لا شيء أكثر مرارة من شعور المظلوم حين يعجز عن دفع الظلم عن نفسه ضعفاً أو عجزاً، فهو ناقم على المجتمع الذي سمح للظالم أن يظلمه، وناقم على الظالم، وناقم على نفسه في بعض الأحيان.
فخطورة الظلم ليس لوقعه على المظلوم وحده، وإنما عواقب الظلم تمتد للمجتمع لتغرس فيه الكراهية بين أفراده، وتغرس الخوف والضعف والعجز الذي لا يليق بالمجتمع المسلم.
ولذلك، فمن أكثر الجرائم التي حذر الله عز وجل ورسوله منها هو الظلم، أو التعدي على حقوق الغير من أموال أو أعراض أو نفس.
تحريم الظلم
شدد القرآن على مسألة الظلم وربطه بالكفر وحتمية الهلاك فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود: 102)، وقال تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمةٌ فَهِيَ خَاوِيةٌ علَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (الحج: 45)، ويقول تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ علَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) (الفرقان: 27)، ويقول عز من قائل: (لَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (هود: 113)، وقولُه تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ {42} مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) (ابراهيم).
وعن عَبدِاللهِ بنِ عُمَرَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «المُسلمُ أخو المُسلمِ، لا يَظلِمُه، ولا يُسلِمُه، ومَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجَتِه، ومَن فرَّج عن مُسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ عنه كُربةً مِن كُرُباتِ يومِ القيامةِ، ومَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَه اللهُ يومَ القيامةِ» (أخرجه البخاري)، وعن أبي هُرَيرةَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «من كانت عِندَه مَظلَمةٌ لأخيه فلْيتَحَلَّلْه منها، فإنَّه ليس ثَمَّ دينارٌ ولا دِرهَمٌ، مِن قَبلِ أن يُؤخَذَ لأخيه مِن حَسَناتِه، فإنْ لم يكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ أخيه، فطُرِحَت عليه» (رواه البخاري).
وعن أبي ذر الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا» (رواه مسلم).
أنواع الظلم
أولاً: الظلم في حق الله تعالى:
الظلم في حق الله تعالى هو الشرك به، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد، فيقول سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) (النساء: 116)، وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يدعو لله نِدًّا دخل النار» (رواه البخاري).
ثانياً: ظلم الإنسان نفسه:
ليس أكثر من أن يظلم الإنسان نفسه بالذنوب والمعاصي، وأن يهلكها صاحبها بما يغضب الله ويصرف عنه رحمته سبحان، ومن رحمة الله بالمسلم أن فتح باب التوبة والتكفير عن الذنوب بالأعمال الصالحة، وجعل المرض والابتلاءات مكفرات لها.
ثالثاً: ظلم الإنسان للغير:
المظالم التي تقع في حق العباد بأي شكل من أشكال التعدي على حقوقه؛ معنوية أو مادية، وفيها يقول صلى الله عليه وسلم: «لتُؤدُّنَّ الحقوق قبل أن يأتي يومٌ لا درهمَ فيه ولا دينار، إنما هي الحسناتُ والسيئات، يُعطَى المظلومُ من حسنات الظالم، فإن لم يكن للظالم حسنات أُخِذ من سيئات المظلوم ووُضِعت على المظلوم ثم طُرِح في النار» (صحيح البخاري).
عواقب الظلم
1- عدم هداية الله للظالمين:
كثير من المسلمين يقع منه الذنب رغماً عنه لضعف نفسه، أو غلبة الذنب عليه، لكنه يظل متعلقاً بالله أن يحن خاتمته ويغفر ذنبه، ويتجاوز عنه لضعفه، لكن الله عز وجل يغفر الذنب إلا بشروط، ففيما يتعلق بالشرك به سبحانه، فيقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا) (النساء: 48)، ويقول تعالى: (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) (المائدة: 51).
2- الظالم ملعون من الله:
اللعنة هي الطرد من رحمة الله تعالى، فماذا يتبقى للمسلم بعد أن يحرم من رحمته سبحانه وهو لن يدخل الجنة إلا بتلك الرحمة مهما بلغت أعماله الصالحة، فيقول تعالى: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر: 52).
3- تصيبه دعوة المظلوم في أي وقت:
إذا كان الظالم قادراً على توقيع الظلم على المظلوم الذي لا يستطيع دفع الظلم عن نفسه، فهو يملك من الأدعية ما تزلزل له السماء، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» (أخرجه البخاري).
4- سبب خراب العمران(1):
انتشار الظلم بالمجتمع لا يفسد الظالم والمظلوم فقط، وإنا هو كالآفة ينتشر بين لبنات المجتمع فيشعل فيها الكراهية والخراب ويقطع لحمة المجتمع المسلم التي بنيت على التواد والتراحم، فيقول تعالى: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ) (الحج: 45)، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود: 102).
5- يتسبب بنشر الفوضى في المجتمعات:
تعم الفوضى، ويرفع الأمن من بين البسطاء، فيقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (الأنعام: 82).
6- يعم البلاء على الجميع:
قد يقول قائل، إذا كان الظلم يرتد إلى أصحابه، فلماذا يبتلى المظلوم مثله؟! والجواب أن الظلم اختبار للظالم والمظلوم على السواء، فعلى المظلوم ألا يستسلم، وعليه مقاومة الظلم والدفاع عن حقه، وعلى من يرى الظلم أن يدفعه حتى لا يدفع الجميع الثمن، فإن واجهه وعجز فتلك معذرته أمام ربه لتبرئة نفسه من تبعات الظلم، فيقول تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {50} فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ {51} فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (النمل).
7- عاقبته النار:
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (رواه البخاري، ومسلم).
8- يُحرم الظالم من الشفاعة:
يقول الله تعالى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) (غافر: 18).
9- الظالم لا يفلح أبداً ولا يُصلح الله له عملاً:
يقول الله تعالى: (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام: 21)، ويقول سبحانه: (فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس: 81).
10- انتزاع البركة من حياة الظالم والمحيطين به:
البركة تأتي من دعاء المستضعفين وقرب الإنسان من ربه، والظالم أبعد ما يكون من تلك الخصال، فحياته ضنك وإن بدا للناس غير ذلك، تجد سوء عمله في أخلاق أبنائه وزوجته وصحته، وأكثر ما يخيف أن يمد الله للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته.
___________________
(1) ابن خلدون في مقدمته.