الضجة الكبيرة التي سبقت نشر كتاب “الحرب” للصحفي الأمريكي الشهير بوب وودوارد، والضجة الأكبر التي أعقبت نشرة، لم يكن لهما في نظري أي مبرر حقيقي سوى كون مؤلف الكتاب من أشهر الكتاب في الولايات المتحدة الأمريكية.. لم أجد في الكتاب شيئاً مما يمكث في الأرض وينفع الناس، وإنما وجدت غياباً للمهنية الإعلامية، وسقوطا مريعاً في أوحال التحيز، وسرداً مملاً في كثير من الأحيان لأحداث هامشية وحوارات مع مسؤولين أمريكيين لا قيمة لها على الإطلاق سوى تلميع صورة أولئك المسؤولين.
لن أتطرق في هذه المقالة لكل ما ورد في الكتاب، فكثير منه غثاء، وإنما سأركز على مناقشة ما ورد فيه عن المملكة العربية السعودية، وعلى فضح ما تضمنه من تصهين وانحياز كامل للرواية الصهيونية.
على عكس ما روج له أعداء المملكة، ليس في الكتاب إذا استثنينا كذبة سخيفة وعبارة تافهة (سأبين حقيقتهما فيما بعد)، ما يسييء إلى المملكة العربية السعودية أو إلى أحد من مسؤوليها، وإنما وجدت كثيراً مما ورد فيه مشرفاً ومدعاةً للفخر والاعتزاز مع يقيني أن الكاتب لم يخطط لذلك وربما لم يرده.
من أهم الانطباعات التي خرجت بها بعد قراءة الكتاب ثلاثة انطباعات رئيسة. الأول هو أن من الواضح أن من أهداف الكتاب الإسهام في إضعاف موقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في الانتخابات الأمريكية وترجيح كفة منافسته نائبة الرئيس كامالا هاريس، والثاني تبرئة الرئيس الأمريكي جو بايدن ومستشاريه ومعاونيه الصهاينة الذين أداروا السياسة الأمريكية بعد أحداث طوفان الأقصى وغسل أيديهم الملطخة بدماء حرب الإبادة التي ارتكبها الصهاينة في غزة وإظهارهم في صورة أبطال حريصين على احتواء تداعيات الحرب، والثالث دعم وترويج الرواية الصهيونية الكاذبة لما جرى يوم السابع من أكتوبر من عام ٢٠٢٣م.
الكتاب متواضع جداً من حيث صياغته، ومبعثر وغير متناسق في هيكلته وترتيب فصوله، ويفتقر إلى الحد الأدنى من المهنية الإعلامية في معظم مضامينه وطريقة سرده للأحداث. في مراجعته للكتاب التي نشرها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بتاريخ 21 أكتوبر 2024 كتب سيمون هندرسون الزميل الأقدم في برنامج الزمالة “بيكر” ومدير برنامج برنشتاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، المتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج العربي ما نصه: “إنه أسلوب وودوارد معروف ويمكن القول إنه فريد من نوعه. وكما يوضح هو نفسه: “لقد أجريت جميع المقابلات لهذا الكتاب وفقًا للقاعدة الأساسية للصحافي وهي “الخلفية العميقة”. وهذا يعني أنه يمكن استخدام جميع المعلومات ولكنني لن أقول من قدمها”. ويُترَك القارئ ليتأمل لماذا قالت المصادر ما أخبرت به وودوارد؟. وأيضًا، لماذا صدّق وودوارد كل ما قيل له؟ بعد كل شيء، هناك قاعدة أساسية أخرى للصحافي وهي عدم السماح لنفسك بالتلاعب من قبل مصادرك”. وقال عنه الصحافي فريد كابلان مؤلف كتاب “سحرة معركة هرمجدون” وكتاب “القنبلة” الشهيرين صاحب المقال الأسبوعي في مجلة Slate الإلكترونية واسعة الانتشار ما نصه: “يحتوي الكتاب على كل العلامات التجارية المألوفة لوودوارد – الروايات مجهولة المصدر عن الاجتماعات السرية للغاية، والحوار المليء بالشتائم (كما لو كانت تسمعه ذبابة على الحائط)”. وأقول: إن خلاصة ما قاله الكاتبان هو إن بوب وودوارد تمترس بقاعدة “الخلفية العميقة” ليسرح بخياله وليقول وأحياناً ليفتري ما يشاء دون الإفصاح عن مصادر أقواله وافتراءاته، ودون أن يكترث ولو بالحد الأدنى من الموضوعية والمهنية الإعلامية، وهذا ما حدا بستيفن تشيونج، مدير الاتصالات في حملة الرئيس السابق ترامب ليقول في تعليقه على الكتاب: “لا شيء من هذه القصص التي اخترعها بوب وودوارد حقيقية، وهي من عمل رجل مجنون ومختل عقليًا يعاني من حالة منهكة من متلازمة اضطراب ترامب. وودوارد رجل غاضب صغير ومن الواضح أنه منزعج لأن الرئيس ترامب يقاضيه بنجاح بسبب النشر غير المصرح به للتسجيلات التي سجلها سابقًا، لم يمنحه الرئيس ترامب أي حق الوصول إلى هذا الكتاب التافه الذي ينتمي إما إلى سلة المهملات في قسم الروايات في مكتبة بيع الكتب المخفضة أو يُستخدم كمناديل حمام، وودوارد شخص فاسد تمامًا فقد عقله، وهو بطيء وخامل وغير كفء وهو بشكل عام ممل وبلا شخصية”.
فيما يتعلق بما تضمنه الكتاب عن المملكة العربية السعودية، كانت المهنية الإعلامية تقتضي ألا يكتفي وودوارد بروايات من يدعي أنهم زودوه بالمعلومات والروايات، وإنما كان الواجب أن يتحقق من مدى صحتها ودقتها من مصادرها الأصلية في المملكة، وهو ما لم يفعله.
من أوضح ما يظهر مدى غياب المهنية الإعلامية في الكتاب ادعاء وودوارد أن المملكة فتحت أجواءها للطيران الحربي الأمريكي للتصدي للصواريخ والمسيرات التي أطلقتها إيران على “إسرائيل”، فقد اعتمد على رواية مجهولة المصدر مضامينها أشبه بالفيلم الهندي الرديء الإخراج، ففي الفصل الثامن والخمسين يقول وودوارد ما نصه: “أبلغ رئيس الدفاع السعودي الجنرال كوريلا بأن الولايات المتحدة لا تستطيع دخول الأجواء السعودية حتى الآن لأنه لم يحصل على موافقة ولي العهد وأخيه. أرسل ماكغورك رسالة إلى ولي العهد: “الهجوم جاړ. نحتاج إلى الوصول إلى مجالك الجوي. الرجاء إعطاء الأمر لرئيس دفاعك”. ابتداءً ليس في المملكة منصب اسمه رئيس الدفاع السعودي، وإنما هناك وزير للدفاع وهو بالتأكيد غير من أشار إليه وودوارد فهو أخ ولي العهد الذي من المفترض أن يطلب الإذن منه!، وثانياً إن من المضحك أن يتصور أحد أن طلب استخدام أجواء دولة يكون في اللحظة نفسها التي يراد استخدام الأجواء فيها وعن طريق مخاطبة مسؤول عسكري وليس بالطرق الدبلوماسية المتعارف عليها في مثل هذه الحالات. وإن من المضحك بل والمثير للشفقة تصور أن يكون جواب مسؤول عسكري على طلب دخول طيران أجنبي أجواء المملكة بالصيغة المضحكة التي رواها وودوارد، وقبل ذلك كله وبعده إن كل من لديه حد أدنى من المعرفة بالبروتوكولات والأعراف الدبلوماسية يعلم أن من المستحيل أن يتصل مسؤول عسكري أمريكي من الصف الثالث وربما الرابع بولي العهد مباشرة دع عنك أن يكون ذلك بالصيغة التي ادعاها وودوارد. وقبل ذلك كله وبعده فإن كل متابع يعلم أن المملكة أعلنت مراراً وتكراراُ أنها لن تسمح باستخدام أجوائها في أي مواجهات بين إيران وإسرائيل، ولو حصل فعلاً شيء من ذلك لملأت إيران وأتباعها الدنيا صراخاً واحتجاجاً وهو ما لم يحدث على الإطلاق. إنه باختصار الانعدام الكامل للمهنية الإعلامية.
في موقع آخر من الكتاب يدّعي وودوارد أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعبارة رديئة لأن ولي العهد لم يقابله على الرغم من مرور وقت طويل وهو ينتظر في الفندق الذي كان يسكن فيه في الرياض. نفي أو إثبات ما قاله وودوارد في هذه المسألة غير ممكن إلا من مصادره الأولية وهذا ما لم يشر إليه وودوارد، لكن الأمر المؤكد هو إنه في حال صحت الرواية فإنها دليل على أن ولي العهد السعودي يعامل أمريكا بندية تامة وأنه لم يكن متلهفاً لمقابلة وزير خارجيتها، بل إن موقفه يتضمن رسالة بعدم الرضى السعودي عن المواقف الأمريكية من غزة، والأهم من ذلك أن بذاءة بلينكن (إن صحت الرواية) ما هي إلا ردة فعل طفولية على إهماله وعدم الاكتراث به من قبل ولي العهد السعودي.
من ضمن الحوارات التي نقلها وودوارد عن مصدر من مصادرها الأصلية ما رواه عن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي البارز لندزي غراهام حين قال: “استمر السيناتور غراهام في الضغط على محمد بن سلمان بشأن محادثات معاهدة تطبيع سعودية مع “إسرائيل”، قال غراهام: إذا كنت تريد الاعتراف بإسرائيل، عليك أن تفعل ذلك في عهد بايدن لن تتمكن من الحصول على دعم الديمقراطيين للتصويت على اتفاقية دفاع تقدمها إدارة ترامب لخوض حرب مع السعودية.
كان الطعم الذي استمرت الولايات المتحدة في عرضه أمام محمد بن سلمان هو احتمال اتفاقية تعاون دفاعي ثنائي جادة مع الولايات المتحدة، وكان ذلك يعني أنه في حال تعرضت السعودية لهجوم، فإن الولايات المتحدة ستدافع عنها. ذكر غراهام محمد بن سلمان قائلاً: إنها صفقة ضخمة للغاية، إنها بوليصة تأمين ضد إيران. إنها بمثابة كش ملك ضد إيران. أشار محمد بن سلمان إلى الغضب في شوارع بلاده بسبب الوضع في غزة. وقال إنه لا يمكنه توقيع معاهدة مع “إسرائيل” ما لم يكن هناك التزام بالسير نحو دولة فلسطينية”.
موقف مبدئي ومشرف ومتناغم مع ثوابت المملكة التاريخية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية دون أدنى شك. ولا أدري كم من الحكام العرب كان يمكن أن يصمد ويتخذ مثل هذا الموقف في ظل الضغوط الممارسة والعروض المغرية التي كانت معروضة.
في فصل آخر من الكتاب يقول وودوارد: “كانت الولايات المتحدة تقترب أيضًا من إنهاء اتفاقياتها الخاصة مع السعوديين بشأن التعاون الدفاعي والطاقة النووية المدنية حتى يتمكن السعوديون من تطوير صناعتهم النووية، وأيضا خطة اقتصادية. قال بلينكن: إذا انتهينا من اتفاقياتنا، ما الذي تحتاجه من إسرائيل لتحقيق التطبيع فعليا ؟، أجاب محمد بن سلمان: أحتاج إلى أمرين. أحتاج إلى هدوء في غزة وأحتاج إلى مسار سياسي واضح للفلسطينيين نحو دولة”. إنه الموقف المبدئي نفسه الذي لم يتزحزح قيد أنملة.
في الفصل نفسه من الكتاب يروي وودوارد ما دار بين ولي العهد السعودي ووزير الخا جية الأمريكي بلنكن عندما ذهب الأخير لمقابلته في الرياض ومن المؤكد أن وودوارد تلقى الرواية من بلنكن نفسه، يقول وودوارد: “قال محمد بن سلمان: ٧٠% من سكان بلدي أصغر مني… ومنذ السابع من أكن بر أصبحت القضية الفلسطينية كل ما يركزون عليه، ولدي دول أخرى في العالم العربي وفي العالم الإسلامي تهتم بشدة …كان بلينكن يعلم أن محمد بن سلمان يرى نفسه قائدًا للعالم الإسلامي والعربي بأسره. قال محمد بن سلمان “لن أخون شعبي أو العالم العربي أو الإسلامي”. سأل بلينكن: هل يمكنني إخبار بيبي بذلك ؟ كان بلينكن سيسافر إلى إسرائيل بعد ذلك. أجاب محمد بن سلمان: نعم.
سأل بلينكن: بتلك الكلمات؟، أجاب محمد بن سلمان: نعم بتلك الكلمات”.
مرة أخرى إنه الموقف المبدئي الذي لم يتغير ليس تجاه الفلسطينيين وقضية فلسطين فحسب، وإنما تجاه الوطن والأمتين العربية والإسلامية. ويا له من مديح وثناء تستنطقه الأفعال قبل الأقوال على مواقف المملكة العربية السعودية المبدئية تجاه قضية القضايا بالنسبة للمملكة وللأمتين العربية والإسلامية.
خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أمريكا عام ٢٠١٦م عندما كان ولياً لولي العهد، لفتت نظري مقابلة أجرتها إحدى القنوات الفضائية الأمريكية مع الأمير فيصل بن فرحان آل سعود (الذي أصبح وزيراً للخارجيّة السعودية فيما بعد) . كان متحدثاً مؤثراً بلغة متقنة وأفكار منظمة ودبلوماسية سياسية واضحة، أرسلتُ حينها رسالة إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن طريق الواتس آب أثنيت فيها على المقابلة وأداء الأمير فيها وأنه ممن يجب الاعتناء بهم. أجابني الأمير محمد بأنه يوافقني الرأي وأنه مهتم بالأمير فيصل وأنه من ضمن أبناء الأسرة الذين بتوقع لهم دوراً كبيراً في المستقبل. لم يخب ظن الأمير محمد في الأمير فيصل فقد تولى منصب وزارة الخارجية في ظروف إقليمية ودولية صعبة وأظهر كفاءة عالية وقدرات سياسية ودبلوماسية متميزة وكسب احترام الجميع. في الفصل السادس والأربعين من الكتاب يروي وودوارد ما دار بين الأمير فيصل (وزير الخارجية السعودي) وبين وزير الخارجية الأمريكي بلينكن فيقول: “قال الأمير: “نحن قلقون بشأن تأثير عمليات إسرائيل على أمننا جميعًا. ما يأتي بعد حماس قد يكون أسوأ” (أي إن البطش “الإسرائيلي” سيولد أجيالاً فلسطينية متطرفة إلى أبعد الحدود لا تقارن بحماس).. سأل بلينكن عن دعم السعودية لإعادة إعمار غزة بعد الصراع، قال الأمير: “لن ندفع لتنظيف فوضى بيبي. إذا دمرت “إسرائيل” كل هذا، فلن ندفع لإعادة بنائه”، كان الأمير السعودي قلقًا من أنهم سيستثمرون في إعادة الإعمار، فقط ليعود الصراع وينهار كل ما بنوه”، موقف ثابت من الأمير فيصل ورؤية مستشرفة واضحة.
في آخر مؤتمر صحفي عقده الأمير فيصل قبل أيام سألته مراسلة غربية بدهاء وخبث غير مستغربين: “هل أنتم قلقون بشأن معاناة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين الآن إلى درجة اتحاد العالم العربي لاستقبال بعض من هؤلاء الفلسطينيين لاجئين؟”، ثم أضافت بدهاء وخبث لا يقلان عما سبق: “كان هناك نوع من الانتقادات حيث ربما لم يتم تخفيف العبء من قبل العالم العربي، شكراً لكم”، كان جواب الأمير جامعاً بين التعبير الواضح عن الموقف السياسي الثابت للمملكة تجاه القضية الفلسطينية، وإظهار الحنكة السياسية والقدرات الدبلوماسية للأمير، حيث أجاب: “من السهل فعل هذا عن طريق وقف القتل ورفع الحصار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية ودعم الفلسطينيين.. الفلسطينيون لا يرغبون بمغادرة أرضهم ونحن لن نشجعهم أو نرغمهم على فعل ذلك، ولن نعمل مع أي طرف لديه هذه الأجندة، الفلسطينيون لديهم الحق في أرضهم والعيش بسلام وأمان وكرامة على أرضهم وهذا ما نطالب به ونعمل على تحقيقه”.
ومرة أخرى إنه الموقف الثابت والواضح الذي لا ينكره إلا مكابر أو جاحد، ولا أجد تعبيراً عنه أفضل من بيان وزارة الخارجية في شهر فبراير الماضي بعد أن جرى لغط من قبل مسؤولين أمريكيين و”إسرائيليين” حول موقف المملكة من القضية الفلسطينية حيث كان نص البيان: “صرَّحت وزارة الخارجية، أنه فيما يتعلق بالمناقشات الجارية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية بخصوص مسار السلام العربي – “الإسرائيلي”، وفي ضوء ما ورد على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بهذا الشأن، فإن وزارة الخارجية تؤكد أن موقف المملكة العربية السعودية كان ولا يزال ثابتاً تجاه القضية الفلسطينية وضرورة حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة، كما أن المملكة أبلغت موقفها الثابت للإدارة الأمريكية أنه لن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل” ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانسحاب كافة أفراد قوات الاحتلال “الإسرائيلي” من قطاع غزة.
وتؤكد المملكة دعوتها للمجتمع الدولي – وعلى وجه الخصوص – الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي لم تعترف حتى الآن بالدولة الفلسطينية بأهمية الإسراع في الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية ليتمكن الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة وليتحقق السلام الشامل والعادل للجميع”.
أخيراً إن من أحقر ما تضمنه الكتاب وأكثره خسة ودناءة هو تبني بوب وودوارد، الصحافي المخضرم الذي يعد من أكبر وأهم أعمدة الصحافة والإعلام في الغرب، للرواية الصهيونية لما جرى في السابع من أكتوبر بحذافيرها وبأقذر نسخها. كتب شلت يمينه في الصفحتين ٢٢٤ و٢٢٥، ليس ناقلاً رواية أحد المستوطنين ولا حكاية عميل من عملاء الموساد، وإنما راوياً مباشرة بنفسه وكأنه كان حاضراً وشاهداً على الأحداث، كتب ما نصه: “كانت الساعات الأولى من الغزو عبارة عن ضباب من الفوضى والارتباك، ولكن الصورة الكاملة ظهرت مع مرور الوقت وكانت صورة رعب لا يمكن تصوره. فقد اقتحم مسلحو حماس من غزة الحدود إلى جنوب “إسرائيل”. وحطموا المعابر، وهدموا أبراج الاتصالات، وهاجموا مراكز القيادة العسكرية “الإسرائيلية” غير المنتبهة، ثم باستخدام الشاحنات الصغيرة وفانات والسيارات الجيب والدراجات النارية وحتى الطائرات الشراعية، تدفق ثلاثة آلاف من مسلحي حماس إلى مجتمعات الكيبوتس، وأحرقوا المنازل وذبحوا عائلات بأكملها، بما في ذلك الأطفال والرضع في مهودهم وأسرتهم ذات الطابقين (وشوحو فخادهم في السمنة وأكلوهم)، وكان العديد منهم لا يزالون في ملابس النوم، وكان آخرون جالسين لتناول الإفطار، وأطلقت حماس النار على “الإسرائيليين” وقطعت رؤوسهم وأحرقتهم وقطعت أوصالهم وأحرقتهم أحياء”.
لم يقدم وودوارد هذه الرواية بعد يوم أو يومين من الأحداث لنجد له عذراً بأنه استعجل واعتمد على الروايات الباطلة التي خدع بها كثير من رؤساء الدول الغربية وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي، وإنما قدمها بعد مرور أكثر من عام على الأحداث وبعد تكذيب كل تلك الروايات المختلقة من قبل جميع منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية المعتبرة، وبعد بث هيئة الإذاعة البريطانية تقريراً مفصلاً فندت فيه كل تلك الروايات الفاسدة من أساسها، بل وبعد تراجع كل زعماء الغرب عن تصديقها، هذه هي مهنية بوب وودوارد الإعلامية عارية بلا غطاء، وهذه هي حقيقة موضوعية كتابه وحقيقة تجرده، ولا غرابة في ذلك فقد كانت المهنية الإعلامية والأمانة والموضوعية القرابين التي توجب عليه نحرها في معبد الصهيونية لينال كتابه الرضى ويترقّى في سلم أكثر الكتب مبيعاً.