في مشهد ملحمي نادر سيخلده التاريخ، يظهر القائد المظفر يحيى السنوار بطل معركة العبور الكبرى (طوفان الأقصى) وهو في لحظاته الأخيرة وقد ربط يده اليمنى المصابة إصابة بليغة، مُلثما لا تظهر إلا عيناه وكأنها عينا نمر تهيأ للانقضاض على فريسته، كأنه يذكرنا بالقعقاع الذي قال عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “لا يهزم جيش فيه القعقاع، ولصوت القعقاع في المعركة خير من ألف رجل” وكان القعقاع وحده مدد أبي بكر لخالد بن الوليد لمواجهة جيش الفرس الجرار.
ولما كان فيه رمق وبقية قوة فقد أبى السنوار إلا بذل وسعه استجابة لربه، فرفع عصا بيساره لمواجهة طائرة (الدرون) المسيرة التي تسللت إلى عرينه، فألقى عصاه فإذا بها تلقف ما يأفكون من زور وبهتان مبين، فتهاوت السردية الصهيونية المضللة المغرضة، كم زعموا أنه كان يختبئ بين المدنيين يتخذهم درعا له، وكم رددوا أنه يختبئ في الأنفاق يتخذ من الأسرى وقاية له، على الرغم من أن القائد لا يضيره أن يكون في مكان آمن، لكنه كان بين جنوده يقاتل معهم ويتنقل بين مجموعاتهم في عقدهم القتالية يحرضهم ويثبتهم، وأين؟ في أكثر الأماكن تماسا وسخونة مع العدو المجرم المدجج بمختلف أنواع السلاح.
ويكأن عصاه قد أصابت صهاينة العرب فساءت وجوههم وشاهت، وكشفت زيف إيمانهم وادعائهم التدين والدين، فاستحقوا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وكشفت ولاءهم الخالص للشيطان، ليستحقوا الدرك الأسفل من النيران؛ إذ لا حياد في هذه المعركة، إنما هم فسطاطان، إما كفر أو إيمان.
ولا أجد عصاه إلا رسالة لعموم المسلمين الصالحين، الذين آثروا التدين المسالم المهادن المسكين، الذي لا يعرف مواجهة للكافر المحارب، ولا للطاغية المستبد، رسالة لها وقع العصا إذ تلهب الأجساد، لعلها توقظ الألباب، فتنقل الصالحين إلى خانة المصلحين، والمتخاذلين إلى صف المناصرين.
في عصاه وهو بهذه الحالة، اكتملت عند المؤمنين معاني استفراغ الوسع والطاقة، فكانت تفسيرا واضحا بينا لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، ولقوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، ولقوله سبحانه: (وجاهدوا في الله حق جهاده)، فلا عذر بعد ذلك لمتقاعس، ولا نامت أعين الجبناء.