بقلم المرحوم- د. عبدالله ناصح علوان:
لكي نحيط بهذا البحث من جميع جوانيه، ونأتي به من جميع أطرافه يحسن أن نتطرق للنقاط التالية:
– اعترف الإسلام بالدوافع الفطرية والميول الغريزية للإنسان.
– أهاب بالمسلم أن يكون حذرًا يقظًا واعيًا من مخططات أعداء الإسلام في الانطلاق وراء اللذة والشهوة
– وأخيرًا: الرد على اتهام الإسلام بدعوة أبنائه إلى الكبت الجنسي والشعور بالخطيئة.. – أما فيما يتعلق بالنقطة الأولى:
فلا شك أن الإسلام اعترف بما للإنسان من دوافع وغرائز وميول… مصداقًا لقوله تبارك وتعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (الروم:30).
ومما تجدر الإشارة إليه أنه لا يمكن أن يكون تصادم بين شرع الله، وبين الدوافع والميول التي ركبها الله في الإنسان، وكيف يكون التصادم والخالق للدوافع الإنسانية والمنزل للشرائع السماوية واحد؟ وكيف يكون التصادم والله سبحانه حين أنزل هذا التشريع أنزله من أجل هذا الإنسان ليكون خليفة الله في الأرض، يسعى إلى عمرانها واستصلاحها ما استطاع إلى ذلك سبيلا؟ فالله إذن هو رب الناس، إله الناس… يشرع لهم ما يرفع من آدميَّتهم وما يحقق خيرهم وصلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
ومما يؤكد اعتراف الإسلام بهذه الدوافع والميول:
أ- شرع الزواج تلبية لهذه الدوافع، واستجابة لهذه الميول:
– قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم:21)
– روى الجماعة عنه عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، «أي القدرة على الزواج»…
– وروى عبد الرزاق والبيهقي: (تناكحوا تناسلوا تكثروا، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة).
ب- حرَّم الرهبانية، والرهبانية: هي العزوف عن الزواج والزهد فيه، واستقذار الدافع الجنسي… بنيَّة التفرغ للعبادة والتقرب إلى الله ولا سيما إذا كان الإنسان قادرًا على الزواج متيسرًا له أسبابه ووسائله.
والنصوص التي تحرِّم الرهبانية هي كما يلي:
– روى البيهقي في حديث سعد بن أبي وقاص: (إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة)
– وروى الطبراني والبيهقي: (من كان موسرًا لأن ينكح ثم لم ينكح فليس منِّي)
– وروى الشيخان: حديث الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادته، فلما أخبروا بها تقالوها، فقال الأول: أمَّا أنا فإني أقوم الليل ولا أنام، وقال الثاني: أما أنا فإني أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: أما أنا فإني أعتزل النساء فلا أتزوج، فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن قال: (أما أنا فإني أخشاكم لله وأتقاكم له، وإني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي).
ج- اعتبر تصريف الشهوة بالحلال من الأعمال الصالحة التي تستأهل المثوبة وتستحق الأجر:
– روى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه: أن أناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام: ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلِّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم… قال عليه الصلاة والسلام (أو ليس الله قد جعل لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة، وبكل تهليله صدقة، وبكل تحميده صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن مذكر صدقة، وفي بُضع أحدكم «الجماع» صدقة)، قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال عليه الصلاة والسلام: (أرأيتم لو وضعها في حرام كان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له فيها أجر)!!
د- أعطى الحرية للزوجين في الممارسة الجنسية ما دام الإتيان في موضع الحرث قال تعالى:
– (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ) (البقرة:223) ومعنى الآية ائتوا نساءكم في موضع الحرث «وهو الفرْج» كيف شئتم سواء آتيتموهن من أمام أو من خلف أو على جنب… أو أية هيئة أخرى؟
- أما فيما يتعلق بالنقطة الثانية: وهي الحذر من مخططات أعداء الإسلام:
فإليكم- يا شباب الإسلام- بعض الخطوط العريضة لهذه المخططات:
- من مخططات اليهودية والماسونية:
أنهم تبنَّوا آراء «فرُويِد» الذي يفسر كل شيء في سلوك الإنسان هو الانطلاق في طريق الغريزة الجنسية، والاسترسال في متاهة الشهوة واللذة.
إنهم تبنَّوا آراء اليهودي «كارل ماركس» الذي أفسد على الكثير عقائدهم وأخلاقهم، ودعا إلى إلغاء الأديان وهاجم عقيدة الألوهية وقال: البديل هو المسرح، اشغلوهم عن عقيدة الألوهية بالمسرح!!
إنهم تبنوا آراء «نيتشه» الذي ألغي الأخلاق، وأباح لكل إنسان أن يفعل ما يؤدي إلى استمتاعه.
إنهم يعملون ليل نهار، لتنهار الأخلاق في كل مكان… فمن أقوالهم في بروتوكولاتهم: «يجب علينا أن نكسب المرأة، فأي يوم مدت إلينا يدها فُزنا بالحرام، وتبدد جيش المنتصرين للدين».
ب- ومن مخططات الاستعمار والصليبية:
يقول أحد أقطاب المستعمرين الكبار: «كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرِقوها في حب المادة والشهوات»…
ويقول القس «زويمر» في مؤتمر المبشرين في القدس: «إنكم أعددتم نشئًا في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله… وبالتالي جاء النشء طبقًا لما أراد له الاستعمار ولا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات»…
ج- ومن مخططات الشيوعية والمذاهب المادِّية:
فيما قاله الشيوعيون في وثيقتهم السريَّة، كما نقلها الأستاذان العقاد والعطار في كتابهما «الإسلام والشيوعية»: «ونجحنا في المجتمعات الدينية في تعميم ما يهدم الدين من القصص والمسرحيات والمحاضرات والصحف والمجلات والمؤلفات التي تروج للإلحاد، وتدعو إليه، وتهزأ بالدين ورجاله، وتدعو للعلم وحده، وتجعله الإله المسيطر…».
فمن هذه الأقوال والمخططات يتبين:
أن اليهودية والماسونية والشيوعية، والصليبية، والتبشير، والاستعمار متضافرون متعاونون متكافئون… على إفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق الخمر والجنس، والمسرح، والمجلات، والصحف، وترويج القصص والأفلام والمسرحيات اللا أخلاقية!! وقد وصلوا- ويا للأسف – إلى هدفهم الخبيث، وغايتهم الدنيئة… حتى رأينا شبابًا وشابات في كثير من العالم الإسلامي اليوم قد انطلقوا وراء الغرائز والشهوات وانزلقوا في مزالق التحلل والميوعة… لا هم لهم ولا غاية سوى التقلب في حمأة الرذيلة والشهوة، والانصراف بكليتهم عن الجبهات المرسومة للكفاح والجهاد… بل همُّهم الأكبر مشاهدة فيلم داعر أو مسرحية فاجرة، أو تمثيلية ماجنة أو ارتياد حالة يذبحون على أعتابها معاني النخوة والشرف أو الجري وراء امرأة ساقطة يريقون على قدمها ماء الحياء والرجولة والكرامة… وهكذا يفعلون!!
فما على شباب الإسلام وشابات الإسلام إلا أن يكونوا واعين حذرين مما يخطط لهم الأعداء، ويبيته المتآمرون… وفي تقديري أن المسلمين اليوم إذا كانوا على جانب كبير من الوعي والحذر واليقظة… فإنهم ولا شك يتحققون بالإسلام عقيدة وعبادة وسلوكًا، ويقومون بواجب المسؤولية في خوض الجبهات المرسومة للكفاح والجهاد، ويستطيعون أن يستعيدوا مجدهم الغابر، وعزتهم السليبة، بل يعودون خير أمة أخرجت للناس…
وها هي ذي بوارق النهضة الإسلامية تلمع في الأفق، وطلائع الجيل المسلم تتحرك في كل مكان… ولن يمضي وقت غير بعيد حتى نرى بأم أعيننا عزة الإسلام قد سمقت، وراية الدولة الإسلامية قد خفقت والشعوب المؤمنة قد توحدت… وشباب الإسلام قد حققوا في كل بلد ووطن النصر المؤزر والفتح المبين، وردُّوا العائقين لعزة الإسلام على أعقابهم خزايا نادمين، وما ذلك على الله بعزيز.
أما فيما يتعلق بالنقطة الثالثة:
وهي اتهام الإسلام بدعوة أبنائه إلى الكَبت… فيحسن بي قبل أن أرد على هذه التُّهمة أن أعرف ما هو الكبت الجنسي كما ورد على لسان «فرُويِد» وكما عرفه علماء النفس والتربية.
«الكبت: هو استقذار العملية الجنسية والاستشعار بالإثم والخطيئة لمن يزاولها، ولو كانت مزاولتها من طريق الزواج!!»
وهذا هو الترهبُن في ذاته، وسبق أن ذكرنا في ابتداء هذا الموضوع كيف أن الإسلام ذمَّ العزوبة، وقبح من شأن الرهبانية؟ وكيف أنه شرع الزواج تلبية للفطرة، واستجابة للغريزة؟ وكيف أنه اعتبر تصريف الشهرة بالحلال من الأعمال الصالحة التي تستأهل المثوبة والأجر؟ فأين الكبت الجنسي؟ هذا هو الإسلام في تعاليمه وواقعيته ومسايرته للحياة، وبناء عل هذه التعاليم والواقعية فإن الفتى الشاب حين يحس بالرغبة الغريزية فإنه لا يحتاج في الإسلام أن يستعيذ بالله من هذا الإحساس المجرد، لأن الإسلام يقرر في صراحة أن هذه الرغبة أمر طبيعي لا نكران له ولا خلاف عليه… وعلى ذلك لا يحتاج كذلك أن يستشعر بالإثم بمجرد هذا الإحساس، ومن ثَمَّ تنتفي كل الاضطرابات النفسية والعصبية التي تنشأ من الشعور بالإثم والتي تؤدي إلى الجريمة في حالات الشذوذ…
وعلي الشاب أن يعلم أن الإسلام لم يبح له أن يطيع هذا الهاتف الغريزي حسبما اتفق بلا حدود ولا قيود… وإنما وضع لذلك حدودًا لا يجوز أن يتعداها، ووضع ضوابط للعفة والتسامِي يجب أن يأخذ بها حتى لا يضل ولا ينحرف ولا يحطم شخصيته على صخرة الشهوات، ولا يفتت كیانه تحت مطارق الإباحية!!
وسوف نذكر أهمها وأظهرها في موضوع مستقل إن شاء الله… وهذا الذي وضعه الإسلام ليس من الكبت في شيء… لأن تحلِّي الشاب بفضيلة العفَّة والتسامي هو تعليق الشهوة لأجَل، وهذا التعليق ينظم النشاط الجنسي ويلطفه ويصعده ولكن لا يقطعه من منبته، وفي الوقت نفسه لا يحرم الإحساس بالجنس في أية لحظة بين الإنسان وبين نفسه.
ألَا فلتخرس ألسنة الذين يقولون: إن الإسلام دين الكبت والرهبانية، وإن نظرته إلى الجنس نظرة استقذار وكراهية فإن كان الادعاء ينطبق على ملل عتيقة جامدة، وعلى شرائع محرَّفة مبدلة، فإنه لا ينطبق على شريعة الإسلام بحال من الأحوال، لأن الإسلام -كما تبين- دين الفطرة والواقعية، وشريعة الخلود والحياة إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50).
وبعد فيا شباب:
قد رأيتم أن الإسلام في نظرته إلى الجنس:
اعترِف بالدوافع الفطرية والميول الغريزية للإنسان وأهاب بكل مسلم أن يكون حذرًا يقظًا واعيًا من مؤامرات أعداء الإسلام.
وأخرِس الألسنة التي تتهم نظام الإسلام بالكبت الجنسي والشعور بالخطيئة بأقوى حجج الاستدلال.
فما عليكم -يا شباب- إلا أن تتعرفوا على الحقائق الخالدة لتُعلنوا للدنيا أن دينكم الذي به تدينون هو دين الواقعية والفطرة، وأن شريعة الله التي بها تعتزون هي شريعة الخلود والحياة… وأنه لا عز للمسلمين ولا استقرار للإنسانية إلا باتِّباع هذا الدين الذي أظهره الله على الدين كله[1].
[1] – منشور في العدد: 840 بتاريخ: 4 ربيع الأول 1408هـ – 27 أكتوبر 1987م.