من يفهم معركة «طوفان الأقصى» ودوافعها، ولماذا فكر السنوار ورجال الأنفاق فيها، سيفقه ما التطبيع وحقيقته وتصاعده في المغرب خصوصاً بشكل خطير، حين نفهم أسباب المعركة سنفقه مفهوم «النهضة» عند بنيامين نتنياهو، ثم مفهوم «حرب القيامة» في عقله، ومفهوم «إعادة النظام في المنطقة» بنظرة الاحتلال ومفهوم الاندماج الكامل مع الأنظمة بفهم الإدارة الأمريكية، ومفهوم اختصار المعركة مع الأمة في عقل الأحزاب الدينية الصهيونية.
حين نفقه ما غائية السنوار سنفهم ما سبب انتقال الاحتلال بعد «طوفان الأقصى» وضربة أكتوبر إلى عنوان جديد هو إعادة النظام في المنطقة، سنعلم جيداً أن «إعادة النظام» وتحقيق «حرب القيامة» كلها مصطلحات وأهداف لا من أجل تصفية جبهات الإسناد ومحور المقاومة فحسب، بل هدفها كذلك تصفية كل المنطقة وكل الشعوب العربية والإسلامية والقوى الحية المهددة للكيانات الصغرى العربية.
الاحتلال وصل إلى ذروة الانحشار، بعد توالي الضربات عليه من كمائن غزة، فضلاً إلى تهديد آخر وهي تحركات شعبية لإسقاط التطبيع والرواية الصهيونية في المنطقة؛ ما يضعف الصهيونية في المنطقة ويكسر جناحها التطبيعي الذي يحرس الأنظمة من السقوط، هذا الاهتراء في التطبيع لن يعززه إلا مشروع إعادة نظام المنطقة وترميم التطبيع وتقوية الأنظمة، فضلاً عن استدعاء طرف ثالث وهو المشروع الغربي الصليبي بقلبه الفرنسي لتعزيز الترميم التطبيعي.
سؤال بعد فشل «صفقة القرن»
السؤال هنا: هل بعد فشل إستراتيجية «صفقة القرن» والتطبيع مع الأنظمة لتصفية الشعوب، ستجنح الصهيونية في الشعوب العربية والإسلامية إلى توظيف طرف معين ثالث، وهو الغرب، وأمهم فرنسا، لتثبيت مشاريع التطبيع ومشاريع الصهيونية؟
هل حقاً بعد تزعزع الكيان الصهيوني من مكانه في فلسطين بفضل «سيف القدس»، و«طوفان الأقصى»، تحركت القوى المتطرفة الصهيونية والغرب وأمريكا بهدف تثبيت الخنجر الصهيوني وهو الكيان في مكانه، بعد زرع «وعد بلفور» دام لعقود؟ ثم هل بعد تزعزع مشروع الصهيونية في المنطقة وهو التطبيع من مكانه كخنجر ثان بسبب «طوفان الأقصى» وحراك الشعوب لإسقاط التطبيع، سيفضي ذلك إلى تدخل طرف ثالث وهو الغرب، بعد اهتراء تنسيق التطبيع بين الطرف الأول (العربي) والثاني (المطبع الصهيوني المخترق للبلد)؟
استهداف المغرب
إذن المشروع الصهيوني العالمي والغربي ومن أجل تنزيل هذا المشروع الترميمي للتطبيع، هل سيستهدف المنطقة العربية الأحوج للتطبيع بتوظيف الطرف الثالث الغربي خصوصاً الفرنسي؟ وإذا كان المغرب أول بلد صفع الصهيونية والتطبيع بأكبر صفعة بأكثر من 6 آلاف مسيرة ووقفة حركت الشارع وأبطلت مشاريعهم، هل سيكون المغاربة أول المستهدفين بحضور طرف ثالث من الغرب وهو فرنسا لتشكيل شلة استبدادية مخزنية وصهيونية وفرنسية، لمنع التطورات المغربية في الشارع والوعي المغربي لنصرة غزة وإبطال مشاريع التطبيع بسبب تغيرات في صالح الشعب ترصدها المراكز الفرنسية والأمريكية و«الإسرائيلية»؟
هل سيكون المغرب أول المستهدفين باستراتيجية إعادة النظام للمنطقة خصوصاً أن المغرب بات، حسب تقديرهم، من أقوى الشعوب التي أربكت اتفاقيات كادت تضر أكثر بـ«طوفان الأقصى» والمقاومة لو أنجزت، بل كاد المغرب أن يصبح ملاذاً جغرافياً كبيراً للصهاينة والجنود والمستوطنين؟
6 أسئلة لفهم سياق الزيارة
الأول: هل زيارة ماكرون يمكننا فهمها ضمن سياق «طوفان الأقصى» ومشروع إعادة نظام المنطقة الذي تحدث عنه نتنياهو أم خارج السياق؟
الثاني: هل تعلم أن ماكرون نافح عن الكيان الصهيوني داخل قبة البرلمان، بل ولم يجرؤ قط أحد من النواب المغاربة شيطنة «طوفان الأقصى» ورجالها؟ وكأن خطاب ماكرون (دعماً لسردية نتنياهو) جاء منقذاً لمشروع التطبيع وسرديته الصهيونية التي باتت تعيش الانهيار، مع تصاعد انتصارات الشعب المغربي الذي أعاد القرار للشارع ويدعو إلى إسقاط التطبيع الذي جاء لوظيفة مصيرية وهي تقوية النظام المغربي بعد فشله في إضعاف الشعب المغربي.
أليست تصريحات وخطابات ماكرون في البرلمان المغربي ذوداً ودفاعاً عن الكيان الصهيوني، جاءت لترميم الرواية الصهيونية التي انهارت في المغرب بعد 6 آلاف مسيرة ووقفة مغربية لغزة، أسقطت كل ادعاءات التطبيع، مسيرات ووقفات لم ترصدها قوى الاستكبار العالمي الصهيوني والغربي في بلد قط؟
المحتل القديم الفرنسي جاء منقذاً للمحتل الجديد الصهيوني للمغرب، ولم يفقه المحتلان أن العدو المواجه هو الشعب المغربي الأصيل، الذي واجه الفرنسي والإسباني بقوة عبدالكريم الخطابي والحركة الوطنية المغربية، بل هذا الشعب المغربي نفسه هو الذي ناصر الشعب الفلسطيني منذ عام 1929م بعد «ثورة البراق» وتهديد حارة المغاربة، وهو الشعب الذي واجه الاحتلال الفرنسي والإسباني بإعداد قادة مغاربة في مدرسة النجاح الفلسطينية لتخريج رواد الحركة الوطنية المغربية بفضل الله وفضل أبي الحركة الوطنية عبدالسلام بنونة، ومحمد داود، رحمهما الله.
وهو الشعب الذي ناصر غزة بكتيبة غزة لعبدالكريم الخطابي في عام 1948م برجال كأحمد الطود الهاشمي من القصر الكبير، وبن صبيح التطواني، والمكناسي، رحمهم الله، كتيبة شاركت في مواجهة الاحتلال البريطاني وعصابات «الهاجانا» في تصفية غزة في عام 1948م.
الثالث: ألا يمكن تجاوز مقاربة غائية وهدفية زيارة ماكرون المغرب وهي تخفيض المناكفات السياسية بين فرنسا والمغرب، إلى غائية وهدف فرنسي هو إكمال مشروع صهيوني؛ وهو إعادة النظام في المنطقة المغاربية خصوصاً المغرب، نيابة عن الاستكبار العالمي الصهيوني والأمريكي الذي عجز عن إعادة نظام تربية الشعب المغربي ولو بموازين وعيون ماسونية وفساد وخطة «أبراهام» وتطبيع متعدد الجبهات؟
الرابع: ألا يمكن ربط وظيفة حضور فرنسا للمغرب (من أجل تنزيل مشروع إعادة النظام) بسياق خطاب نتياهو مؤخراً (زوال «إسرائيل» هو تهديد للمنطقة والحضارة الغربية) فبات واجباً وحتمياً تحرك فرنسا التي تشكل عمق الغرب وقلبه؟
هل فقهت فرنسا تصريح نتنياهو فسارعت العون بإعادة النظام في المنطقة بعد فشل مشروع الدمج بمفهوم بايدن، خصوصاً في أشد الشعوب قوة وحضوراً ووعياً وهو المغرب؟
الخامس: هل حضور فرنسا كوتد من أوتاد المشروع الاستكبار العالمي للمغرب، هو لتعزيز تطبيع بات هشاً ويحتاج إلى إنقاذ وتقوية وإنعاش بعد فشل التطبيع في وظيفته لتدجين الشعب المغربي؟ هل حضور فرنسا بهذا الشكل والتصريح والخطاب من البرلمان هو لطمأنة الصهاينة واللوبي الصهيوني في المغرب بعد إحساسهم بفشل مشروعهم التطبيعي بسبب قوة المسيرات والشارع؟
السادس: هل يمكن أن نفهم أن العقدة في خلدهم هي الشعب المغربي وقواه الحية؟ هل يمكن أن نفهم أن المغاربة تكالبت عليهم ثلاث قوى بتدرج لإضعافهم:
1- النظام المغربي فشل في تصفية الشعب المغربي وتدجينه وظهرت قوته بعد «ثورات الربيع العربي»، والمونديال، و«سيف القدس».
2- ثم تم استدعاء التطبيع الصهيوني بعد مرحلة «الربيع العربي» كخبير في التصفيات للشعوب لتصفية وإنهاك واختراق الشعب المغربي بعد اتفاق بن شابات، إلى حد إخراج العين الماسونية في موازين حقداً وخنقاً لإظهار قوة الصهيونية في المغرب بعد إحراجها في مسيرات ضد التطبيع وصلت إلى 6 آلاف وقفة ومسيرة، ففشل التنسيق الموحد بين الصهيونية والنظام المغربي بفضل حراك «طوفان الأقصى».
3- فهل يأتي طرف ثالث لإنقاذ التنسيق المخزني والتطبيعي لإعادة صياغة الشعب المغربي وإضعافه، تنفيذاً لتوصيات نتنياهو الأب الروحي للغرب بإعادة نظام المنطقة؟