استشهاد السنوار أو غيره من الشهداء ما هو إلا مجرد تغيير أسماء ولن يزيد المقاومة إلا صمودا
أراد الله تعالى ان يجعل الصهاينة يوثقون بأيديهم بطولة السنوار، فظهرت صوره وهو يحتضن ذخيرته ليكون أيقونة لأجيال بعد أجيال، رسم السنوار لوحة شهادته بيده لإنه أدرك أن العمر مجرد لحظات تمضي وأن الموت أهم من الحياة، وأن النصر قريب، وأن الشهادة حياة. استشهد ليقول للأمة المتخاذلة أن الحرية قرار ولا خوف من الموت، وأنه لا تنازل ولا وقوف على الحياد
لقد صدق قول الله تعالى:
“وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُ الصَّابِرِينَ” آل عمران: 146
لقي السنوار ربه في أجمل لوحةٍ للشهادة، استقبل الرصاص في الجبهة والرأس، ليس في الظهر، استشهد مقبل غير مدبر وأقام الحجة. لوحة كلها بطولة وصدق وحب للقاء ربه، لوحة كلها إيمان ويقين، لوحة كلها تصديق بوعد الله، لوحة تفضح أكاذيبهم التي تتهم الشرفاء بالاختباء في الأنفاق تحت الأرض مع الرهائن، لوحة تقول لهم: نحن بكم متربصون نحن لا نخاف قوى شركم، لوحة كلها عز وشموخ وكبرياء لوحة تذكرنا بالصحابة الكرام تذكرنا بعهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لوحة ممزوجة بأسمى ألوان الشهادة، لقد ذهب الآلاف، بل الملايين من الشهداء الذين اختارهم الله تعالى. يتوهمون أنهم قضوا على المقاومة وأنهم أسكتوه الأفواه، لكنهم في طغيانهم يعمهون. قال تعالي ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾ التوبة (52).
المعركة الدائرة الآن لا يخوضها الصهاينة وحدهم وليست ضد الفلسطينيين وحدهم؛ بل اجتمعت قوي الشر للقضاء على هذه الأمة برمتها؛ هذه الامة التي تقاعست عن القيام بدورها؛ التي تخاذلت عن نصرة إخوانها المستضعفين٫ التي نسيت ماضيها٫ التي رضيت بالذل والهوان. إنها حرب إبادة لتغيير خارطة الشرق الأوسط وتحقيق حلم الصهاينة وقهر العرب وإذلالهم.
مع استشهاد كل شهيد تتصدع القلوب ويتخيل البعض أنهم ينتصرون ويشتد الخوف ويتراءى للبعض من المسلمين ان النصر بعيد ويشتد الخوف وربما تسوء الظنون؛ لكن لابد من تذكير أنفسنا بقول الله عز وعلي في القرآن الكريم: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ) ثم يأتي قوله تعالي: “ألا إن نصر الله قريب” [ البقرة: 214]، “وَأخرى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين” الصف: 13
وقد قالها ابو عبيدة: لو كانت الاغتيالات نصرًا لانتهت المقاومة منذ اغتيال عز الدين القسام قبل 90 عامًا. نحن نعمل بإرادة اللَّه وعلى عينه، يخلف القائد قادة والجندي عشرة والشهيد ألف مقاوم، وهذه الأرض تُنبت المقاومين كما تُنبت غصون الزيتون
أمة المؤمنين لا تموت باستشهاد قائد من آلاف القادة، بل هي تخرج الآلاف من القادة ولن تفقد إيمانها أو يفت عضدها باستشهاد بطل، لأن النصر ثم الشهادة غاية المؤمنين. لقد ذهب الشيخ أحمد ياسين، والقائد عبد العزيز الرنتيسي، والمناضل الفلسطيني والشهيد يحيى عياش قائد ومهندس المتفجرات، الذي كان من أبرز قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام، ثم ذهب أبناء القائد هنية في حياته، فما زاده استشهادهم إلا قوة وعزيمة، ثم ذهب الشهيد البطل إسماعيل هنية، واليوم القائد البطل السنوار، الذي لقي ربه في أجمل و أروع لوحةٍ للشهادة، لوحة كلها عزة وفخر لوحة تتحدث عن معني الكبرياء، عن الإيمان والتصديق بوعد الله، لوحة شهيد مقاوم يمسك بسلاحه، يقاتل بين جنوده، يقاتل كل جنود الشر، كل الأعداء الذين تجمعوا للقضاء على هذه الأمة، مات شهيداً مدافعًا عن أرضه وعرضه ودينه،
لن تفلح هذه الأمة حتى يكون الموت أحب لها من الحياة الدنيا حتى تعود الي كتاب الله. قال رسول الله ﷺ: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت».