«أفريقيا قارة كبيرة جميلة غنية، شعبها ذات تاريخ عريق جاءها وفود منذ قدم، حتى جاءنا من دم الرسل وأصحاب النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم فكانوا خير الوفود»، هكذا بدأ الشيخ عمر سليمان إياكاريمي، رئيس لجنة الدعوة والدعاة والبحوث بالمجلس الأعلى للعلماء برواندا، حديثه لـ«المجتمع»، عن مسلمي بلاده رواندا وقصة كفاح وجهاد مسلميها وكيف دخلها الإسلام في مطلع القرن العشرين.
تناول إياكاريمي جغرافية وإنسان القارة السمراء ورواندا التي تعرف ببلاد الألف جبل وألف ابتسامة، وقال: إن رواندا تعني بالعربية التوسع، ويطلق عليها أيضاً دولة ألف جبل، وآخرون يعرفونها بدولة ألف ابتسامة.
وهي تقع في منطقة البحيرات العظمى شرق أفريقيا، تحدها دولة تنزانيا شرقاً، والكونغو الديمقراطية غرباً، وبروندي جنوباً وأوغنداً شمالاً، تبلغ مساحتها 26338 كيلومتراً مربعاً، يقطنها 12 مليون نسمة، بينهم مليون مسلم بنسبة 10%، ويمثل النصارى والأديان الأخرى 90%، وفق ورقة بحثية أعدها الشيخ إياكاريمي، عن الإسلام والمسلمين في رواندا، واطلعت عليها «المجتمع».
واستعرض الشيخ إياكاريمي، هو أيضاً مدير «إذاعة صوت أفريقيا– بكيجالي»، تاريخ الإسلام والمسلمين في بلاده، ونشأة وأهداف المجلس الأعلى لمسلمي برواندا، وظروفهم وواقعهم على المستوى الرسمي والشعبي، متطرقاً إلى التحديات والحلول.
وقال: إن الإسلام دخل إلى رواندا مطلع القرن العشرين عبر جنود وعمال المستعمر الألماني، حيث كان جلهم من المسلمين، وذلك عام 1897م، وأضاف مستدركاً: هناك مجموعة كبيرة أيضاً دخلت عبر التجار العرب من المسلمين الذين قدموا من تنزانيا وبورندي إلى رواندا لأغراض تجارية عام 1901م.
وأوضح الشيخ إياكاريمي، في حديثه لـ«المجتمع»، أن مسلمي رواندا عملوا معاً في وقت مبكر من تاريخ دخولهم إلى رواندا، مشيراً إلى أن أول مسجد برواندا بني عام 1913م على يد تاجر هندي الأصل يدعى بركة الله، وأن مساحة المسجد آنذاك لم تتجاوز 90 متراً مربعاً، وأضاف أن مسلمي رواندا مروا عبر السنين بظروف قاسية، وعاشوا تحت الاضطهاد والتهميش، في فترة المستعمر الألماني، وازدادت سوءاً مع المستعمر البلجيكي عام 1916م لفترة لا تقل عن 40 عاماً، وظلت ظروف المسلمين تتغير يوماً بعد يوم.
المجلس الإسلامي
وعرج على التعريف بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في رواندا، وقال مستنداً إلى ما كتبه المؤرخ منتواري سعود: إن المسلمين رغم المعاناة وعدم الاعتراف بالدين الإسلامي في رواندا وقتها، حاولوا جمع شملهم وأسسوا جمعية تخصصت بالتعليم عام 1959م باسم «أسمارو»؛ أي رابطة العلماء المسلمين الأفارقة برواندا – بوروندي، ولاحقاً عندما استقرت البلاد عام 1962م انفرد مسلمو بوروندي بجمعية أطلق عليها «أسمابو»؛ وهي الجمعية الإسلامية في بوروندي، ثم في فترة لاحقة عرفت بـ«كوموبو» الجالية المسلمة في بوروندي.
وتابع حديثه حول مراحل تكون المجتمعات المسلمة في رواندا، قائلاً: لقد انفرد المسلمون بجمعية أطلق عليها «جمعية مسلمي رواندا» برئاسة الشيخ رمضان عبدالله الذي فشل في إيجاد تصريح حكومي للجمعية، وانتهى أمله باغتياله في ديسمبر 1963م، وجاء بعده إندانغالي حسن الذي نجح في الحصول على تصريح للجمعية، في 17 مايو 1964م.
ومنذ العام 1964م، أصبح المجلس هيئة دينية سُنية ومظلة قانونية تمثل المسلمين في رواندا لدى الجهات الحكومية، لموجب حصوله على شخصيته القانونية، وساق القدر الأمور بمقاديرها إلى أن تغير اسم هذا الهيكل من الجمعية إلى «المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في رواندا» عام 2015م، ويرأسه حالياً مفتي جمهورية رواندا الشيخ موسى سنديغايا، ممثلاً رسمياً للمسلمين، ومعترفاً لدى جميع الجهات في البلاد، وفق الشيخ إياكاريمي.
ويوجد لرئيس المجلس نائب مساعد لكل اختصاصاته، وفق ما نص عليه النظام الأساسي واللائحة الداخلية للمجلس الأعلى، ويتم انتخاب المفتي ومجلسه الإداري كل 5 سنوات قابلة للتمديد مرة واحدة.
أهداف المجلس
ولفت الشيخ إياكاريمي إلى أن من أهداف المجلس تمثيل الإسلام والمسلمين داخل البلاد وخارجها، من خلال تنسيق جميع الأعمال الإسلامية في رواندا، فضلاً عن حماية وحدة صف المسلمين ونبذ الفرقة، موضحاً أن أهم أهداف المجلس تطوير وتنمية المجتمع المسلم الرواندي، مشيراً إلى أن هيكل المجلس يتكون من 7 لجان في إدارته العليا، فضلاً عن ممثل لجان المناطق الأربع والعاصمة والولايات ثم المساجد، وكل ذلك إلى جانب الإدارة العليا للقضاء ولجانها حتى المسجد.
وأشار إلى وجود مجلس علماء رواندا مظلة واحدة تجمع جميع الدعاة والمشايخ الخريجين من الجامعات الإسلامية من مختلف الدول الإسلامية، منطلقة من قاعدة رئيسة، هي «اذهبوا وادرسوا ثم ارجعوا وأخبرونا من أنتم»، وأضاف أن هيكل اللجنة العليا به قسم إدارة بيت المال تتولى جميع الإجراءات المالية والحفاظ على ممتلكات المجلس، وتعمل أيضاً على بناء المساجد التي وصلت اليوم إلى 618 مسجداً جميعها تعمل تحت إدارة واحدة.
وتوجد في رواندا مؤسسات تعليمية إسلامية؛ 8 منها للمرحلة الثانوية، و20 للمرحلة الابتدائية، و15 لمرحلة رياض الأطفال، بجانب 5 مؤسسات صحية تتوزع في مناطق مختلفة، وإذاعة إسلامية دعوية التي تبث 24 ساعة تغطي 70% من البلاد.
مواقف مسلمي رواندا
وتابع إياكاريمي: عرف تاريخ رواندا صبر المسلمين ومثابرتهم وإحسانهم، فكانوا من الأوائل في النشاط التجاري في رواندا، وعززوا علاقتهم بنظام الحكم في البلاد –نظام ملكي– وإن كان الشعب ينظر إليهم في بداية الأمر كأجانب وغرباء اعتنقوا ثقافات وعادات خارجية وغريبة، لكنها رؤية تغيرت مؤخراً وعبر العصور.
وقال: إن المسلمين يتميزون بالوحدة والإنسانية بين الروانديين رغم اضطهادهم، وكانوا يتعاطفون مع المتضررين من الاستعمار، موضحاً أنه منذ العام 1959م شهدت البلاد تعدد الأحزاب، ومال بعضها إلى تعصب قبلي وديني خاصة النصارى؛ مما أدى إلى عدم استقرار، لكن المسلمين ظلوا متمسكين بالوحدة الوطنية واستقرار البلاد، بعيداً عن التعصب الديني، بل كانوا ملجأ ومخبأ وحماية للمتضررين من الصراع القبلي، في إشارة منه إلى ما واجهته قومية التوتسي.
وأضاف: لدى المسلمين مواقف جبارة أمام المعاناة والصعوبات باستمرار حتى سقوط الحكومة التي ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية ضد شعب توتسي عام 1994م التي راح ضحيتها أكثر من مليون شخص قتلوا في مائة يوم فقط، لافتاً إلى أن المسلمين كان لهم موقف مثالي من إدارتهم العليا حتى المساجد، إذ لم يشاركوا في المجازر والإبادة الجماعية، بل أدوا دوراً فعالاً في إنقاذ المستهدفين الذين اختبؤوا في بيوت المسلمين والمساجد، هذا بفضل الله على نعمة الإسلام، وفق تعبيره.
تحديات وحلول
وأشار الشيخ إياكاريمي لبعض التحديات والواقع الذي يحتاج إلى معالجات، منوهاً بالفقر السائد في أوساط المسلمين في جميع المناطق ذات الكثافة الإسلامية، حيث تتميز بالبيوت القديمة والبيئة المتخلفة مقارنة مع جيرانهم، وهذا مقلق جداً، وأرجعه إلى آثار التضييق والظروف التاريخية التي مر بها المسلمون.
وأشار إلى غياب المؤسسات الإسلامية القوية وقلة سفارات الدول الإسلامية (الموجودة لا تبالي بالمسلمين)، وأضاف ضعف الإمكانات المادية لدى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في رواندا، وضعف البنية التحتية في المجتمع المسلم في رواندا، فليس للمجلس جامعة ولا مستشفى مرجعية ولا معاهد مهنية وغير ذلك من البنية التحتية اللازمة للمجتمع.
ذلك كله مع غياب البنوك والمصارف الإسلامية التي تخدم المسلمين في المشاريع التنموية الخالية من المعاملات الربوية، ودعا إلى ضرورة إنشاء أوقاف خيرية لإيجاد مصدر ثابت لتمويل مناشط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في رواندا الدعوية منها والاجتماعية، وحث على ضرورة فتح سفارات الدول الإسلامية وتكاتفها حقاً مع مسلمي رواندا، وتوجيه المؤسسات الإسلامية القوية إلى العمل في رواندا.