة أكتوبر المجيدة التي شاركت الكويت فيها بسلاح النفط والدم بجانب مصر مع عدد من الدول العربية، وفق مراقبين وبطل في الحرب تحدثوا لـ«المجتمع».
كما امتزج الدم الكويتي بالمصري والعربي في صناعة نصر أسطوري ملهم، حيث يرقد 14 شهيداً من شهداء الكويت في الجزء الأول من مقابر الجيش الثالث المصري بالقرب من العاصمة القاهرة، بجانب 2536 شهيداً مصرياً، بينهم 1064 جندياً مجهولاً، لم تتحدد هويتهم، ضمن 5271 شهيداً من أبطال مصر والعرب يتوسدون التراب، شاهدين على انتصار ما زال موجعاً للعدو الصهيوني، فيما بلغ عدد شهداء الكويت قبل حرب أكتوبر منذ حرب الاستنزاف (1970م)، 28 شهيداً من رتب مختلفة، بإجمالي 42 شهيداً كويتياً في جولات التحرير.
واحتفاء بالذكرى، دعت الحركة المدنية الديمقراطية بمصر إلى مؤتمر سياسي واسع في يوم 6 أكتوبر لدعم المقاومة في غزة ولبنان، وسط العاصمة المصرية القاهرة، فيما دشنت مؤسسات الدولة خطة موسعة، لتسليط الضوء على الانتصار، تضمنت أنشطة ثقافية وندوات جماهيرية، وعرض أفلام وثائقية أبرزها الموسم الثاني من وثائقي «أنا حاربت إسرائيل»، الذي يذيع شهادات لأول مرة لأبطال المعركة.
7 أكتوبر أمل جديد
«من صغري كنت أقول للعائلة: إني أريد أن أكون طياراً لضرب اليهود، ومع حرب الاستنزاف سحبت أوراقي من كلية الهندسة وانضممت إلى الكلية الحربية، لأقاتل اليهود»، يحكي الدبلوماسي المصري معصوم مرزوق لـ«المجتمع»، البذرة الأولى التي ساهمت في مشاركته قبل حياته الدبلوماسية في حربي الاستنزاف وأكتوبر، وحصوله على وسام الشجاعة من الطبقة الأولى، فيما بعد.
مرزوق: رأيت أبناء الكويت والعرب بجوارنا في المعركة في تأكيد لوحدة المصير
ويضيف مرزوق أنه بعد مرور نصف قرن ويزيد على ذكرى انتصار 6 أكتوبر، تعيش الأمة لحظات حزن وأسى ووجوم، جراء ما يحدث في غزة ولبنان، ولذلك من المهم تسليط الضوء على مغزى هذا الانتصار ومعناه، الذي لم يكن نصراً للجيش المصري فحسب، بل نصراً للإرادة العربية مجتمعة.
ويؤكد أحد أبطال نصر 6 أكتوبر، الذي شارك على جبهة القتال في قوات الصاعقة، أنه شاهد القوات العربية التي شاركت في المعركة سواء من الكويت أو المغرب أو السودان أو الجزائر وغيرهم مثمناً لهم المشاركة، كرمز لوحدة المعركة والمصير، مشدداً على أنه يجب أن تكون رسالة 6 أكتوبر 2024م هي رسالة الوحدة العربية، خاصة أن هناك أملاً جديداً تجسدت بدايته في 7 أكتوبر 2023م عندما بدأت معركة «طوفان الأقصى».
ويحذر مرزوق من اليأس، قائلاً: قبل عبور 1973م المجيد، كتبوا أنه لن يمكن عبور «خط بارليف» إلا بقنبلة نووية، ولكن تحققت المعجزة في السادس من أكتوبر، وهو ما يجعلنا لن نيأس في ظل الوضع الراهن، خاصة مع وجود طاقة شبابية كبيرة في الأمة رأت كل شيء وحددت قرارها بإنهاء الاحتلال الصهيوني ولو بعد حين.
ويضيف البطل المصري الحائز على وسام الشجاعة من الطبقة الأولى بأن المعركة الراهنة هي معركة الأمة العربية كلها، موضحاً أن الكيان الصهيوني عمل على مسارين منذ انتصار السادس من أكتوبر، وهما تكفيك الموقف العربي الصلب الذي حدث في عام 1973م لعدم تكراره، وعزل مصر لعدم مشاركتها في أي مواجهة معه.
الصراع قائم لم ينته
بدوره، يرى المفكر المصري محمد عصمت سيف الدولة، مؤسس حركة «مصريون ضد الصهيونية»، في حديثه لـ«المجتمع»، أهمية معرفة الجيل الجديد في مصر أو الكويت أو المنطقة العربية لأسس الصراع مع العدو الصهيوني في ذكرى 6 أكتوبر، وفي مقدمتها أن الصراع قائم لم ولن ينته.
سيف الدولة: يجب أن يعرف الجيل الجديد في هذه الذكرى أن الصراع قائم لم ولن ينته
ويذكر سيف الدولة في هذا الإطار، بتصريح رئيس وزراء الكيان الصهيوني مناحيم بيجين، بعد توقيع معاهدة السلام مع مصر عام 1979م، حينما قال: «سنضطر إلى الانسحاب من سيناء لعدم توافر طاقة بشرية قادرة على الاحتفاظ بهذه المساحة المترامية الأطراف، سيناء تحتاج إلى 3 ملايين يهودي على الأقل لاستيطانها والدفاع عنها، وعندما يهاجر مثل هذا العدد من الاتحاد السوفييتي أو الأمريكتين إلى «إسرائيل» سنعود إليها وستجدونها في حوزتنا».
ويضيف سيف الدولة أنه في ظل العدوان الصهيوني المتواصل على كافة الجبهات، وفي القلب منها غزة ولبنان، يجب العمل على تخليص مصر، من الهيمنة الأمريكية واتفاقيات «كامب ديفيد»، حتى نستطيع استرداد كامل التراب الفلسطيني وإنهاء المشروع الصهيوني، مؤكداً أنه رغم مرور أكثر من 45 عاماً على المعاهدة مع العدو، فإن رفضها والنضال ضدها والمطالبة بإلغائها تتزايد يوماً بعد يوم في مصر، حيث فشل العدو في انتزاع حب فلسطين وكره «إسرائيل» من قلوب وضمائر الشعب المصري وقواه الوطنية، وهذا هو الأساس الصلب الذي يجب أن نبدأ منه ونبني عليه حالياً.
فرصة ضائعة يمكن تداركها
من جانبه، يقول صلاح عبدالرؤوف، الباحث في مركز الزيتونة للدراسات الإستراتيجية والفلسطينية، في حديث لـ«المجتمع»: حرب أكتوبر إحدى الفرص الضائعة في الصراع العربي الصهيوني، فقد كان نصراً عسكرياً كبيراً تحول إلى هزيمة سياسية، وللأسف «طوفان الأقصى» الآن أقرب إلى هذا المسار، إلا إذا اختلفت مشاركة محور المقاومة ودول الطوق بشكل أكثر إيجابية لتغيير النتائج الراهنة.
عبدالرؤوف: حرب أكتوبر إحدى الفرص الضائعة في الصراع العربي الصهيوني
وحول المشاركة الكويتية في معركة 6 أكتوبر، يؤكد عبدالرؤوف أن التشابك والتضامن في المسؤولية والمشهد هو جزء من طبيعة الصراع العربي الصهيوني، استناداً للأهداف الصهيونية والإمبريالية، لكن العرب للأسف تقوقعوا حالياً داخل حدود قُطرية وظنوا أنهم ناجون من الخطر وهم واهمون، على عكس حرب 6 أكتوبر التي تضافرت فيها جميع الجهود لهزيمة الكيان الصهيوني، ومنها على سبيل المثال المشاركة الكويتية.
ويؤكد إمكانية استعادة انتصار أكتوبر من جديد في ظل وجود أساس يمكن البناء عليه وهو كتائب المقاومة في غزة وهو ما يسهل على الأمة الدعم والمساندة، داعياً إلى عودة العرب والمسلمين، إلى سابق عهدهم، كأمة واحدة تؤمن بمركزية القضية الفلسطينية وبالوحدة في مواجهة محاولات التفتيت.