إثر استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحيى السنوار، مشتبكًا بالميدان، قام الاحتلال الصهيوني بإلقاء منشورات تطالب الغزيين بإلقاء السلاح وإعادة من سموهم «المخطوفين»، وذلك مقابل السماح لمن يفعل ذلك بـ«الخروج والعيش بسلام».
لكن اللافت في هذه المنشورات، التي ليست أمرًا جديدًا ولم تتمخض عنها أي نتيجة إلا المزيد من استمساك الفلسطينيين بأرضهم؛ هو ما بدأ به المنشور، حيث بدأ بالقول: «السنوار دمر حياتكم، لقد اختبأ في جحر مظلم وتمت تصفيته وهو يهرب بذعر»!
وهذه الفقرة مليئة بأكاذيب تفوق عدد كلماتها الثلاث عشرة! ويكفي لدحضها ما رآه العالم أجمع، وبكاميرات تنتمي للعدو نفسه؛ بما دلَّ على نفسية وعقيدة بطل شجاع مقدام، اشتبك بجسارة، وقاوم حتى آخر نفس وحتى آخر وسيلة، وهي خشبة أطاح بها في وجه «الدرون» التي ذهبت تستطلع الأمر بعد اشتباكات دامية.
لكنه الكذب الصهيوني الذي يكتسب نكهة خاصة، بما يدل على أنه جزء من طبيعة تكوينهم النفسي والفكري، وليس أمرًا عابرًا يمكن أن يقع فيه أحد، أو تتصف به سياسة!
العدو الصهيوني يمارس الكذب ويصر عليه دون أن يشعر بالندم أو الخجل
من يقتل لن يتورع عن الكذب
والعدو الصهيوني حين يمارس الكذب فهو لا يحتاج لمبررات شرعية، بحيث إذا تجاوزها يمكن أن يشعر بالندم أو الخجل فضلاً عن الاعتذار إذا افتضح أمره، وما أكثر ما يفتضح! ذلك أن الصهاينة لديهم تراث ضخم من نصوصهم المقدسة وفتاوى حاخاماتهم التي تجيز لهم القتل والفتك بالخصم، واستباحة الأرض والعرض، وإبادة الشجر والحجر، وملاحقة حتى النساء والأطفال؛ فإن النساء يلدن مقاومين، والأطفال سيحملون السلاح بمجرد أن تقوى أذرعتهم على حمله!
وأمام هذا التراث الضخم من الكراهية والإبادة والفتك، يصبح السؤال عن معنى الكذب بالنسبة لهم، سؤالاً لا محل له ولا جدوى منه، فمن يستبيح القتل لن يتورع عن الكذب، ومن لا يقيم وزنًا للحياة من الأصل لن يكون مَعْنِيًّا بما هو أقل منها من حقوق.
أبرز الأكاذيب
ومن يتابع سير العدوان، منذ بدأت عملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، سيتفاجأ بحجم الأكاذيب الصهيونية التي ما فتئ الكيان يختلقها على مدار الساعة، ودون أدنى شعور بالخجل، حتى بعد أن راجت هذه الأكاذيب في وسائل إعلام دولية ثم اكتشفت هذه الوسائل تهافت تلك الأكاذيب واعتذرت عنها، لكن الكيان لا يعتذر، بل يمضي متبجحًا في ترديد أكاذيبه، وشعاره: «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس»، وربما: حتى تصدق نفسك!
ومن أبرز هذه الأكاذيب ما تعلق بمزاعم قتل رؤوس أطفال.. أو حرق الجثث.. أو اغتصاب النساء.. أو الاحتماء بالمدنيين أو بالأسرى.. أو الاختباء تحت المستشفيات.. أو سرقة المعونات.. إلى آخر هذه الأكاذيب التي يصعب حصرها، ويسهل كشف زيفها!
من أهداف أكاذيب الكيان عن «يوم السابع» تبرير ما انتواه من إبادة كبرى ومقتلة بالجملة
صحفهم تكشف الحقيقة
في تقرير مطول نشرته وكالة «الأناضول» (4/ 12/ 2023م)، تناول التقرير ما كشفت عنه صحيفة «هاآرتس» العبرية، التي فنّدت ما روَّجته «تل أبيب» عن مزاعم قطع رؤوس أطفال «إسرائيليين» وحرق جثثهم بهجوم حركة «حماس» على مستوطنات غلاف غزة، في 7 أكتوبر، مؤكدة أن تلك الرواية غير صحيحة ولا أساس لها في الواقع.
وأشارت الصحيفة إلى ما وقع في ذلك اليوم من قتل جنود ومدنيين وأَسْر آخرين، مما ليس محل تشكيك؛ موضحةً أنه بجانب ذلك بعض المصادر نشرت معلومات غير مؤكدة حول أحداث ذلك اليوم، ومن بين الشهادات الشنيعة التي تم تداولها الإعلان عن العثور على عشرات من جثث الأطفال مقطوعة الرأس.
وبعد أن ذكرت «هاآرتس» ملابسات حوادث مقتل أو وفاة أطفال بالتزامن مع يوم السابع من أكتوبر، أكدت أنه حتى يومنا هذا، لا يوجد مشهد معروف تم فيه اكتشاف أطفال من عدة عائلات قُتلوا معًا، وهذا يدل على أن وصف نتنياهو في حديثه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن إرهابيي «حماس» أخذوا عشرات الأطفال وقيدوهم وأحرقوهم وأعدموهم، لا يطابق تمامًا الصورة الواقعية.
إن هذه الشهادة من «هاآرتس» لها أهميتها؛ لأنها من الطرف «الإسرائيلي» الذي لا يمكن أن يُتهم بموالاة «حماس» أو الدفاع عن الفلسطينيين، وجدير بالذكر هنا، أن البعض، بمن فيهم الإدارة الأمريكية، أخذ يردد هذه الأكاذيب حتى بعد انكشاف سرديتها!
تأكد الكيان من أنه فوق المحاسبة يجعله يكذب دون أن يخشى افتضاح كذبه
أهدافهم من الأكاذيب
لا شك في أن الدعاية الصهيونية لا تطلق هذه الأكاذيب هباء، لأنها أول من يعلم مدى تهافتها، وعدم قدرتها على الصمود طويلاً، ولعل من أهداف أكاذيبهم:
– اغتيال الحقيقة والتشويش عليها: لأن ترك الفضاء الإعلامي لسردية واحدة، هي هنا السردية الفلسطينية، سيوفر لها فرصة الانتشار والمصداقية بدرجة أكبر؛ فلا بد من إيجاد سردية مضادة، بغض النظر عن صدقها.
– التخديم على السرديات الكبرى للكيان: من قبيل المظلومية والاضطهاد والمحرقة النازية؛ ولهذا بادر الكيان الصهيوني بربط أحداث يوم السابع بهذه السرديات الكبرى التي تمثل جزءًا كبيرًا من شرعية وجوده.
– مخاطبة المخيلة الغربية عن المسلمين: التي يترسخ فيها بفعل الاستشراق وغيره ما يقال عن دموية المسلمين وهمجيتهم، فضلاً عن اتهام الإسلام، والمقاومة تبعًا، بـالإرهاب.
– تبرير رد الفعل العنيف الهمجي: الذي انتواه الكيان الصهيوني ردًّا على «طوفان الأقصى»؛ فالكيان يحتاج إلى ما يبرر به رد فعله الذي خطط لأن يكون إبادةً كبرى ومقتلة بالجملة!
وهنا، نختم بالإشارة إلى أن تأكد الكيان الصهيوني من أنه فوق المحاسبة والنقد، وأن له غطاءً أمريكيًّا وغربيًّا يحميه دوليًّا، هذا التأكد يجعله يتصرف بلا رقيب ولا حسيب، ويكذب دون أن يخشى افتضاح كذبه، بل ويصر على أكاذيبه التي لم يعد يصدقها أحد غيره!