رفع الله تعالى شأن الإنسان حين خلقه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وسخر الكون كله لخدمته وتيسير أموره، وليس مطلوباً من الإنسان في مقابل ذلك كله إلا أن يعبد الله ويشكره على نعمه، فإن فعل ذلك؛ كان عابداً لله تعالى، أما إذا انصرف عن توجيه العبادة إلى الله؛ فإنه يكون في سبيل الشيطان حتى وإن لم يقصد ذلك،
قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {60} وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) (يس)، قال ابن القيم: «مَا عَبَدَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ غَيْرَ اللَّهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ إِلَّا وَقَعَتْ عِبَادَتُهُ لِلشَّيْطَانِ»(1)، فعلى المسلم أن يخلص عبوديته لله تعالى، حتى يفوز بما أعده الله تعالى من خير لعباده في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيان بعض ما أعده الله تعالى لمن أحسن العبودية له في الدنيا(2).
أولاً: تحقيق الغاية التي خلق الله الإنسان من أجلها:
إن الله تعالى خلق الإنسان لعبادته، حيث قال عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (البينة: 5).
وقال ابن القيم: إن الله سبحانه يغار على قلب عبده أن يكون مُعطلًا من حبه وخوفه، ورجائه، وأن يكون فيه غيره، فإنه سبحانه خلقه لنفسه، واختاره من بين خلقه، كما في الأثر الإلهيِّ: «ابنَ آدم خلقتُك لنفسي، وخلقتُ كلَّ شيءٍ لك، فبحقِّي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتُك له»(3).
ثانياً: العبودية سبب للحصول على التقوى:
أوضح الله تعالى أن العبودية سبيل إلى تحقيق التقوى، حيث قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 21)، وروى الترمذي بسند حسن عن عطية بن عروة السعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبلغُ العبدُ أن يَكونَ منَ المتَّقينَ حتَّى يدعَ ما لا بأسَ بِهِ حذرًا ممَّا بِهِ بأسٌ».
ثالثاً: كفاية الله عبده وصرف السوء عنه:
ضرب الله تعالى لعباده المؤمنين المثل بسيدنا يوسف عليه السلام، حين أخلص في عبوديته لله تعالى؛ فصرف الله عنه الشر والسوء، ووقاه مكر امرأة العزيز والنسوة من حولها حين دعته إلى الفاحشة، وفي هذا يقول الله تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {23} وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف)، وأكد الله تعالى حمايته وكفايته لعباده فقال عز وجل: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) (الزمر: 36).
رابعاً: الحماية من وساوس الشيطان:
مَن أحسن عبوديته لله تعالى فإن الله يحميه من وساوس الشيطان ويصرف عنه كيدها، وفي هذا يقول تعالى حكاية عن قول الشيطان الرجيم: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {39} إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (الحجر)، قال ابن القيم رحمه الله: «فلم يجعل لعدوه سلطانًا على عباده المؤمنين؛ فإنهم في حِرْزه وكلاءته، وحفظه، وتحت كَنَفِه»(4).
خامساً: تحقيق النصر:
إن العبودية لله تعالى هي السبيل إلى تحقيق النصر، فالنصر بيد الله وحده، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)، وقال عز وجل: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ {171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ {172} وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات)، وقال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر: 51).
سادساً: التمكين في الأرض ووراثتها:
قال تعالى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف: 128)، وقال عز وجل: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء: 105)، وقال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) (الحج: 41).
سابعاً: استجابة الدعاء:
وعد الله تعالى عباده أن يستجيب دعاءهم إذا دعوه، حيث قال عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186)، فقد اشترط لإجابة الدعاء أن يكونوا عباداً لله تعالى.
ثامناً: تحصيل العلم:
أوضح الله تعالى أنه يفيض من علمه على من اتقاه وأحسن في عبادته، وفي هذا يقول تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: 282)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) (الكهف: 65)، (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) (فاطر: 32).
تاسعاً: تحقيق الخشية لله تعالى:
لا يخشى الله تعالى إلا من عبده حق عبادته، وأكثر الناس خشية لله تعالى من أحسن في عبادته وتزود من علمه، فقد قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر: 28).
عاشراً: الفوز باصطفاء الله تعالى:
الله يصطفي من عباده من يشاء، وقد أخبر تعالى أنه يصطفي من أحسن العبودية له وحده، حيث قال سبحانه: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) (النمل: 59).
_____________________
(1) الداء والدواء، ص 143.
(2) الدلالات التربوية لمفهوم العبودية في القرآن الكريم: عماد محمد حسين، ص 24.
(3) روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص 423.
(4) الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب (1/ 8).