بالنظر لطبيعة العصر، فإن وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها تمثل مصدراً أولياً في تشكيل وعي الشباب العربي، بالنظر خصوصاً للإحصاءات التي تشير إلى زيادة عدد مستخدمي الإنترنت العرب من المراهقين والشباب، بالإضافة لتزايد عدد ساعات الاستخدام.
وعلى الرغم من الدور المهم لوسائل التواصل في إطلاع الشباب العربي على مجريات الأحداث المحلية والعالمية بصفة عامة، لكن هذا النمط من المعرفة يمثل تحديًا لعملية تشكل الوعي لدى هؤلاء الشباب، فمن جهة يتشكل الوعي الحقيقي للإنسان وفق تراتبية معينة تحددها عوامل عديدة كانتماءاته الدينية والثقافية والقيمية، وموقعه الجغرافي والتاريخي وغيرها، ومن ثم فهناك أفكار وقضايا تستحق الأولوية بالعناية والدعم أكثر من غيرها.
لكن وسائل التواصل تغذي وعي وثقافة «التريند»؛ فنستيقظ في كل صباح وإذا بمواقع التواصل تضج بموضوعات يتفاعل معها أغلب المستخدمين ويستهلكون الساعات الطوال في البحث والحديث عنها، في حين أن هذه «الترندات» قد تغطي عمدًا -فبعضها يُخلق خلقًا- أو عرضًا على قضايا أكثر أهمية بالنسبة لواقعنا كشباب عربي، كأن ننشغل بحكم الاحتفال النبوي في ظل إبادة جماعية لبلد عربي مستمرة من أكثر من عام، أو أن ننشغل ببكائية مليونير باع مطعمه بملايين أيضًا بالتزامن مع اعتداء وحشي على بلد عربي آخر وسقوط مئات الشهداء.
ومن جهة أخرى، أدى اعتماد جل الشباب عليها بشكل أساسي إلى شيوع حالة من الثقافة العامَّة السهلة والسريعة تورث صاحبها شعور المثقَّف الواعي بالأفكار والأحداث الجارية التي يحق له الإدلاء برأيه في كل شاردة وواردة، دون تثبت أو تساؤل عن مدى معرفتي الحقيقية بالموضوع، بل الشعور بأن هذا الرأي ذو قيمة حقيقية، باتت هذه الحالة بديلًا عن عملية الفهم والإدراك الذي يشكل الوعي الحقيقي، التي تعتمد بشكل أساسي على البحث والتأني في حصول المعرفة واستيعابها، الذي يُبنى عليها سلوك وفعل واقعي حقيقي.
كما يكمن أحد تحديات وسائل التواصل لوعي الشباب العربي في تغذيتها حالة الانفعال مقابل التفكير، فالانفعال حالة عاطفية سريعة مزامنة للمثيرات الانفعالية تنتهي بخفوت المثيرات لا بحل المشكلة، وتتجسد حالة الانفعال هذه وتظهر في كل حدث و«تريند» في سرعة المشاركة والرد سواء بالتعليق على حدث بعينه دون دراية كافية به أو حتى بمشاركة ما ليس صحيحًا من الأصل، مرورًا بإصدارنا أحكامًا مطلقة سريعة في وقائع وأحداث مجتزأة دون مزيد استيضاح واستبصار، وهذا إنما مرده أن الانفعال اللحظي يكفي صاحبه عناء الجهد العقلي أو حتى المسؤولية عن رأيه.
يبدو متفهمًا أن يحوز المجال الافتراضي في التفاعل والمشاركة هذا القدر من الأهمية في ظل واقع عربي يفتقد فيه الغالبية قدرة التأثير والفعل الحقيقي، وليس المقصد هنا رفض هذا التفاعل والمشاركة، وإنما المراد أولًا إدراكنا أن أي وعي حقيقي يبنى عليه تغيير في الأفكار والمفاهيم ومن ثم في السلوك والواقع الحقيقي، إنما يتشكل عبر أزمان طويلة من مصادر المعرفة الأصلية، أولها الوحي، ثم الخبرة التاريخية والتجارب الإنسانية والمعارف الرصينة، وامتلاك هذا الوعي الحقيقي يدفعنا دفعًا لتبني آليات مختلفة في تعاملنا مع وسائل التواصل الاجتماعي، تحيلها أداة مثمرة في واقعنا الحقيقي لا الافتراضي فقط.