تُعتبر الأحداث الجارية في شمال غزة تجسيدًا حقيقيًا للأزمات المعقدة التي تواجه الشعب الفلسطيني في سياق خطة «أبراهام» التي أُعلنت عام 2020.
منذ أكثر من عام، يعيش سكان غزة تحت وطأة حرب إبادة وتهجير قسري، وهو ما يبرز البعد الإنساني المأساوي للصراع، ويكشف عن مدى تأثير السياسات «الإسرائيلية» على مستقبل المنطقة.
تعود جذور خطة «أبراهام» إلى رغبة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في إعادة تشكيل العلاقات في الشرق الأوسط من خلال تطبيع العلاقات بين الكيان وعدد من الدول العربية.
ومع أن هذه الخطة قد نُظمت تحت شعار تعزيز السلام والأمن الإقليمي، فإن تأثيراتها السلبية على القضية الفلسطينية بدأت تتجلى بشكل واضح، فبدلاً من أن تفتح هذه الخطة آفاقًا جديدة لتحقيق السلام، شهدنا تصاعدًا في أعمال العنف والاعتداءات «الإسرائيلية»، وخاصة ضد السكان الفلسطينيين في غزة، فالتطبيع الذي شهدته بعض الدول العربية لم يساهم في دعم حقوق الفلسطينيين، بل زاد من الشعور بالتهميش والاستبعاد الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، حيث أُسقطت قضاياهم الأساسية من النقاشات الإقليمية.
تتضح هذه التأثيرات في تصعيد الأوضاع الإنسانية المروعة في غزة، حيث يعيش أكثر من 80% من السكان في حالة انعدام للأمن الغذائي، وتفشي معدلات البطالة التي تتجاوز 50%، وقد أُعيد تدمير البنية التحتية؛ مما يجعل الحياة اليومية فيها جحيمًا، تعتبر التقارير الدولية صدى لصوت المعاناة الفلسطينية، حيث تُظهر أن الوضع في غزة يتطلب تدخلًا دوليًا عاجلاً.
يظهر أيضًا كيف أن الأوضاع في غزة ليست مجرد أزمة عابرة، بل هي نتيجة لسياسات استهداف ممنهجة تهدف إلى تفريغ المنطقة من سكانها الأصليين، إذ يُعتبر العدوان المستمر على غزة جزءًا من إستراتيجية «إسرائيل» الأوسع للتوسع على حساب الحقوق الفلسطينية، تسعى هذه السياسات إلى تعزيز الاحتلال والهيمنة الصهيونية على الأراضي الفلسطينية، وتفكيك أواصر الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين الفلسطينيين.
علاوة على ذلك، يأتي مشروع «قناة بن غوريون» المقترح كدليل إضافي على النوايا التوسعية «الإسرائيلية» في المنطقة، يهدف هذا المشروع إلى إنشاء قناة مائية تربط بين البحر الأبيض المتوسط وخليج العقبة؛ ما يمنح «إسرائيل» سيطرة أكبر على الموارد المائية، وهذا يثير مخاوف جدية من أن مثل هذه المشاريع ستؤدي إلى مزيد من التهجير القسري للفلسطينيين، حيث يُستخدم الماء كأداة للضغط والسيطرة.
وعلى الصعيد الإنساني، يظل الوضع في غزة على شفير كارثة، فالتقارير تشير إلى أن الوكالات الإنسانية تواجه صعوبات كبيرة في تقديم المساعدات بسبب القيود المفروضة على دخول الإمدادات؛ الأمر الذي يجعل الوضع الإنساني في القطاع يتدهور بشكل يومي، حيث إن انعدام الأمن الغذائي ونقص المياه والكهرباء يظهر أبعاد الأزمة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة، مما يتطلب استجابة دولية عاجلة وفعالة.
إن التعقيدات التي يشهدها الصراع في غزة تؤكد الحاجة الملحة إلى دعم قوي من الدول العربية والمجتمع الدولي لقضية الفلسطينيين، ينبغي أن يتم تجاوز شعارات التضامن إلى خطوات فعلية تشمل الضغط على «إسرائيل» للامتثال للقوانين الدولية، يتطلب ذلك توحيد الجهود بين الفصائل الفلسطينية وتعزيز المشاركة الشعبية، لتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني في الحرية والعدالة.
المقاومة الشعبية في غزة مؤشر على روح النضال التي لا تزال حية، يتجلى ذلك من خلال الاحتجاجات والمظاهرات التي تعبر عن الإرادة القوية للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، لكن، لتحقيق أهدافهم، يتوجب على الفلسطينيين توحيد صفوفهم وتنظيم جهودهم بشكل إستراتيجي، مع التركيز على تعزيز الحوار والتعاون مع القوى العربية والدولية، ودعم المجتمع الدولي لفلسطين يجب أن يكون ملموسًا، بحيث يتم توظيف الجهود الدبلوماسية في تعزيز حقوق الفلسطينيين ومواجهة سياسات الاحتلال القمعية.
تتطلب الأحداث الجارية في غزة استجابة عاجلة من المجتمع الدولي، فالفشل في اتخاذ إجراءات فعّالة لن يُسهم فقط في استمرار المعاناة، بل قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع، لذلك، يجب أن يُنظر إلى القضية الفلسطينية كإحدى أولويات السياسة الدولية، لا سيما في ظل الأزمات المتزايدة التي يواجهها الشعب الفلسطيني.
تبقى الأحداث في شمال غزة تجسيدًا حيًا لمعاناة الشعب الفلسطيني، الذي يواجه أشرس التحديات في ظل خطة «أبراهام» والحرب المستمرة، والأمل في تحقيق العدالة يتطلب جهدًا جماعيًا من جميع الأطراف، حيث إن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، بل سيظل متمسكًا بحقوقه وتاريخه، والتوجه نحو الوحدة بين الفصائل الفلسطينية، وتعزيز الحوار مع الدول العربية السبيل الوحيد لتحقيق الأمل في الحرية والاستقلال.
على الرغم من الظروف الصعبة، يبقى صوت الفلسطينيين قويًا، ويعبر عن التحدي والإرادة في مواجهة الاحتلال، فتعزيز التضامن العربي والدولي مع القضية الفلسطينية، وتحقيق استجابة فعالة للأزمات الإنسانية في غزة، سيبقى محورًا أساسيًا في مسار النضال الفلسطيني، ومن هنا، يجب أن نتذكر دائمًا أن الدعم الفعلي للقضية الفلسطينية لن يكون مجرد كلمات، بل يتطلب خطوات عملية تعكس الالتزام الحقيقي بحقوق الشعب الفلسطيني.
والالتزام بحل القضية الفلسطينية يتطلب رؤية إستراتيجية تتجاوز تطبيع العلاقات، وتضع حقوق الفلسطينيين في مقدمة الأولويات، وعندما يُعزز التضامن العربي والدولي مع فلسطين، سيكون هناك أمل أكبر في تحقيق السلام العادل والشامل الذي ينشده الشعب الفلسطيني، ويستحقه.