يحيى السنوار، القائد السياسي والعسكري لحركة «حماس»، الذي استشهد في معركة رفح وهو يقاتل الجنود الصهاينة وجهاً لوجه وجنباً إلى جنب مع رجال المقاومة، كان أول الأهداف الصهيونية للحرب على غزة، حيث اعتبرته دولة الكيان الرجل الأول والمدبر الرئيس لأحداث السابع من أكتوبر 2023م، وضعته على قائمة الاغتيالات التي ستجلب لها النصر، وأحد أهم أهداف الحرب التي تهدف إلى القضاء على حركة «حماس»، كما اعتبرت العديد من القيادات السياسية والأمنية الصهيونية أن هناك ثأرًا شخصيًا تجاهه، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، الذي تم تحميله مسؤولية إطلاق سراحه في العام 2011م، إلى جانب عدد من قادة «حماس» البارزين.
الخديعة الكبرى
تمثل الخديعة الاستخباراتية الكبرى التي مُنيت بها المؤسسة الأمنية الصهيونية حين استطاعت العقلية الفلسطينية من اختراق المنظومة الصهيونية بكل مكوناتها ومقدراتها وتحصيناتها العسكرية والأمنية الحديدية، واخترقت حدودها إلى داخل المستوطنات والقواعد العسكرية في السابع من أكتوبر، أهم الدوافع في مسألة الثأر والانتقام الشخصي من السنوار، الذي أربك حساباتهم وعرى منظومتهم وكشف زيف جدارهم الحديدي الذي كانوا يتفاخرون به، ويرهبون به العرب، وهي خديعة إستراتيجية تحمل دلالات سياسية عميقة لها ما بعدها.
كما أن الرمزية التي تمثلت في مشهد استشهاد السنوار قد نسفت خديعة الروايات الصهيونية التي كانت تتحدث عن اختبائه تحت الأرض وتحصنه بالأسرى وتركه لشعبه في مواجهة الموت، ليبرز الرجل وهو يرتدي جعبته العسكرية ويمتشق سلاحه، وينتقل من مكان إلى مكان ليقارع الدبابات الصهيونية، وليقطع الطريق على نتنياهو وجيشه في تحقيق صورة انتصار طالما بحثوا عنها في موته، ويزيد من غطرستهم وإمعانهم في القتل والمجازر للتغطية على إخفاقهم رغم موت الرجل الذي لم يكن على مزاجهم، ليتخذوا من الصورة مشهد انتصار يحققوا من ورائه نهاية لهذه الحرب التي استنزفت جيشهم ودولتهم.
الاستشهاد وتأثيراته
إن غياب السنوار عن المشهد السياسي والعسكري في غزة يطرح العديد من التساؤلات حول مدى تأثير عملية استشهاده على المقاومة الفلسطينية ومجريات الحرب في غزة، وفرص إبرام صفقة تبادل للأسرى والمحتجزين، فضلاً عن فرص توقف الحرب، المنطق يقول: إن استشهاد السنوار لن يؤثر على المقاومة الفلسطينية وتحديداً على حركة «حماس»، كون العديد من القادة السياسيين والعسكريين سبقوه إلى الشهادة ولم تتأثر الحركة، بل ازدادت قوة وشراسة وتعاظمت قوتها، وكذلك لن يؤثر على واقع الميدان؛ نظراً لطبيعة التنظيم العسكري للحركة الذي يقوم على قادة الكتائب والفصائل، وآليات وطرق اختيار ووضع نوابهم وواقع الميدان الذي فرض على «حماس» حرباً شبيهة بحرب الشوارع، التي فرضت واقع القيادة التسلسلية للحركة.
التداعيات والتكهنات
لقد كثرت التداعيات والتكهنات بعد استشهاد القائد السياسي والعسكري لحركة «حماس» يحيى السنوار أمريكياً وأوروبياً وصهيونياً، حيث اعتبرت واشنطن موته بمثابة نقطة تحول في مسار الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، وأنه حان الوقت لإنهائها والتفاوض حول صفقة لإطلاق الرهائن.
وقد رأى المسؤولون الأمريكيون أن السنوار هو الهدف الأكثر أهمية بالنسبة لدولة الكيان لإعلان انتهاء حربها في غزة، والقبول بصفقة مهما كانت، واعتبرت دولة الكيان أن القضاء على السنوار من شأنه أن يساعد الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب وإطلاق الرهائن.
في حين حذر آخرون من أن استشهاده يمكن أن يعقد الأمور ويعرض حياة الرهائن للخطر، وأن هناك مخاوف من الانتقام من الأسرى، الأمر الذي من الممكن أن يعقّد الأمور وتتدحرج نحو تداعيات لا يحمد عقباها في ظل غياب السنوار ومن قبله صالح العاروري، وإسماعيل هنية، أو بسبب عدم وجود خطة بشأن ما يجب فعله.
بينما اعتبر العديد من قادة الدول الغربية أن استشهاد السنوار فرصة كبيرة لإنهاء الحرب على غزة، وإطلاق سراح الأسرى، وتدشين مرحلة جديدة، وتحرير الأسرى الصهاينة، والإعلان عن وقف فوري لإطلاق النار، وإعادة إعمار قطاع غزة.
مبادرات جديدة
إن المتابع للشأن الفلسطيني والصهيوني ومراحل حرب الإبادة الصهيونية في غزة وهي تدخل عامها الثاني، يستطيع التكهن بأن الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة بايدن ستحاول طرح مبادرة جديدة للتفاوض تحقق فيها مطالب نتنياهو، وتضغط بها على «حماس»، بينما تستمر الإبادة والقصف والضغط العسكري حتى تدمير قطاع غزة وجعله غير قابل للحياة، بهدف تحقيق أهداف الاحتلال الصهيوني المتمثلة في تهجير السكان خارج القطاع، متذرعة بأن المقاومة ما زالت تقبض على زمام الأمور في غزة، وأن الحرب ستستمر حتى القضاء على حكم «حماس» حسب تصريحات نتنياهو بعد استشهاد السنوار الذي قال فيه: سنستمر في الحرب حتى النهاية ولن تعود «حماس» لحكم غزة مرة أخرى.
وسيظل الحديث عن المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى ورقة أمريكية صهيونية مطروحة دون تنفيذ فعلي لها، تستغلها الولايات المتحدة كورقة رابحة في انتخاباتها المقبلة بهدف التنفيس من حدة الانتقادات، في ظل غياب المساءلة الدولية لدولة الكيان، وعجز القانون الدولي من الضغط عليها ومحاسبها، ما يمكنها من المواصلة حتى تحقيق ما تصفه بأهداف الحرب التي تتغير وتتبدل حسب الأهواء الصهيونية.
تسعى دولة الكيان بكل ما أوتيت من قوة بعد سياسة الردع والضغط العسكري والاغتيالات وسياسة العلو الكبير، لفرض وقائع جديدة على الأرض في قطاع غزة، بدءًا بفصل شمال القطاع عن جنوبه عبر محور نتساريم، مرورًا بالسيطرة على محور فيلادلفيا، وتوسيع المنطقة العازلة شمال القطاع، وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، التي من المتوقع أن تسعى الإدارة الجديدة المنتخبة إلى فرض إرادتها القوية في الوصول إلى وقف إطلاق النار، وأخذ زمام قيادة تغيير البيئة الإقليمية بأدوات مختلفة عن الأدوات الصهيونية، وخاصة العسكرية.
ولكنها في الوقت نفسه تتماشى وتتماهى مع أغلب الأهداف الصهيونية، وفرض التصور الأمريكي الجديد في المنطقة، فاستشهاد السنوار قد يكون بداية الإعلان عن نهاية الحرب على غزة من طرف دولة الكيان وأمريكا، ولكن يجب التفريق هنا بين إعلان نهاية الحرب والواقع الذي نتج وسينتج عنها، لأن النهاية التي تريدها دولة الكيان لا تنسجم مع الرؤية التي تريدها «حماس» وفصائل المقاومة.