كاتب المدونة: كرم الدين حسين (*)
مرَّ عامٌ على عملية «طوفان الأقصى» العملية التي انطلقت كجزء من مقاومة الاحتلال «الإسرائيلي»، التي أعادت بوصلة الاهتمام بالقضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية، وبشكل خاص بين صفوف الشباب.
خلال السنوات الأخيرة، شهدت القضية الفلسطينية تراجعًا ملحوظًا في وعي الأجيال الجديدة من العرب، وذلك نتيجة العديد من العوامل، بدءًا من الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالعالم العربي وصولاً إلى طغيان قضايا محلية على الساحة، ورغم هذا التراجع، جاءت عملية «طوفان الأقصى» لتغير هذا الواقع وتعيد إشعال جذوة التضامن العربي مع فلسطين.
أولاً: تراجع القضية الفلسطينية في الوعي العربي الشبابي: قبل العملية، كانت القضية الفلسطينية تشهد نوعًا من التهميش بين الأجيال الجديدة، فالعديد من الشباب العربي نشأ في بيئة سياسية مضطربة تتسم بالثورات والصراعات الداخلية؛ مما جعلهم ينظرون إلى القضايا الوطنية والإقليمية من منظور ضيق، هذا التغير أدى إلى تراجع أولوية فلسطين في وجدان الشباب، حيث أصبحت قضايا مثل البطالة، الهجرة، والتغيرات المناخية أكثر إلحاحًا بالنسبة لهم.
في هذا السياق، أدت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي دورًا مزدوجًا؛ فبينما ساعدت في نشر الوعي في بعض الأحيان، كانت تساهم أيضًا في تشتت الانتباه بين قضايا عديدة ومتباينة؛ مما أدى إلى ضعف تركيز الشباب على القضية الفلسطينية.
ثانيًا: «طوفان الأقصى».. وإعادة الوعي: في خضم هذا التراجع، جاءت عملية «طوفان الأقصى» لتعيد إحياء الاهتمام بالقضية الفلسطينية، خاصة بين الأجيال الشابة، العملية لم تكن مجرد حدث عسكري، بل مثلت رمزية كبيرة أعادت تسليط الضوء على الظلم المستمر الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.
لقد تفاعل الشباب العربي بشكل ملحوظ مع العملية، وكان لذلك عدة أسباب:
1- رمزية المقاومة: رغم القوة العسكرية المتفوقة للاحتلال، نجحت المقاومة في تحدي هذه القوة وإيصال رسالة للعالم بأن الفلسطينيين لن يتخلوا عن حقوقهم، وهذه الرسالة لاقت صدى كبيرًا لدى الشباب العربي الباحث عن العدالة.
2- تأثير وسائل التواصل الاجتماعي: ساهمت وسائل التواصل في تسريع وتيرة التضامن الشبابي مع القضية الفلسطينية، إذ باتت صور الشهداء والأسرى والمظاهرات تنتشر بسرعة عبر الإنترنت، ما جعل القضية الفلسطينية جزءًا من الحوارات اليومية بين الشباب في العالم العربي.
3- التضامن العربي كجزء من النصر: رغم الانتقادات التي وجهت لعملية «طوفان الأقصى» بأنها لم تحقق نجاحات ميدانية حاسمة، فإن الانتصار الحقيقي يكمن في إعادة القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام العربي، فقد شاهدنا كيف خرجت مظاهرات شبابية في عدة دول عربية دعماً لفلسطين، وكيف أصبحت فلسطين محورًا للنقاشات السياسية والشعبية.
إن تضامن الشباب العربي مع الفلسطينيين لا يمكن اعتباره أمرًا عابرًا، بل رد مباشر على من يقولون: إن العملية لم تحقق أي نصر، فالانتصار لا يُقاس فقط بما يحدث في ساحة المعركة، بل أيضًا بالقدرة على إحياء الوعي وتحريك الشعوب، وهذا بالضبط ما حققته «طوفان الأقصى».
4- المستقبل والتحديات: رغم الزخم الذي أحدثته العملية، فإن استدامة هذا الوعي والتضامن يواجه تحديات كبيرة، فالشباب العربي ما زال يعيش تحت وطأة العديد من الأزمات، سواء كانت اقتصادية أو سياسية، إلا أن الوعي المتجدد بالقضية الفلسطينية يفتح الباب أمام حركة شبابية قادرة على تغيير المستقبل، وإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة النضال العربي.
عامٌ مضى على «طوفان الأقصى»، ورغم أن الانتقادات تلاحق العملية بأنها لم تحقق أي نصر عسكري ملموس، فإن ما حققته على صعيد استنهاض الشباب العربي وعودتهم للتضامن مع فلسطين يُعد انتصارًا بحد ذاته، في ظل عالم عربي يواجه العديد من الأزمات، كان من السهل أن تستمر القضية الفلسطينية في التراجع، لكن عملية «طوفان الأقصى» أكدت أن فلسطين لا تزال تسكن في وجدان العرب، وأن الشباب العربي، رغم كل التحديات، ما زال يملك القدرة على التفاعل والتضامن مع قضايا الأمة، لتبقى فلسطين هي البوصلة التي توحدهم.
__________________________
(*) صحفي مغربي وباحث في العلوم السياسية.