أستاذي الكريم د. يحيى، بعد التحية، بداية أنا لست من قرَّاء مجلة «المجتمع»، ولكن أحد الأصدقاء نصحني بالكتابة إليكم، فهل سأجد لديكم حلاً لمعاناتي؟
أنا عملي في تكنولوجيا المعلومات، ورغم أني في منتصف العقد الرابع من عمري، فإن لي شركة متميزة، ولكني مشغول جداً، وحبي لعملي وتفوقي جعلني رجلاً عملياً أتعامل مع عواطفي كما أتعامل مع برمجيات الكومبيوتر! أو بمعنى أدق هذا ما كنت أعتقده، وهذا ما قد يكون سبب مأساتي والاضطراب الذي أعانيه!
منذ حوالي 10 سنوات، تعرفت إلى إحدى الفتيات وتقدمت لخطبتها، وسارت أمورنا طيبة، وتم عقد القران، ولكن قبل البناء حصل خلاف بيني وبين أخيها، تطور الخلاف إلى قطيعة، ورغم أن الحق كان معي، فإن زوجتي وقفت موقفاً محايداً، وظلت علاقتها بأخيها طبيعية، ألمحت لها ثم صارحتها بأن عليها أن تأخذ موقفاً من أخيها لصالحي، فكان ردها ما بينكما ليس خلافاً شرعياً، هو مجرد خلاف في وجهة نظر كل منكما في الموضوع محل الخلاف، فرجاء احترم رأيي بأن أكون بعيدة عن خلافكما، هو أخي، ولا يحق لي أن أقطع صلة رحمي به.
أفهمتها أنني زوجها والحق معي وعليها أن تلزم جانبي، فأصرت، وخيَّرتها بأن تكون في صفي أو ننفصل! للأسف رغم حبي الشديد لها، فإنني أصررت على رأيي، وتم الانفصال بعد قصة حب قاربت سنتين.
حتى أنتقم منها وأنسى حبي لها، قررت فوراً الزواج بأخرى، نعم كانت أمي قد عرضت عليَّ ابنة إحدى صديقاتها، ورغم أن موصفاتها كانت ممتازة، فإنني كنت قد اعتذرت، فسألت أمي عنها فعلمت أنها كانت قد خُطبت، ولكنها أنهت خطبتها، تقدمت لها وخلال شهر تزوجنا وقد رزقنا الله 3 أولاد.
مشكلتي أنني غير سعيد في حياتي الزوجية، ليس بسبب زوجتي، فهي تحبني وتبذل قصارى جهدها لإسعادي، جميلة دائماً ومتألقة، رغم وجود خادمة مقيمة وأخرى تأتي كل أسبوع، فإن زوجتي تحرص على الطبخ بنفسها، كما أنني أرى أنها أُم مثالية، تغطي أي قصور مني مع الأولاد نتيجة انشغالي بعملي، تشعر أنني غير سعيد معها، ولكنها تتغاضى عن آلامها وتبالغ في محاولات إسعادي.
أنا أيضاً لا أقصِّر في أي من واجباتي الزوجية، فلديها في حسابها الخاص فوق ما تحلم به أي زوجة، بالإضافة إلى كارت البنك الخاص بي تصرف منه متطلبات البيت كما تشاء، من جانبي أحاول أمثل دور الحبيب في معظم الأوقات وأيضاً في العلاقة الحميمية لا أقصر في أداء حقها، ولكنني غير سعيد، لماذا؟!
لأنني ما زلت أحب مطلقتي! نعم ولم تفارقني صورتها، كثيراً ما أرى وجه مطلقتي على زوجتي، وقد أخطئ وأنادي زوجتي باسم مطلقتي! التي تتجاهل كأنها لم تسمع شيئاً، يكاد عقلي «يشت»، ما زلت أتابع أخبار مطلقتي وقد تزوجت وأنجبت، وما يؤلمني أن حياتها مستقرة، فقد نستني ولم أنسها، وأعاني بفقدها، كثيراً ما تراودني نفسي بأمنية طلاقها لأتزوجها!
للأسف، انعكس توتري النفسي على عملي، وبدأت علاقتي بزوجتي تتوتر وكذلك الأولاد، إلى متى ستستمر حالتي على هذا المنوال؟ هل لديك من حل؟
التحليل
دعني أجاوبك على سؤالك الأخير: «متى ستستمر حالتي على هذا المنوال؟»، من المؤكد أن حالتك لم تستمر على هذا المنوال، فاستمرار تفكيرك في طليقتك ليس فقط سيقوض حياتك مع زوجتك، بل غالباً ما قد يؤدي بك إلى اضطراب حالتك النفسية وبالتبعية يعرضك إلى حالة من الهذيان نتيجة معايشتك لأحلام اليقظة مع طليقتك وانفصالك النفسي عن الواقع الحي لحياتك مع زوجتك وأولادك.
إن عدم التوافق بين ما يعيشه المرء من واقع حقيقي يحياه، وما تُصوّره له خيالاته من أحلام؛ يُحدث فجوة في داخله، عادة ما تكون سبباً في انفصام شخصيته؛ مما يدفعه للفظ واقعه من أجل أحلام واهية، لذا، يجب وفوراً البدء بعلاجك لنفسك:
من المنظور الشرعي
طليقتك امرأة أجنبية عنك، فحرام شرعاً تتبع أخبارها، وقد نهانا الله عن التجسس، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات: 12)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْواناً» (رواه أبو هريرة، أخرجه البخاري، ومسلم).
كيف تتمنى لامرأة مسلمة أن تُطلق من زوجها لتتزوجها؟! تأكيداً للأخوة بين كل المسلمين، وأنه لا يكتمل الإيمان إلا إذا أحب المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (رواه أنس بن مالك، أخرجه البخاري).
إن طلاقك لزوجتك ظلم لنفسك وظلم لها، فكما قلت في رسالتك: «إنه قد حدث خلاف شخصي بينك وبين أخي زوجتك، وهي التزمت جانب الحياد بينكما، وأنت طلبت منها الوقوف معك لمجرد أنك زوجها وتقطع صلة رحمها بأخيها، فلم تستجب وقد طلقتها عقاباً لها»؛ دائماً ما نؤكد أنه يجب الفصل بين علاقة الزوج بأهل زوجه وعلاقته بزوجه؛ أي أنه مهما كان الخلاف بينك وبين أهل زوجتك يجب ألا يؤثر ذلك على علاقتك بزوجتك.
يفترض أن تكون العلاقة طيبة بين الزوج وأهل زوجه، ولكن إن ساءت فلا حرج ألا تكون هناك علاقة، فيكفي العلاقة البسيطة عند الاجتماع في المناسبات العائلية، وفي كل الأحوال يجب أن تكون العلاقة الزوجية بمنأى عن أي خلافات بين الزوج وأهل زوجه، فما ذنب زوجتك إن أخطأ أخوها في حقك؟ وكيف يكون عقابك لأخيها بأن تتحمل زوجتك وزر قطع صلة رحمها؟ وما ذنبكما أنت وزوجتك أن تنفصلا؟ وقد أخطأت واتخذت قراراً انتقاماً من نفسك، قبل انتقامك من زوجتك!
التسرع في قرار الزواج الثاني
الإشباع العاطفي ليس كإشباع الجوع، إن لم يعجبني السمك فيمكن إحلاله فوراً بالدجاج وأهنأ به! العلاقة الزوجية ليست مجرد علاقة أي رجل بأي امرأة، إن لم يكن أحمد فزيد، أو إن لم تكن سميرة فسمية! بمعنى أن عملية الإحلال ليست بهذه السلاسة والبساطة، وكأني أستبدل سيارة أو جاكيت! لذا كان عليك أن تتعافى وتختبر مشاعرك وقد تعيد تقييم قرارك وتشعر بقيمة مطلقتك وظلمك لنفسك ولها، ويدفعك حبك لاستعادتها.
ولكنك قطعت على نفسك طريق العودة، وقبل أن يسكن قلبك ويتعافى من صدمة حرمانه من محبوبته، تجاهلته، وبزهوك وغرورك وأثرة نفسك أنك انتقمت من خصمك بطلاق أخته وانتقمت من زوجتك التي نأت بنفسها عن خلافك مع أخيها بطلاقها، وها أنت تتزوج بغيرها وبمنتهى العجلة.
ظلمك لزوجتك الثانية
ما ذنب زوجتك الثانية، أن تطرق بابها وقلبك معلق بطليقتك؟! من المؤكد بحسها الأنثوي أدركت أنك معها بجسدك فقط، وأنك ما زلت أسير حبك الأول، إن تجاهلها لإهانتك لها بمناداتها باسم مطلقتك ليس معناه أنها لا تتألم، بل إن رسالتها لك أن ألمي هو جرح عميق لكرامتي لا يمكن التعبير عنه إلا بالتجاهل.
الحل
التوبة إلى الله تعالى، وأن تدعو لأختك في الله مطلقتك بأن يوفقها الله مع زوجها وأولادها، وحيث لا يحق لك التواصل معها لتستسمحها، فعليك الدعاء لها والتصدق بنية أن يكون الأجر لها.
الاهتمام جل الاهتمام بزوجتك والصفات الطيبة التي أنعم الله عليك بها، وأن تعوّضها خيراً عن تقصيرك في حقها، وأن تشغل نفسك بأولادك، فهم أولى باهتمامك وفكرك من الانشغال بأخت مسلمة محرّمة عليك.