السلام عليكم ورحمة الله وبركاته د. يحيى، تحية تقدير لمجلتكم الموقرة وشخصكم الكريم، وجزى مجلة «المجتمع» خيراً.
بدأت مأساتي بعد تخرجي في الجامعة، تقدم لي ابن الجيران، وكم كانت فرحتي لأنني كنت أرمقه خلسة؛ لأنه كان نموذجاً للشاب المهذب المتفوق، ناهيك عن أسرته الثرية، هو الابن الوحيد لوالديه مع أربع أخوات؛ لذا أقمنا مع أسرته، زوجي يعمل مع والده، ولكنه تولى كل شؤون الأسرة عندما ساءت صحة والده، ورغم أن زوجي دمث الخلق وبه كل الصفات كزوج ما تتمناه أي زوجة، فإنني عانيت الكثير من أسرته، وهو للأسف كان يرفض التدخل لوقف إهانتهم وإيذائهم لي، قررت الطلاق رغم حبي زوجي لي وحبي له، واعتذر لي متعللاً بصلة رحمه، وكان كريماً معي كعهدي به.
عدت لبيت أهلي مطلقة مكسورة، ودارت الأيام وتقدم لي البعض، لكن أخيراً وجدت ما كنت أعتقده أنه الرجل المناسب، أنا كنت في بداية العقد الرابع، وهو في منتصف العقد الخامس، مهندس كمبيوتر، لم يسبق له الزواج، دقيق جداً في كل أمور حياته وكأنها لوحة مفاتيح كمبيوتر! يهتم بدقائق الأمور جداً، ولعل هذا هو سبب تأخر زواجه، أيضاً هو إنسان مهذب كريم مثقف دقيق ملتزم يعتني بنفسه وبمن حوله جداً، ذكي وكثير الأسئلة، كل الأحداث لديه تحت التحليل والاستنتاج بصورة ترهق المتعاملين معه، لكنه أيضاً لطيف مرح.
الحياة الخاصة لكل من الزوجين ملك له ولا يحق الاستفسار عنها.. وكل زوج مؤتمن على الحياة الزوجية
في فترة الخطوبة سألني عن تجربة زواجي، وكنت معتقدة أن حقَّ مَن يتزوجني أن يعرف عني كل شيء فأجبته، ولكن كل إجابة كانت تثير لديه عدة تساؤلات، تناولت أسئلته كل فترة حياتي منذ طفولتي ومع من كنت ألعب وكيف؟ ورغم ضيقي من طبيعة الأسئلة، فإنني اعتبرت هذا اهتماماً بي وحقاً له، ولم يكن لديَّ ما أخجل منه حتى أخفيه، كنت أُمنِّي نفسي بأن فترة الخطبة للتعارف وبعد ذلك سيغلق موضع جلسات التحقيق معي حول ماضيّ.
تزوجنا، وللأسف زادت جلسات التحقيق، وتناولت أدق حياتي الزوجية السابقة! وقد يوقظني ليلاً لأنه أصابه أرق وألحّ عليه سؤال، أو يتصل بي من مكتبة ليسألني أو للتأكد من إجابة عن سؤال أمس، لو طلبت زيارة أهلي وهو يعلم أن طليقي جارنا، أخضع لمتاهة من الاستجوابات بكل أدوات الاستفهام، وتخضع إجاباتي لتحليلات واستنتاجات يعجز عنها الذكاء الاصطناعي!
أفهمته عدة مرات أنني غير سعيدة، وأنه رغم ما به من ميزات، فإنه يدمر كل لحظة جميلة في حياتنا بنفس الأسئلة ونفس الإجابات التي ينتج عنها أسئلة، لعل المشكلة الأكثر تعقيداً أنه عادة ما ينهي المناقشة بعقد مقارنة بينه وبين طليقي، ويسألني أيهما الأفضل في كل مناحي حياتنا الزوجية؟ ما يوقعني في حرج شديد وأضطر أن أكذب!
مر على زواجنا حوالي عام، والحمد لله لم أحمل بعد، حال كل منا والحمد لله كلانا بخير، فكرة الانفصال تلح عليَّ جداً قبل أن أحمل وأضطر للاستمرار، بماذا تنصحني؟
فهمك الخاطئ للصراحة جعله يتمادى ولا ينقطع عن مواصلة الاستفسار ما أدى إلى توليد الشكوك
التحليل
رسالة إلى كل زوج وزوجة:
الحياة الخاصة لكل من الزوجين ملك له، ولا يحق لأي منهما الاستفسار عنها، فمثلاً لا يحق للزوج الاستفسار عن كيف قضيت مراهقتي أو خلافي مع أخي، كل زوج مؤتمن على الحياة الزوجية التي جمعته مع زوجه بكل أبعادها وما كان فيها، ولا أقصد فقط العلاقة الخاصة، بل وأؤكد كل الحياة الزوجية؛ كرمه، خُلقه، سلوكه.. أو سبب طلاق زوجه، كل شيء صندوق أسود، من المعلوم من الدين بالضرورة أن الزوج الذي يفشي أسرار زوجه يأثم شرعاً -إلا في حالة الإصلاح، وبقدر ما تقتضيه الشكوى بغرض العلاج يقول الله عز وجل: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء: 21)– فما بالنا وقد أصبح بعد الطلاق أو الوفاة غريباً عنه؟!
طبعاً، هناك فرق بين التعرف على سمات الشخصية ونمطها حتى يقيم كل من الخاطبين مدى توافق بينه وبين من يريد الزواج به، وأن يتحول هذا التعارف الى جلسات تحقيق قد تثير الشكوك والاتهام.
تقول كاتبة الرسالة: «وهو للأسف كان يرفض التدخل لوقف إهانتهم وإيذائهم لي»، من حقوق الزوجة على زوجها حمايتها من أي أذى قد يصيبها، وهذا من متطلبات قوامته، وإن مات في سبيل الدفاع عنها فهو شهيد، إن الخلط وعدم الفهم لفرض بر الوالدين قد يدفع الزوج إلى ظلمها أو عدم حمايتها من أذى الوالدين أو الإخوة، وهذا حرام، بل إن من البر بالوالدين كف أذاهما عن الآخرين وليس الزوجة فقط، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُوماً»، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هذا نَنْصُرُهُ مَظْلُوماً، فَكيفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قالَ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» (رواه البخاري، 2444)، طبعاً لا أقصد أن يرد إهانتهما، ولكن بكل الحب والتذلل وبيان شرع الله، وإن لم يتوقفا فعليه الانفصال بزوجته في حياة خاصة بها، وهذا حقها حتى ولو كانا يعاملان زوجته أفضل معاملة، إن خدمة الزوج لوالديه فرض عليه، ولكنه فضل من زوجته.
تقول كاتبة الرسالة: «عدت لبيت أهلي مطلقة مكسورة»؛ يمر المسلم بالعديد من الابتلاءات سواء أكانت بالعطاء أو بالمنع، فالزواج فتنة كما أن الطلاق فتنة؛ أي اختبار، ليقيم الله علينا الحجة وهو أعلم بما كيف سنتعامل مع ابتلائه لنا، لذا على المسلم أن يحمد الله على كل أحواله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «عَجَباً لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْراً له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْراً له» (رواه مسلم، 2999)؛ لذا يجب على المسلم أن يحمد الله ويصبر صبراً جميلاً ويراجع تصرفاته ويتعلم منها، وينطلق في آفاق الحياة وقد ثقلت التجربة مهاراته ونمت معارفه وقدراته.
إرجاء الحمل إلى أن يشفى زوجك وتستعيدي توازنك وتسقر الحياة بينكما مع الاستعانة بالله
وإلى كاتبة الرسالة:
لقد شاركت زوجك مأساتكما، باعتقادك الخاطئ أن الصراحة والشفافية وهي ضرورية بين الخطيبين لبناء الثقة وحتى يتبين لكل منهما مدى كفاءة ومواءمة الآخر له، ولكن فهمك الخاطئ لمعنى الصراحة والشفافية بأن أُطلع خطيبي على كل حياتي السابقة جعله يتمادى ولا ينقطع شغفه عن مواصلة الاستفسار، أدى ذلك إلى توليد الشكوك فتزداد الاستفسارات فتزداد الشكوك وهكذا دائرة شيطانية لا تنتهي، وأصبح يعيش معك في ماضيك، ويقارن نفسه بزوجك السابق ويحاول أن يستفسر أكثر ليثبت لنفسه أنه الأفضل.
المهم، زوجك مصاب بمرض الوسواس القهري، ويجب عليكما زيارة طبيب نفسي معاً، وأنت جزء من علاجه، وستكون هناك بعض الجلسات المشتركة بالإضافة إلى الدواء، قد يستغرق العلاج من 3 – 6 أشهر، ثم يجب الاستعانة باختصاصي تعديل سلوك «علاقات زوجية».
كما أرى إرجاء الحمل إلى أن يشفى زوجك وتستعيدي أنت توازنك وتسقر الحياة بينكما.
والأهم من كل ذلك الاستعانة بالله عز وجل والدعاء ومراجعة النفس والصدقة بنية الشفاء.