من أسعد اللحظات التي يعيشها الإنسان، تلك اللحظة التي يترقب فيها نطق ولده الصغير للكلمات، حيث يطير من الفرح حين يسمع نداء البنوة على الأبوة، وتسعد الأم سعادة كبيرة حين تسمع نداء الأمومة من طفلها الصغير، فهذه كلمات يفرح بها الإنسان، وقد يتحسر الإنسان ويتألم حين يعجز عن نطق الكلمات، إما لمرض أو خوف أو حزن أو غير ذلك، كما أنها الكلمات التي يدخل بها الإنسان في دين أو يخرج منه، وقد يجمع بها حسنات أو سيئات.
لقد أوضح الله تعالى أن الكلام نعمة من الله لعباده، قال تعالى: (الرَّحْمَنُ {1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ {2} خَلَقَ الْإِنسَانَ {3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن)، وقال عز وجل: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ {8} وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) (البلد).
وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الكلمة قد ترتقي بالإنسان في أعلى درجات الجنان، وقد تهوي به في دركات النيران، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».
فالكلمة الطيبة هي التي يحبها الله تعالى ويعطي صاحبها الثواب الجزيل، وهي نعمة من الله تعالى للمؤمنين، حيث قال الله تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج: 24).
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم المجالس التي تسودها الكلمة الطيبة، فقد روى الطبراني والهيثمي عن عَمْرو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ -وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ- رِجَالٌ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْشَى بَيَاضُ وُجُوهِهِمْ نَظَرُ النَّاظِرِينَ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ بِمَقْعَدِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟! قَالَ: «هُمْ جِمَاعٌ مِنْ نَوَازِعِ الْقَبَائِلِ، يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، فَيَنْتَقُونَ أَطَايِبَ الْكَلَامِ كَمَا يَنْتَقِي آكِلُ التَّمْرِ أَطَايِبَهُ».
أحاديث تبين أحب الكلام إلى الله
1- «سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ»:
روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ».
وفي فضل هذه الكلمات الأربع وردت أحاديث متعددة، منها ما رواه الترمذي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ».
2- «سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ»:
روى النسائي في السنن الكبرى عَنْ عَبْدِاللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ».
ولأهمية هذه الكلمات واستحبابها عند الله تعالى كانت دعاء الاستفتاح في الصلاة، ففي سنن الترمذي بسند صححه الألباني عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ».
3- «رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»:
روى الإمام النسائي في السنن الكبرى عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»، وروى الإمام الطبراني عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «مِنْ أَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ وَهُوَ سَاجِدٌ: رَبِّ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي»، فهذه كلمات تحمل معاني التوبة والاستغفار من الذنوب، والله يحب التوابين.
4- «سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»:
روى البخاري، ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ».
وروى الإمام مسند أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري أن رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ»، وفي صحيح الجامع عن أبي ذرٍّ الغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحَبُّ الكلام إلى الله تعالى: ما اصطفاه الله لملائكته: سبحان ربي وبحمده، سبحان ربي وبحمده، سبحان ربي وبحمده».
5- «سُبْحَانَ اللَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»:
روى البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، سُبْحَانَ الله وبحمده».