الصهيونية حركة إرهابية عنصرية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (3379)، الذي اعتمد في 10 نوفمبر 1975م، بتصويت 72 دولة بنعم مقابل 35 بلا، وامتناع 32 عضوًا عن التصويت.
يحدد القرار «أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري»، وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي حسب القرار تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميين.
وتم إلغاء القرار عام 1991م بعد تغيير ميزان القوى بخروج الاتحاد السوفييتي من المعادلة الدولية؛ وهذا يرجع دون شك إلى برنامجها وخططها المبنية أصلاً على الإبادة والتدمير والقتل تنفيذاً لنصوص التوراة المحرفة وتعاليم التلمود الذي هو منبع الروح التدميرية كلها، والبيت اليهودي الذي فيه التلمود يمتلئ بتقاليد التلمود ونزعاته.
ولد زئيف فلاديمير جابوتنسكي في مدينة أودسا بروسيا القيصرية عام 1880م، وكتب في الصحافة الروسية تحت اسم مستعار «التلينا»، ونشط منذ شبابه في الحركة الصهيونية، فاشترك في حركة «الدفاع الذاتي» ضد الناشطين الروس، وكان أحد المتحدثين في مؤتمر هلسنكي، ومن المؤكدين على أهمية الثقافة اليهودية واللغة العبرية.
وفي عام 1915م، أقام ومعه الصهيوني يوسف ترومبلدور «فرقة البغالة» اليهودية لمساعدة الجيش البريطاني في معركة «غاليبولي» التي خسرها الأخير أمام الجيش العثماني.
ودأب جابونتسكي على تشكيل كتائب صهيونية، وخدم برتبة ضابط في كتيبة «رماة الملك» التي اشتركت عام 1918م لمساعدة الجيش البريطاني في احتلال بعض المناطق الأردنية التي كانت تحت السيطرة العثمانية.
ولما وقعت حوادث «يوم النبي موسى» في أبريل 1920م، فإذا بجابوتنسكي يخرج السلاح الحربي المخبأ، ويتسلل إلى المدينة داخل السور، حيث توجد جماعة من اليهود يسكن معظمهم في بيوت مستأجرة يملكها العرب المسلمون، يريد الدفاع عن أولئك اليهود، فلم يكترث جابوتنسكي للعرب، ولا همه الجيش البريطاني.
وكان جابوتنسكي عندما تسلل إلى الحي الذي يسكنه اليهود داخل المدينة، مشتعلاً بروح الأخذ بالثأر لزميله في الإرهاب يوسف ترومبلدور الذي صُرع على يد العرب في مستعمرة تل حي قرب الحدود السورية، وكان قد مضى على مصرعه أكثر من بضعة أسابيع، ولما حوكم جابوتنسكي المتهم الرئيس فيها، واعتقل على إثرها وحوكم بـ15 سنة سجناً ثم أطلق سراحه بعد عدة أشهر بعفو خاص!
وفي عام 1920م اختار حاييم وايزمان، جابوتنسكي في القدس ليكون «شاغلاً»، أدق منصب صهيوني، وهو الضابط السياسي في المنظمة الصهيونية، وهذه أول خطوة من خطى تنفيذ سياسة «وعد بلفور»، وكان وايزمان قد آثر جابوتنسكي على غيره، لأن جابوتنسكي في نظره أجرأ من يحمل ويطبق منهج التجمع والاقتحام، مع أن وايزمان ذكر بصراحة أن جابوتنسكي لا يصلح للسياسة.
وكان جابوتنسكي قد أصرّ على وجوب قيام اليهودي بالدفاع عن نفسه، وصار المحرّك الأول لنشأة منظمة «الهاغاناه» التي راحت تشتري السلاح بسرية من أي مكان متاح.
وكان جابوتنسكي يحثّ أعوانه على الإرهاب، مؤكداً لهم أن العالم لن يحترم اليهود إلا إذا أثبتوا أنهم بالإرهاب وسفك الدماء يدافعون عن أنفسهم وكيانهم.
وصنفت بريطانيا «الهاغانا» آنذاك كمنظمة إرهابية، إذ لم تقتصر جرائمها على الفلسطينيين فحسب، بل تعدتهم إلى الجنود البريطانيين واليهود، ويرتبط اسم هذه المنظمة ارتباطاً وثيقاً بمجزرة «دير ياسين»، واغتيال الدبلوماسي السويدي الكونت برنادوت، وتفجير فندق الملك داود في القدس، إضافة إلى عشرات العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى ما حدث من انشقاقات في منظمة «الهاغاناه»؛ مما أجبر فلاديمير جابوتنسكي على الانسلاخ بمجموعته التي عُرفت باسم «المتطهرون»؛ ومعنى هذا في برنامجه إعادة تنقيح صك الانتداب، بحيث يشمل نصه شرق الأردن لتدخل في حيز المخطط الجغرافي المراد للدولة اليهودية؛ أي ضفتي نهر الأردن، ثم بعد ذلك التوسع من النيل إلى الفرات.
وحتى هؤلاء الإرهابيين اختلفوا؛ فجماعة منهم وهم المعتدلون كانوا ينادون بشنّ الحرب على أعداء فلسطين اليهودية فقط، والمتطرفون نادوا بشنّ الحرب الشعواء حتى ولو أدى الأمر إلى ممارسة الإرهاب، وقد سُميّ الجانب أو الجناح المتطرف بقيادة جابوتنسكي وتابعه ديفيد رازيبل بـ«المنظمة الوطنية المسلحة» وبالعبرية «أرغون»، وكانت قبل قيام الكيان «الإسرائيلي» تتخذ اسم «IRA».
ويعد جابوتنسكي الأب الروحي لهذه المنظمة، التي لمع من قادتها كذلك رئيس الحكومة «الإسرائيلية» الأسبق الإرهابي مناحيم بيغن، وكذلك رئيس وزراء «إسرائيل» الأسبق الإرهابي إسحاق شامير، الذي انشق عنها لينضم إلى منظمة «شتيرن».
وقد قامت «أرغون» على المبادئ الأيديولوجية والعسكرية التي بنى عليها فلاديمير جابوتنسكي حركته الصهيونية التصحيحية، التي سماها حركة «الشبيبة بيتار»، وذلك عام 1923م، في ريغا عاصمة لاتفيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي آنذاك.
وفي عام 1933م، اغتيل حاييم الوزوروف، رئيس المنظمة الصهيونية في ضاحية تل أبيب ليلاً، وكان يتمشى ومعه زوجته، وإذا بالجناة هم من أتباع جابوتنسكي وتحديداً الصهيوني الروسي أبا أهيمير (1898 – 1962م)، فحكمت عليهم المحكمة المركزية بالسجن، وفي الاستئناف استطاعوا أن يخرجوا أحراراً؛ والأسباب التي أبديت للمحكمة جعلت الرأي العام في فلسطين يندهش دهشاً عظيماً بحق بعض اليهود؛ إذ النفوذ الحقيقي الصهيوني يخرج القتلة من المحاكم من بين أيدي القضاة.
كان جابوتنسكي يعتقد أن دولة «إسرائيل» لن تقوم إلا بهجرة جماعية من كل يهود العالم إلى فلسطين، وكان مقتنعاً أن هذا لن يكتمل إلا بالمقاومة المسلحة، ولذلك شكل حركة مسلحة لتكون نواة للجيش الصهيوني الذي كان يؤمن به، وهو صاحب فكرة «الجدار الحديدي»، ويعتقد كثيرون أنه كان فاشي النظرة ويكره العرب، وكان يراهم عقبة يجب التخلص منها لتحقيق أحلامه.
وحسب عقيدة «أرغون»، فإن فلسطين لليهود وحدهم، ولا مكان فيها للعرب الذين عليهم أن يغادروا، وحتى البريطانيين كان لهم نصيب كبير من عداوة أتباع جابوتنسكي، رغم أن بريطانيا كانت الداعم الرئيس للمشروع الصهيوني منذ بدايته، وأصدرت «وعد بلفور» عام 1917م، فإن ذلك لم يكن كافياً بنظر «أرغون» وتلامذة جابوتنسكي.
وترتكز أفكار اليمين الصهيوني التوسعية، من أتباع جابوتنسكي، التي تتبناها منظمة «أرغون» وفيما بعد حكومة الليكود عام 1977م بقيادة السفاح مناحيم بيغن، على أن ما تسميه «أرض إسرائيل التاريخية» تشمل جميع أراضي فلسطين وشرق الأردن وصولاً إلى أجزاء من العراق يحدها نهر الفرات، وتمتد غرباً لتشمل كل صحراء سيناء إلى نهر النيل، وجنوبا لتغطي منطقة الحجاز من الجزيرة العربية وتحديداً خيبر والمدينة المنورة.
ومن جانبه، يكرر خلف بيغن، وشامير الإرهابي بنيامين نتنياهو في خطاباته ذكر جابوتنسكي، ويقدمه على أنه ملهمه ومرشده الروحي، وأنه يحتفظ بسيفه ويقرأ أعماله بشكل دائم، ومنذ سيطرة حزب الليكود على الحكومة، تخصص «إسرائيل» يوماً في السنة لإحياء ذكراه، وأطلقت اسمه على عدد من المراكز والشوارع.
وكان والد بنيامين نتنياهو، بن صهيون نتنياهو، المولود في وارسو (1910 – 2012م) مؤرخًا متخصصًا في العصر الذهبي للثقافة اليهودية في إسبانيا، في عام 1940م، وذهب بن صهيون نتنياهو إلى نيويورك ليكون سكرتيرًا لجابوتنسكي، الذي كان يسعى إلى حشد الدعم الأمريكي لمقاتليه الصهاينة الجدد، توفي جابوتنسكي في العام نفسه 1940م، وأصبح نتنياهو المدير التنفيذي للمنظمة الصهيونية الجديدة في أمريكا، المنافس السياسي للمنظمة الصهيونية الأمريكية الأكثر اعتدالًا، وشغل هذا المنصب حتى عام 1948م، وكان جد بنيامين نتنياهو لأبيه، ناثان ميليكوفسكي، حاخامًا وكاتبًا صهيونيًا.
وعندما هاجر والد نتنياهو إلى فلسطين، حوّل لقبه من ميليكوفسكي إلى نتنياهو؛ أي «الله أعطى»، في حين أن عائلته هي في الغالب تعود في أصولها إلى يهود أشكناز، فقد ذكر نتنياهو أن اختبار الحمض النووي كشف أن أصوله تعود إلى اليهود السفارديين، وادعى أيضاً أن نسبه يعود إلى الحاخام الحسيدي الليتواني فيلنا غاوون (1720 – 1797م).
وكان الشقيق الأكبر لبنيامين نتنياهو (يوناتان) قد قتل في عملية عنتيبي في أوغندا عام 1976م لإنقاذ الرهان «الإسرائيليين»؛ لذا يبدو أنه يحاول الانتقام لأخيه من الفلسطينيين من خلال حرب الإبادة التي يشنها على الفلسطينيين العزل في غزة والضفة، وينفذ وصية والده بن صهيون عندما يقول: «الغالبية العظمى من عرب «إسرائيل» سيختارون إبادتنا إذا كان لديهم خيار القيام بذلك»، وفي أيام شبابه، كان يؤيد بقوة فكرة الترحيل العربي من فلسطين.
وفي عام 2009م، قال بن صهيون أيضاً لصحيفة «معاريف»: إن النزعة إلى الصراع هي جوهر العرب، إنه عدو بطبيعته، شخصيته لن تسمح له بالتنازل، لا يهم نوع المقاومة التي سيواجهها، وما الثمن الذي سيدفعه، وجوده هو حرب دائمة.
ويرى إرن كابلان، رئيس قسم الدراسات «الإسرائيلية» في جامعة سان فرانسيسكو في بحث نشره بعنوان «لمحة عن الأيديولوجية التي توجه نتنياهو»، أن الحرب «الإسرائيلية» المميتة الحالية التي تحولت إلى كارثة إنسانية على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية تعكس أيديولوجية تُعرف باسم «الجدار الحديدي» أطلقها جابوتنسكي في عشرينيات القرن الماضي، وشكلت الملهم الأساسي لنتنياهو طيلة مسيرته في الحكم على مدى عقدين من الزمن.
أما الكاتب الأمريكي المختص في الشؤون الدولية زاك بوشامب فيرى، في مقال نشره بعنوان «الأفكار التي تحدد شخصية بنيامين نتنياهو»، أن مواقف رئيس الوزراء المتشددة، التي تقوده أحياناً إلى خلافات مع أقرب حلفائه مثل الأمريكيين، سببها انتماؤه إلى التيار الصهيوني الأقدم والأكثر تشدداً الذي نشأ على يد جابوتنسكي وسيرة والده الذي كان يؤمن بـ«إسرائيل الكبرى»، فعندما تم نشر خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين (29 نوفمبر 1947م)، انضم إلى آخرين وقعوا عريضة ضد الخطة، نُشرت العريضة في صحيفة «نيويورك تايمز»، خلال ذلك الوقت، كان نشطًا في التعامل مع أعضاء الكونجرس في واشنطن العاصمة.
لذلك ليس من الغريب بمكان أن يطلق العالم ألبرت أينشتاين على حكام «إسرائيل» بالفاشيين، جاء ذلك في مقال نشر يوم 31 أكتوبر 2023م بعنوان «عندما أطلق على أولئك الذين يحكمون إسرائيل منذ 44 عامًا لقب الفاشيين».
ومن جانبه، يؤكد الباحث السياسي اليوناني يورغوس ميترالياس أن ما يفعله اليوم حكام «إسرائيل» ليس نتاجاً للارتجال ولا اختراعاً وليد اللحظة، فنتنياهو الذي حطم الرقم القياسي في رئاسة الليكود و«إسرائيل» هو نسل حقيقي للرحم الفاشي الذي أنجب مناحيم بيغن، وإسحاق شامير، وغيرهما من اليمينيين المتطرفين، بل إن لديه علاقة مباشرة وحتى عائلية مع الأجنحة الفاشية الأكثر تطرفًا، التي ألهمها وأنشأها وقادها جابوتنسكي قبل قرن من الزمان، عن طريق والده بن صهيون.
ويوضح ميترالياس أن قادة الليكود بأفعالهم الشنيعة اليوم لا يأتون بشيء جديد، فهذا ما كانت تُبَشَّر به المنظمات التي نشؤوا فيها التي ما زالوا يفتخرون بها، وهي المنظمات الإرهابية والفاشية (بيتار، وإرغون، وشتيرن).
ويضيف أن هناك فرقاً مهماً بين الأمس واليوم؛ ففي ذلك الوقت كان جابوتنسكي، وأبو أهيمير، وبيغن، وشامير سيئي السمعة، وكان السياسيون في العالم يتجنبون صحبتهم، أما اليوم، يقول ميترالياس، فإن الوضع مختلف تماماً، إذ تحول الفاشيون والإرهابيون سيئو السمعة في عام 1948م ليس فقط إلى حلفاء مقبولين تماماً، بل إلى شركاء إستراتيجيين متميزين يفرضون خياراتهم الاستبدادية على أغلب الحكومات والبلدان الغربية، رغم معرفة الأخيرين في قرارة أنفسهم بأن نتنياهو وأعضاء حكومته اليمينية هم إرهابيون ومتعطشون لسفك دماء الفلسطينيين الأبرياء، ولكنها النزعة الغربية المستعلية المستندة إلى أفكار نيتشه، وداروين، وتوماس هوبز، بخصوص الإنسان الأوروبي «السوبرمان»!
ويرى الباحث المجري المختص في التاريخ اليهودي لازلو بيرنات فيسبريمي أن نتنياهو باعتباره أيضاً ابن مؤرخ متخصص في تاريخ يهود إسبانيا، يؤمن بأن التاريخ اليهودي عبارة عن دورة متكررة من محاولات تدمير اليهود من الرومان إلى «محاكم التفتيش» الإسبانية، إلى النازيين، إلى العالم العربي.