ليس أروع ولا أسعد من أن يعيش المسلم آمناً من الخوف والحزن، فلا يتحسر على ما فات، ولا يقلق مما هو آت، إذ في هذه الحال نجاة من هموم الماضي والمستقبل، وقد وعد الله تعالى في كتابه العزيز أصنافاً من الناس بالفوز بالأمن من الخوف والحزن، وتتبين صفاتهم في الأصناف الآتية:
الأول: المتبعون لهدى الله:
أهبط الله تعالى الإنسان إلى الأرض واستخلفه فيها، وأرسل له رسله وأنزل كتبه، لتكون دليل هداية وإرشاد إلى الصراط المستقيم، فمن اتبع هدى الله فقد أمن من الخوف والحزن، قال الله تعالى: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 38).
الثاني: المؤمنون بالله واليوم الآخر:
يفوز بعدم الخوف والحزن من آمن بالله تعالى وأيقن باليوم الآخر بغض النظر عن جنسه أو قومه، يستوي في هذا الفوز كل من آمن بالله واليوم الآخر واتبع النبي الذي أرسله الله تعالى إليه، ومن عاش إلى بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فعليه أن يؤمن به ويتبعه كشرط للفوز بالأمن من الخوف والحزن، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 62)، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (المائدة: 69).
الثالث: المحسنون الذين أسلموا وجوههم لله:
من أسلم وجهه لله تعالى وأحسن في عبادة ربه وطاعته فإنه يفوز بالأجر من عند ربه سبحانه، ويحصل على الأمن من الخوف والحزن، قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 112).
الرابع: المنفقون في سبيل الله مِنْ غير مَنٍّ ولا أذى:
من انتصر على مشاعر الاستعلاء والغرور فإنه ينفق ماله في سبيل الله من غير أن يلفت أنظار الناس إليه أو يؤذي من يعطيه بأي صورة من صور الأذى؛ فهو الفائز بالأمن من الخوف والحزن، حيث قال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 262).
الخامس: المداومون على الإنفاق في سبيل الله:
وعد الله تعالى بالأمن من الخوف والحزن مَن يداومون على الإنفاق مما أعطاهم الله تعالى من أنواع الأموال، ولا يمنعهم من الإنفاق مانع من ليل أو نهار أو سر أو علانية، قال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 274).
السادس: المؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة:
أخبر الله تعالى أن الذين يضمون إلى إيمانهم بالله حسن العبادة وأداء الفرائض التي أُمروا بها يفوزون بالأمن التام من الخوف والحزن، حيث قال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 277).
السابع: الشهداء الذين قُتِلوا في سبيل الله:
من أعظم المخاوف التي يتعرض لها الإنسان خوفه على نفسه من الموت أو القتل؛ لذا فإن الجبناء يحجمون عن الجهاد في سبيل الله، وقد وعد الله تعالى الذين يجاهدون في سبيل فيموتون في ميدان القتال بالأمن من الخوف والفزع، وهما أعظم مطالب الإنسان، وفي هذا يقول تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (آل عمران).
الثامن: المؤمنون المصلحون:
إن مهمة الرسل الذين بعثهم الله تعالى إلى الناس أن يقوموا بالدعوة إلى الله تعالى من خلال التبشير والإنذار، بقصد إيصال الناس إلى الإيمان بالله تعالى وإصلاح شؤون حياتهم بهذا المنهج الرباني الكريم، وقد قام الرسل بمهمتهم خير قيام، ومن قام بهذه المهمة من أتباعهم فله عند ربه أن يفوز بالأمن من الخوف والحزن، حيث قال تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأنعام: 48).
التاسع: المتقون المصلحون:
من مهام رسل الله تعالى أن يقوموا بتلاوة ما أنزل الله على خلقه، بقصد هدايتهم إلى الصراط المستقيم، فمن اهتدى بهديه وأصلح في حياته فإنه يأمن من الخوف والحزن، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأعراف: 35)، كما وعد الله سبحانه المتقين بالنجاة من الخوف والحزن في قوله تعالى: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر: 61).
العاشر: المؤمنون الضعفاء الذين أقسم المجرمون أنهم لن يدخلوا الجنة:
قال القرطبي: وبّخ الله تعالى المجرمين الذين أقسموا أن الله تعالى لن يدخل المؤمنين الضعفاء الجنة ولا ينالهم في الآخرة برحمته، فأنزل فيهم قوله: (وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ {48} أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ) (الأعراف).
الحادي عشر: المؤمنون المتقون:
وهب الله تعالى أولياءه الذين آمنوا به واتقوه أن ينجيهم من الخوف والحزن، فقال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {62} الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) (يونس).
الثاني عشر: المسلمون المؤمنون بآيات الله:
لقد أمّن الله سبحانه من الخوف والحزن كل من أسلم وجهه لله تعالى وآمن بما أنزله من آيات بينات، فكان ذلك سبيلاً إلى هدايته واستقامته، حيث قال تعالى: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ {68} الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) (الزخرف).
الثالث عشر: المؤمنون الذين استقاموا:
من حقق شرط الإيمان بالله تعالى ثم ضم إليه الاستقامة على طريقه المستقيم فإنه يفوز بالأمن من الخوف والحزن، حيث قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأحقاف: 13)، وفي التأكيد على ضم الاستقامة إلى الإيمان روى الإمام مسلم في صحيحه عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا غَيْرَكَ، قالَ: «قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ».