برز يحيى السنوار كأحد أهم القادة الفلسطينيين الذين نجحوا في فهم العقلية الصهيونية بعمق، انطلاقاً من داخل السجون، حيث استثمر الوقت في تعلم لغة العدو وفهم ثقافته وتاريخه؛ ما أتاح له الاطلاع على إستراتيجيات الاحتلال وتوجهاته.
وقد اعتمد على مجموعة من الأساليب لاستغلال نقاط ضعف العدو لصالح القضية الفلسطينية، ومنها:
1- لغة العدو:
تعلّم السنوار اللغة العبرية خلال فترة سجنه، وهي خطوة مكنته من الوصول إلى نصوص ومعلومات لا يمكن لغالبية الفلسطينيين الوصول إليها أو فهمها، ففهم اللغة لا يقتصر فقط على القدرة على القراءة والكتابة، بل يتضمن أيضًا إدراك الثقافة والسياق الاجتماعي والسياسي الذي تحمله.
من خلال هذا التعلم استطاع السنوار التعرف على قادة الاحتلال من جهة، وأن يستفيد من المعلومات المتاحة التي تكشف عن كيفية تفكيرهم وتصرفاتهم.
هنا يبرز ضرورة إتقان اللغة لفهم النصوص المتعلقة بالخصوم.
في الحديث الذي رواه زيد بن ثابت: أمرَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أن أتعلَّمَ لَهُ كتابِ يَهودَ قالَ: «إنِّي واللَّهِ ما آمَنُ يَهودَ علَى كتابي»، قالَ: فما مرَّ بي نِصفُ شَهْرٍ حتَّى تعلَّمتُهُ لَهُ، قالَ: فلمَّا تَعلَّمتُهُ كانَ إذا كتبَ إلى يَهودَ كتبتُ إليهِم، وإذا كتَبوا إليهِ قرأتُ لَهُ كتابَهُم. (صحيح الترمذي).
2- دراسة تاريخ الصهاينة:
استفاد السنوار من قراءة الأعمال الفكرية والتاريخية لقادة الحركة الصهيونية؛ ما أتاح له فهم الإستراتيجيات والسياسات التي اتبعتها «إسرائيل» على مر العقود.
وذكرت صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية أن السنوار، بعد تعلمه العبرية، قرأ العقل «الإسرائيلي» جيداً وتعمق في قراءة أفكار قادة الحركة الصهيونية، مثل زئيف جابوتنسكي، ومناحيم بيغن، وإسحق رابين؛ ما ساهم في بناء إستراتيجيات مقاومة فعّالة.
3- تحليل الشخصية:
فشل الكيان الصهيوني في فهم شخصية السنوار، فلم يتمكن من قراءة تحركاته بشكل صحيح.
ووفقاً لـ«الفايننشال تايمز»، فإنه بالرغم من 40 سنة خبرة لدى «إسرائيل» في التعامل مع زعيم «حماس» في غزة، فإن القراءة الخاطئة لشخصيته شكلت مقدمة لأكبر فشل استخباراتي.
واعتبرت أن الخبرة «الإسرائيلية» في التعامل مع السنوار لم تؤد سوى إلى تهدئة قادة الأمن «الإسرائيليين»، ومنحهم شعوراً زائفاً بالرضا عن النفس، على حد تعبير الصحيفة.
وقال مايكل ميلشتاين، ضابط المخابرات العسكرية الصهيونية السابق، الخبير في الشؤون الفلسطينية، للصحيفة البريطانية: «لم نفهمه إطلاقاً»، في إشارة إلى السنوار.
4- الترجمات:
قام السنوار بترجمة كتب تتعلق بأجهزة الأمن الصهيونية، مثل كتاب «الشاباك بين الأشلاء» لكارمي غيلون، الذي يتعمق بدور جهاز الأمن الداخلي الصهيوني؛ ما كان خطوة إستراتيجية مهمة.
لم تقتصر هذه الترجمات على زيادة وعي الأسرى الفلسطينيين، بل زودتهم أيضًا بمعلومات حول كيفية تفكير «الشاباك» وآلياته في التعامل مع القضايا الأمنية.
5- التفاوض بذكاء واستغلال نقاط الضعف:
عبر فهمه لعقلية المجتمع «الإسرائيلي»، استطاع السنوار استغلال نقاط الضعف، مثل الضغط الاجتماعي المرتبط بالخدمة العسكرية، حيث يعتبر الجنود من الشخصيات البارزة في المجتمع «الإسرائيلي»، يمكن للسنوار استخدام هذا الضعف كنقطة قوة في إستراتيجيته بمعرفة كيف يمكن أن يؤثر احتجاز الجنود على نفسية المجتمع.
فيما يذكر يوفال بيتون، الذي قضى بعض الوقت مع السنوار رئيساً سابقاً لسجون الاحتلال، أن ما تعتبره «إسرائيل» نقطة قوة -أي أن معظم «الإسرائيليين» يخدمون في الجيش، وأن الجنود يتمتعون بمكانة خاصة في المجتمع- هي ضعف يمكن استغلاله.
وأضافت «وول ستريت جورنال» أن دقة فكرة السنوار ثبتت في عام 2011م عندما كان واحداً من 1027 أسيراً فلسطينياً تم إطلاق سراحهم مقابل جندي «إسرائيلي» واحد.
واعتبرت أن السنوار يحتجز حالياً 138 «إسرائيلياً»، بمن في ذلك الجنود، ويراهن على أنه قادر على إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين، وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار معتمداً على حكمه على المجتمع «الإسرائيلي».
كما تمكن من إظهار نفسه كقائد هادئ وقابل للتفاوض، مما ساعده في خداع أعدائه، حيث أوهمهم بأنه يسعى للسلام وأن لديه رؤية سياسية واجتماعية بعيدة المدى، وظل يخدعهم حتى تم إطلاق سراحه في تبادل الأسرى بصفقة شاليط المعروفة عام 2011م.
وفي أحد لقاءاته مع الإعلام العبري نهاية الانتفاضة الفلسطينية عام 2005م، تحدث باللغة العبرية قائلًا: برغم عدم اعترافنا بـ«إسرائيل»، لكننا مستعدون للذهاب إلى هدنة طويلة الأمد.