في كل بيت تلفاز وهاتف ووسائل اتصال وتواصل أو أكثر، الأمر الذي يحمل معه سيلاً من الإعلانات التي تلاحق أفراد الأسرة، خاصة الأطفال، وسط إبهار بكل ما هو جديد في عالم المأكولات والحلويات والمشروبات والألعاب وغيره، ما يعظم من الآثار السلبية على نفسية الطفل كمستقبل لتلك المواد الإعلانية.
ويقوم البث الإعلاني على استغلال أطفال صغار في الترويج للسلع والبضائع بشكل غنائي وكوميدي محبب لأقرانهم؛ ما يجعل الطفل يتعلق سريعاً بهذا المنتج أو غيره، وقد يضغط على والديه لشرائه فوراً.
وهناك من يستخدم آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كوسيلة للترويج التجاري، وهو ما لا يجوز شرعاً؛ لما قد يعتري هذا الترويج من بعض المبالغات والغش، ولذلك يجب أن يكون الإعلان خالياً من المحظورات الشرعية، وأن يكون صادقاً في التعبير عن حقيقة السلعة، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء: 29).
في هذا السياق، توصي جمعية علم النفس الأمريكية بتقييد الإعلانات الموجهة إلى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 8 سنوات، بل إن هناك دولاً غربية تمنع توجيه أي إعلان للأطفال دون سن الـ12، كما يمنع استخدام الأطفال في أي حملة إعلانية، وهي معايير لا يتم تطبيقها بصرامة في الكثير من الدول العربية، بحسب «الجزيرة».
يقول خبراء الإعلام: إن المعلنين يستغلون قدرة الأطفال العالية على التخيل، وافتقادهم التفكير النقدي؛ ما يجعلهم يصدقون بسهولة أن منتجاً معيناً سيجلب لهم السعادة، وقد يوجه جل مصروفه لشراء هذه السلعة من وراء ظهر والديه، دون إدراك أخطارها أو أضرارها، وهو ما توضحه السطور التالية.
أولاً: يخلف المحتوى الإعلاني آثاراً سلبية، منها أن الطفل حتى سن الثامنة يمزج بين الخيال والواقع، ويظن مثلاً أن شراء تلك السلعة سيحقق له ما يريد، مثلاً إذا تناول الوجبة المعلن عنها فإنه سيشعر بلذة وطعم لا يقاوم، وأن شراء «تي شيرت» للاعب مشهور فسوف يصبح مثله، وإذا تناول مشروباً يقدمه بطلاً سينمائياً، فسوف يكون قوياً مثله، وهكذا.
ثانياً: يتسبب المحتوى الإعلاني الذي يسيطر فعلياً على وسائل الإعلام ومنصات التواصل، في إشاعة حالة خطيرة من الاستهلاكية والسفه، حيث تربط المادة الإعلانية دوماً بين السعادة والجديد؛ ما يعني أن الطفل يجب أن يتخلص من مقتنياته من الملابس والألعاب والأدوات المدرسية وغيره، ويقتني أشياء جديدة لمسايرة الموضة واقتناء «البراندات»، حتى ولو لم يكن في حاجة ماسة إليها، وقد يرهق والديه بمطالب كثيرة لنيل ما يريد؛ ما يضع ضغوطاً مالية على كاهل الأسرة.
ثالثاً: تضر المادة الإعلانية بفكرة الهوية، وقيم الإنسان، حيث دائماً ما يصور الإعلان الذي يقدمه أحد نجوم المشاهير في عالم الكرة أو الفن، أن السعادة في وضع العطر الفلاني، أو أن الأناقة في ارتداء هذا البنطال، أو أن الحيوية واللياقة عندما ترتدي ماركة معينة من الحذاء، وهكذا يظن الطفل أو المراهق أن ما يستهلكه ويشتريه من ملبس ومأكل ومشرب، هو ما يحقق ذاته، وليس أفعاله وتصرفاته، وأن ما ينفقه هو ما يجعله مقبولاً اجتماعياً لا ما يدخره وينجزه من نجاحات.
رابعاً: تعد الإعلانات أحد مسببات مرض السمنة الذي ضرب 35% من الأطفال في العالم، يتأثرون حتماً بما تبثه قنوات التلفزة ومنصات التواصل عن الوجبات السريعة، دون التحذير مما تحتويه من سكريات أو أملاح زائدة، لذلك تجد الطفل في لهفة لشراء تلك الوجبة وربما إدمانها، وتناول مشروب مثل «مشروبات الطاقة» متأثراً بحجم الدعاية عنها، والمبالغة في إبراز إيجابياتها، مقابل تجاهل ذكر الأضرار الناتجة عنها، فقط هي تركز على المتعة والانتعاش التي يحققها تناول هذا المشروب، وهي مبالغات إعلانية لا يدركها عقل الصغير.
خامساً: من الآثار الخطيرة للإعلانات على المدى الطويل أنها تربط بين الشيء المعلن عنه واختيارات المشاهير فقط، بمعنى أن الطفل يتخلى عن تفكيره، أو إبداء وجهة نظره، أو مطالعة البيانات المدونة على العبوة المراد شراؤها، أو تتبع تاريخ إنتاجها وصلاحيتها، وأضرارها الصحية، فقط هو يشتري لمجرد أن اللاعب الذي يحبه ظهر وهو يتناولها؛ وهو ما يعني الاقتداء بالمشاهير والنجوم فقط.
لذلك ينصح بقضاء بعض الوقت مع الطفل خلال مشاهدة المادة الإعلانية، مع تقديم معلومات حقيقية له عن ذلك المنتج، وفوائده أو أضراره الصحية، مع السماح له بالتجربة ليتعلم التفكير النقدي، وعدم الاختيار بناء على العواطف فقط، وأن يعلم مدى مصداقيتك عندما تخبره أن هذا الإعلان مضلل، أو أن هذا المنتج ليس بذات القيمة التي يظهرها المحتوى الإعلاني، وأن هذا المنتج ليس صحياً له.